معركة أولي البأس

خاص العهد

دمشق ـ طهران وغرب آسيوي جديد
09/05/2022

دمشق ـ طهران وغرب آسيوي جديد

محمد عيد

توجهت الأنظار الى الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الإيرانية طهران واللقاءات التي أجراها هناك مع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي والرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي، وانشغل العالم بالحديث عن التوقيت والأهداف المرجوة منها وما سيتمخض عنها من مواقف لاحقة وتنسيق مشترك يساهم في تحصين الحلف الواحد في محور المقاومة الذي بات يراكم المزيد من النقاط في صراعه مع المحور الأمريكي.

زيارة في ضوء هذه المعطيات

يرى الباحث السياسي والاستراتيجي الدكتور حسن حسن أنه ومنذ لحظة الإعلان عن الزيارة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتزاحم القراءات والتحليلات والأفكار المتعددة التي تتناول بالبحث والدراسة تفاصيل الزيارة وما تتضمنه من معانٍ ودلالات ورسائل. ولعل القاسم المشترك الأبرز يتلخص في التأكيد على أهمية الزيارة وأبعادها الإستراتيجية التي تتجاوز الواقع القائم إلى المستقبل المحتمل لتطور الأحداث وتداعياتها المتشابكة إقليمياً ودولياً. وبغض النظر عن الكم الكبير من التفاؤل الذي خلفته الزيارة في أوساط جمهور المقاومة فقد يكون من المفيد والأكثر أهمية التوقف عند تقييم الأعداء للزيارة، والتفكير بالتدابير المتوقعة التي قد يعتمدونها للتخفيف ما أمكن من وهج الحدث، والتقليل ما أمكن من النتائج الإيجابية الكبيرة التي قد تفرزها الزيارة الغنية بالدلالات والمعاني والرسائل المتعددة التي تتضمنها، ولذا من المهم التوقف عند ما تم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام الرسمية، والبحث بين السطور لتشكيل صورة تمكّن المتابع من تكوين فهم موضوعي عبر قراءة تحليلية يمكن الاستناد إليها في استشراف آفاق المستقبل لتطور الأحداث وتداعياتها، وهنا يمكن الإشارة إلى مجموعة من النقاط المهمة بحسب حسن.

توقيت الزيارة

1- جاءت الزيارة بعد صمود سوري لأكثر من أحد عشر عاماً في مواجهة أقذر حرب مركبة عرفتها البشرية، وثبت سقوط الأهداف الإستراتيجية الكبرى لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية والمتمثلة بإسقاطها وتفتيتها تمهيداً لتشظية بقية دول المنطقة واعتمادها منصة متقدمة لتمكين الكيان الصهيوني من التفرد والهيمنة على قرار دول المنطقة وشعوبها.

2- تحرير مساحات شاسعة من الجغرافيا السورية من براثن الإرهاب التكفيري المسلح ورعاته بغض النظر عن المسميات وعودتها إلى سيطرة الدولة، وتزامن ذلك مع حرص رسمي على تنفيذ أكبر قدر من المصالحات المحلية في العديد من المحافظات لتسوية أوضاع أكبر عدد ممكن من المواطنين، وضمان عودتهم إلى حضن الوطن، وتمكينهم من ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.

دمشق ـ طهران وغرب آسيوي جديد

3- الاستمرار بنهب مصادر الطاقة لسوريا، وسرقة المحاصيل الزراعية، وممارسة الإرهاب الاقتصادي وبلوغه أعلى ذروة ممكنة ضد الشعب السوري المحتضن لجيشه، والملتف معه حول القيادة وثبوت إخفاق سياسة التجويع التي تمارسها واشنطن وأتباعها في تركيع الشعب السوري وإذلاله، ودفعه للخروج على إرادة دولته وقيادتها.

