خاص العهد
رواية أيام التحرير من فم صانعيه: هكذا دحرنا العدو ونفذنا أكبر عملية تحرير في أربعة أيام
أمير قانصوه (*)
المكان هو إحدى القرى المواجهة للاحتلال في الجنوب عند الطرف الجنوبي لبلدة الغندورية،الساعة تشير الى وقت أذان الظهر (21/ايار ـ مايو 2000).
بلاغ من قيادة المقاومة الاسلامية الى الوحدة الميدانية ـ وفق الخطة المقررة ـ يعلن الجهوزية التامة في الميدان لكل وحدات المقاومة الاسلامية: وحدة الاستطلاع والرصد، وحدة الهندسة، وحدة الاسناد الناري ووحدات المشاة، للبدء بخطوة التحرير الأولى نحو بلدة القنطرة.
مع هذا البلاغ العسكري الذي وصل للقائد الميداني هناك.. اقتحم المجاهدون الشريط الحدودي المحتل وخلفهم حشود المشتاقين لأرضهم وبلداتهم، في القنطرة ودير سريان والقصير والطيبة، وليكتمل التحرير في غضون أربعة أيام من البحر حتى جبل الشيخ، وتبقى العين والبندقية والسلاح باتجاه ما تبقى من أرض محتلة في مزارع شبعا وغيرها.
"لم يكن انسحاباً، كان فراراً.. حزب الله كان يتقدم، خفنا ان يصل الينا ونحن ما زلنا في موقعنا في حاصبيا، فتركناه على عجل وانسحبنا، ووراءنا كانت لا تزال آلياتنا".
هكذا بدا الأمر في الجهة المقابلة كما يروي جندي صهيوني، كان من بين آخر الجنود الذين فرّوا من لبنان، في برنامج خاص عرضه تلفزيون العدو لمناسبة مرور عام على دحر جيش العدو من لبنان.
"كنا نتقدم بخطوات حذرة، نقتحم المواقع ونقبض على العملاء.. ومن ثم نبلغ الاهالي بإمكانية دخولهم الى بلداتهم.
ترك العدو كل شيء في الارض، جنوده لم يكن أمامهم الوقت الكافي حتى لحمل ملابسهم، فتركوا الآليات العسكرية في الارض وأحرقوا الوثائق".
هذا ما قاله لنا أحد المجاهدين ممن تقدم وحدات المقاومة الاسلامية أثناء التحرير، ويصف مشهد يوم التحرير بالقول: "لا أنسى مشهد آليات العدو تحترق على الطريق بين كفرتبنيت والخردلي وصولاً حتى تل النحاس، كان مشهداً لجيش مهزوم.. أعتقد أننا ثأرنا فيه من كل مشاهد الهزيمة التي تعوّدنا ان نراها في الجيوش العربية".
حكاية اقتحام المنطقة المحتلة من وحدات المقاومة الاسلامية التي تقدمت جموع الاهالي، رواها عدد من كوادر المقاومة.. ممن قادوا هذه الوحدات في منطقة الغندورية، الطيبة، مرجعيون وبنت جبيل.
كانت السيارة تسير بنا مسرعة في طرق البلدات المحررة، ولم يكن يشغلنا غير النظر من النافذة الى الحقول التي تتنفس تربتها مع نسمات أيار / مايو هواء الحرية.
كان المجاهد الذي يقود السيارة لا يتردد في الاجابة عن أسئلتنا عن الطرق والحقول، الدروب الوعرة، والمواقع المحطمة.. التي بدت قفراء أشبه بميت في صحراء.
توغلت السيارة أكثر حتى اقتربت من موقع عسكري تحيط به الابراج.. كان ذلك الموقع استراتيجياً بالنسبة الى العدو قبل ان يفرّ منه من دون ان ينظر الى الوراء..
في هذا الموقع كان لقاؤنا مع مجموعة من مجاهدي المقاومة الاسلامية ممن أشرفوا ميدانياً على عملية التحرير في مختلف القطاعات العسكرية.