4- بدء مرحلة جديدة في التعامل مع الدولة السورية، وبروز مؤشرات واضحة على اعتماد مقاربة جديدة تتضمن عودة بعض الحرارة إلى العلاقات بين سوريا وبعض دول المنطقة التي كان لها دور سلبي في استمرارية الحرب على الدولة السورية الحريصة على تمسكها بثوابتها، ورفض المساومة على الحقوق، والمؤمنة بأهمية العمل العربي المشترك انطلاقاً من أن حالة التشرذم والفرقة لا تخدم قضايا الأمة، بل العكس.

5- تصاعد حمّى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتهافت بعض دول المنطقة لإرضاء حكام "تل أبيب"، بالتزامن مع ازدياد الإجرام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وانتقال المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة امتلكت فيها بعض عوامل الردع الجزئي القابل للزيادة والتوسع أفقياً وعمودياً، وقد شكل انخراط عرب48 في أعمال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عاملاً نوعياً جديداً فرض نفسه في معادلة المواجهة المفتوحة ضد قمع سلطات الاحتلال المرتبكة ولفاشلة في مصدرة إرادة الفلسطينيين في ظل سوداوية جميع الخيارات المتاحة أمام جيش الاحتلال وقطعان لمستوطنين.

6- استمرار الاستعصاء في الملف النووي الإيراني، وعدم وصول المحادثات في فيينا إلى نتائج ملموسة يمكن البناء عليها بسبب الإصرار الأمريكي على سياسة التسويف والمماطلة، وفي الوقت ذاته تمسك طهران بأهمية الحصول على ضمانات موضوعية تمنع أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن من إمكانية تعطيل أي تفاق يتم التوقيع عليه مستقبلاً.

7- وصول الاشتباك الروسي ـ الأطلسي مرحلة خطيرة جداً على الجغرافيا الأوكرانية التي أرادوها منصة متقدمة للانقضاض على روسيا، كما أرادوا إحراق الشرق الأوسط  لضمان الاستفراد بإيران، وتزامن الاستهداف الممنهج لروسيا باستعصاءات دبلوماسية غير مسبوقة، وتبادل طرد عشرات الدبلوماسيين، وتصعيد حمى التصريحات العدائية والتصريحات الجوابية التي تصب الزيت على النار، إلى مرحلة أصبح فيها العالم على شفا هاوية قد تفضي إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر، ومن المسلم به في الفكر الإستراتيجي العسكري أن تحشيد القوات قد يؤدي إلى الانزلاق نحو الحرب، وإن تكن الأطراف المتحشدة غير راغبة بذلك.

8- ضبابية المستقبل القريب الذي ينتظر الاشتباك الروسي الأطلسي، فجميع الخيارات تبقى حاضرة على الطاولة، وإخفاق سياسة العقوبات الاقتصادية على روسيا حتى الآن في ليّ الذراع الروسية لا يعني أن الغرب قد يعيد التفكير في المقاربات التي يعتمدها، بل قد يعني مزيداً من المراهنة على إمكانية جر روسيا إلى مستنقع أفغانستان جديدة في أوكرانيا، وهذا بدوره يعني رفع منسوب المراهنة الروسية على إمكانية تآكل صلاحية الدولار كعملة صعبة، وأي خضة زائدة وخارج إطار الحسابات المحمَّلة على خريطة عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تزيد من إمكانية انهيار الاقتصاد العالمي برمته، وهذا ما لا تستطيع أية جهة في العالم تحمل مسؤوليته، ولا تقدير تداعياته.

الرسائل الواضحة

ويشير الباحث السياسي والاستراتيجي الدكتور حسن حسن إلى أنه ومن المسلم به أن ما يتم نشره عبر وسائل الإعلام هو جزء من كل، وهذا الجزء يتضمن الرسائل المطلوب إيصالها إلى الصديق والعدو بآن معاً، وما تم نشره رسمياً يؤكد مجموعة من العناوين الرئيسة والنقاط لمهمة، ومنها:

• سنوات الحرب المفروضة على سوريا لم تفقدها ما تملكه من أوراق القوة الذاتية الفاعلة، بل إن احترامها ومكانتها اليوم ـ وفق ما أوضحه الإمام الخامنئي ـ أعلى بكثير من السابق، وعلى الجميع أن ينظر إليها كقوة إقليمية.