بوّابة التحرير
ـ الأخ المجاهد "أبو محمد"، لأنك كنت في الاشراف العسكري على عملية التحرير في بداياتها، كيف تستعيد لنا تلك اللحظات؟
بفضل الله سبحانه وتعالى وبعد عدة عمليات جهادية شنتها المقاومة الاسلامية على الفوج الـ70 التابع لميليشيا العملاء في المنطقة الممتدة من علمان الشومرية الى منطقة عيترون، حصل احباط كبير لدى اللحديين وانهيار عند الجنود الاسرائيليين، ما أدى الى فرار عدد كبير من العملاء واستسلامهم الى المقاومة الاسلامية(..) خلال أسبوع استسلم ما يقارب خميس لحدياً من هذا الفوج، وهو ما انعكس على عديده الذي لم يعد كافياً لتغطية المواقع.. ما دفعهم الى اخلاء عدد كبير منها، لا سيما مواقع القنطرة، الصلعة ومشعرون، اضافة الى إحجامهم عن التحرك بسهولة، ما أتاح فرصة للمقاومة لتتحرك اكثر فأكثر..
فالمنفذ الذي انطلقت منه المقاومة للقيام بعملية التحرير هو اخلاء موقعي "الصلعة" و"المحيسبات" اللذين كانا يسيطران على بلدة القنطرة. كان لدى المقاومة فكرة، وهي ان تنفذ الى هذه البلدة في خطوة تجريبية تمهيداً للقيام بتحرير واسع لكامل المنطقة المحتلة، وهذه التجربة حاولنا فيها توأمة العمل العسكري والشعبي بفعل ميداني واحد، بأن تقوم المقاومة بداية باستطلاع المنطقة وتسهيلها أمنياً لدخول الناس.
وبالفعل احتشد عدد كبير من أهالي القنطرة ودير سريان والقصير عند بوابة التحرير في بلدة الغندورية، الا ان قوات الطوارئ عارضت في البداية، باعتبار ان هذه المنطقة محظورة، وأن الصهاينة لا يسمحون لأحد بالدخول اليها، وإن دخل فسيتعرض لإطلاق نار (...)، ولكن نحن كنا استطلعنا المنطقة بشكل دقيق قبل أيام من التحرير، وتبين لنا أنها آمنة، فأكدنا للأهالي ذلك، عدا أن وجود المجاهدين أمامهم وبينهم كان عامل اطمئنان كبير لهم، فاندفع الاهالي الى خلع البوابة برغم قوات الطوارئ، ودخلوا البلدة تحت حماية رجال المقاومة.
ـ كيف حصلت الحماية؟
اعتمدنا لتحقيق الحماية الوسائل العسكرية الكفيلة بأمن المدنيين من خلال الكمائن التي قمنا بنصبها والطرق التي مهّدتها المقاومة الاسلامية قبل أيام من بداية التحرير.
جرى الدخول الى بلدة القنطرة بشكل طبيعي ومفاجئ للعدو، فحاولنا جس نبض العدو اذا توسّعنا في تحركاتنا، لكن كان هناك حذر من قيام العدو بالقصف على المدنيين، وبالفعل حصل قصف على جوار بلدة القنطرة، الا ان هذا القصف لم يربك الاهالي المحتشدين الذين توغلوا اكثر في البلدة، فعمد عندها العدو الى قصف خراج البلدة ليخلق جوّاً من الرعب والخوف عند المدنيين، لكن هذا الجو لم يؤثر، بل على العكس، فقد أوجد حماسة لدى الاهالي في التقدم أكثر فأكثر. وبالتأكيد كانت المقاومة تدير اندفاع الاهالي حتى لا يتعرض أحد لأي خطر، من خلال مؤازرة مجاهديها لهم.
من القنطرة انطلقنا الى بلدتي دير سريان والقصير، وهناك عارضت قوات الطوارئ مجدداً تقدم الاهالي، فما كان الا ان عملوا مجدداً على خلع البوابة لدخول البلدتين، وهناك توافد الى البلدة وفد من اهالي بلدة الطيبة الذين أبدوا استعدادهم ورغبتهم في التعاون معنا لدخول بلدة الطيبة والقبض على العناصر اللحدية.. في البداية توغلت مجموعة من رجال المقاومة الى البلدة وعملت على القبض على عدد من العملاء الذين قد يعيقون الاهالي من الوصول الى البلدة، وبعد إلقاء القبض على هؤلاء العملاء أتيح المجال أمام المدنيين لدخول البلدة وهم مطمئنون (..). وبوصولهم الى ساحة البلدة حيث كان الاهالي مجتمعين، كان هناك عناصر لحديون ما زالوا في موقع الطيبة، فحاولوا إخافة الناس باللجوء الى القصف المدفعي وإطلاق رشقات نارية، غير ان الاهالي لم يبتعدوا، بل حاولوا الاقتراب من الموقع اللحدي.. في هذه الاثناء كان رجال المقاومة جاهزين للرد اذا ما تعرّض هذا الموقع للمدنيين. وأمام هذا الوضع طلب رجال المقاومة من المدنيين الاقتراب قليلاً من موقع الطيبة، فما كان من عناصره الا ان فروا، وبالتالي أصبح الموقع تحت قبضة المقاومة.
الطائرات المروحية الصهيونية قامت بقصف جوار الموقع لإبعاد المدنيين، كما قام العدو بالتمشيط برشاشاته الثقيلة بشكل كثيف حول الموقع ليمنع المدنيين من دخوله، واستمرت هذه الحالة حتى فجر يوم الاثنين.
وفي صبيحة هذا اليوم كانت المقاومة ترصد تحرك تجمع للعدو الصهيوني في بلدة العديسة، يتحضّر لدخول موقع الطيبة خوفاً من ان تتوسع عملية الانتشار، فقامت المقاومة بقطع الطريق على العدو وذلك بضرب هذا التجمع بداية، واعترف يومها العدو بمقتل جندي اسرائيلي في محيط منطقة "مسكاف عام"، وفي الوقت نفسه جُهزت كمية من المتفجرات لتفجير موقع الطيبة لقطع الطريق أمام العدو ومنعه من التموضع مجدداً فيه.
ـ نلاحظ مما تقدم ان الامور كانت تجري خارج حسابات العدو الصهيوني؟
من الطبيعي ان الامور كانت تجري خارج حسابات العدو، بل كانت صدمة له، بدليل انه كان لا يزال في موقع الطيبة أثناء دخول الاهالي الى البلدة.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا هو: لماذا لم يلجأ العدو الى قصف المدنيين أثناء اقترابهم من الموقع؟
العدو حاول قصف المدنيين، الا ان وعي رجال المقاومة في ادارة حركة المدنيين جنّب وقوع أي ضحايا في صفوفهم، ولو كانت الامور بشكل مختلف لكان سقط شهداء أكثر.
ـ لم تكونوا قد دخلتم الى بلدة العديسة؟
صحيح، لأن العدو عمد الى إقامة متاريس منعاً لتوغل الاهالي والسيارات الى البلدة، كما قام بانتشار عسكري لتجنيب العديسة مصير غيرها من القرى التي خرجت من قبضتهم، وكان لديهم استعداد للقتال. الا ان عدداً من المواطنين خرجوا من البلدة يحملون رسالة من اللحديين يقولون فيها ان هناك ستين لحدياً مجتمعين في العديسة لن يسلموا أنفسهم، فكان رد المقاومة انه في حال عدم الاستسلام فإن مصيرهم هو الموت.
في هذا الوقت توغل مجاهدو المقاومة الى البلدة، فشعر عندها اللحديون بالخطر، الأمر الذي حدا ببعضهم للاستسلام، في حين ان البعض الآخر حاول الفرار والاختباء. وبما ان البلدة كانت محاصرة من قبل رجال المقاومة، فقد اضطر البعض الذي لم يكن قد استسلم بعد الى الاستسلام في اليوم التالي، أي صباح يوم الثلاثاء. وقد حاول العدو بكل جهده منع الاهالي من دخول العديسة، وعمد الى استهداف جرافة كانت تعمل على ازالة الساتر واستشهد فيها الاخ عبد الرسول رمّال.
ـ بعد الوصول وتحرير بلدة العديسة أصبحتم على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهذا يعني ان القطاع الاوسط بات منفصلاً عن القطاع الشرقي؟
صحيح، اذ إنه من خلال السيطرة على بلدة العديسة انقسمت منطقة ما يسمى "بالشريط الامني" الى شقين، بحيث لم يعد هناك أي مجال للتواصل، وبالتالي انقطع التواصل الميداني بين القطاعين الاوسط والشرقي.
ـ لكن أين كان الصهاينة؟
حاول العدو التدخل بقوة، لكن لم تكن لديه أي من الخيارات، لأنه اذا قاوم تقدم الاهالي فإن ذلك يعني ان مستوطناته ومستعمراته ستكون تحت الخطر.. المهم انه بعد سقوط قوة العملاء التي تجمعت في العديسة أصبحت منطقة فوج السبعين اللحدي تحت سيطرتنا، فجرى الدخول الى بلدة حولا عبر بلدة طلوسة، ثم تابع الاهالي سيراً على الاقدام الى بلدة مركبا، وإليها عبر حولا بواسطة السيارات. في هذه الاثناء حصلت ردود فعل من قبل القوات الاسرائيلية منعاً لتوسيع رقعة الانتشار، باعتبار ان مركبا وحولا تقعان على الشريك الحدودي، ومن شأن هذا الانتشار ان يشكل خطراً على المستوطنات القريبة من الشريط، خاصة أن العدو لم يكن جاهزاً لمواجهة حركة التحرير هذه.
ـ هل جرى الدخول الى هذه البلدات بعد إخلاء العملاء مواقعهم فيها؟
لا، فقد دخلنا بلدة حولا مثلاً وكان العملاء لا يزالون في موقع حولا وثكنتها، فعمل المجاهدون على محاصرتها ووجهوا إنذاراً الى العملاء ليسلّموا أنفسهم، وإلا تعرضوا لنيران المقاومة، فما كان من البعض إلا ان سلم نفسه، فيما الآخرون رفضوا وطالبوا بضمانات، فرفضنا إعطاءهم أي ضمانة، وتعاملنا معهم باستخدام أسلوب الترهيب، حيث أطلقنا رشقات نارية فوق رؤوسهم، ما أجبرهم على الاستسلام.
ـ لوحظ ان مواقع العدو التي شاهدناها كانت خارج حساب الانسحاب، وكان فيها ذخائر كافية للقتال أشهراً، وحتى المؤن الغذائية؟
صحيح، لأن حاجاتهم كانت تدل على أنهم سيمكثون طويلاً، ولم تكن لديهم نية الانسحاب مطلقاً، والدليل أنه عندما وصلنا الى المواقع تبيّن لنا ان الاسلحة مجهزة لفتح معركة، كما كان الامر مثلاً في موقع القبع اللحدي.
ـ ما هو تفسيركم لفرار كبار العملاء مع الاحتلال، فيما الاقل رتبة ظلوا في مواقعهم؟
لأن رموز العملاء يعرفون ما جنت أيديهم، أما العنصر اللحدي فلديه خياران: إما الفرار الى فلسطين المحتلة من دون العودة الى وطنه، وإما ان يستسلم للمقاومة لمعرفته السابقة بأن المقاومة تمتلك من الرأفة والرحمة الشيء الكثير.
ـ عند بوابة فاطمة في كفركلا، رأينا كيف منع العدو العملاء من دخول فلسطين، ووصل الأمر الى حدّ أنه أطلق النار عليهم، أين كانت المقاومة لحظتها؟
أقول ان سيطرة المقاومة الاسلامية على القرى الأمامية دفعت بكبار العملاء ليحسبوا حساباً لأنفسهم بأن مصيرهم بات مهدداً، فاستماتوا للدخول الى فلسطين المحتلة، برغم أن العدو كان يواجههم بالنار.
ـ كيف استطعتم ـ كمجاهدين ـ ان تتمتعوا بهذه الانضباطية خلال القبض على العملاء، او دخول بعض البلدات التي تميل إليهم ولو عاطفياً؟
نحن أولاً نعمل وفق تكلفينا الشرعي، ووفق التعليمات التي توجهها لنا قيادة المقاومة الاسلامية.. ومع ذلك كنا نتوقع ان يكون قد عمد العملاء الى زرع عناصر سرية لخلق أجواء معينة، وبالتالي ان يصدر منهم ردود فعل، وهو أمر تحسبنا له، لكننا تعاملنا مع الوضع بشكل يبعد أي نوع من الحسابات (...)، ثم إن