• استمرار إيران في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقي الأراضي السورية، والثقة تامة بقدرتها على تحرير ما تبقى من أرضها، وهي ستبقى موحدة بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، كما أن إيران ستبقى إلى جانب سوريا لمساعدتها في تجاوز الصعوبات، فمعاناة السوريين هي معاناة لإيران.

• الولايات المتحدة اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى، ومن المهم الاستمرار في التعاون من أجل عدم السماح لأمريكا بإعادة بناء منظومة الإرهاب الدولية التي استخدمتها للإضرار بدول العالم، وخاصةً دول المنطقة طوال العقود الماضية.

• صوابية الرؤى والنهج الذي سارت عليه سوريا وإيران منذ سنوات، وخصوصاً في مواجهة الإرهاب.

• النهج الذي تتبعه الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية لا يخدم مصلحة إيران وسوريا فقط، بل كلّ دول المنطقة وشعوبها.

• القضية الفلسطينية اليوم تعيد فرض حضورها وأهميتها أكثر فأكثر في وجدان العالم العربي والإسلامي بفضل تضحيات أبطال المقاومة.

• وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أن الزيارة "تظهر أنّ الحلف مع إيران سوف يبقى وحتى يزداد قوة"، وهذا يعني أن كل الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على الجغرافيا السورية قد فشلت في تحقيق المطلوب منها، ولم تتمكن، ولن تتمكن من قطع شريان التواصل، ولا التأثير على العلاقات الثنائية التي تزداد قوة ومتانة.

استنتاج

استنادا إلى كل ما سبق وأمام هذه اللوحة المعقدة والمتشابكة إقليمياً ودولياً، ولتفادي الوصول إلى حرب عالمية ثالثة ساخنة يلفت الدكتور حسن إلى ضرورة إيجاد مخرج، أي تنفيس هذا الواقع المحتقن لتفادي الانفجار، و"التنفيس" يحتاج إلى بيئة مهيأة وقابلة للاشتعال الذي قد يؤدي إلى تبريد آني لبقية بؤر التوتر والاضطراب في المناطق الأخرى، وقد تكون منطقة الشرق الأوسط الأنسب للانفجار المطلوب. وما يقلق صناع القرار الصهيو ـ أمريكي أمر أساسي يتمثل في اليقين بالعجز عن تحديد مدة الاشتعال، والتحكم بامتداداتها وتداعياتها، وهذا يعني إذا كانت الحكومة العميقة المتحكمة بالكثير من مفاصل صنع القرار الدولي قد وصلت إلى قناعة بتآكل الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي، لأنه اليوم عاجز عن حماية نفسه، فكيف له أن يحمي مصالح الطغمة الساعية لإحكام السيطرة على القرار الدولي؟ وهذا بدوره يعني اقتراب زمن الحرب المفتوحة مع هذا الكيان ومن يدعمه، ومؤشرات الواقع تدل على أن ذلك محكوم بنتيجة واحدة عنوانها: زوال كل ما له علاقة بمصطلح الشرق الأوسط الجديد والكبير والموسع من التداول، ليحل محله مصطلح غرب أسيوي جديد يمهد لانحسار نهائي للأحادية القطبية، وخلق البيئة المطلوبة لنظام عالمي يتجاوز سلبيات كل من الأحادية والثنائية القطبية بآن معاً، وهذا يعني أنه من حق محور المقاومة أن يعمل لحجز مكانه اللائق والمتناسب مع ما قدمه من تضحيات وضرائب في هذا النظام الجديد الذي تتضح معالمه تدريجياً، وإن كان من المبكر الإعلان رسمياً عن ولادته.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد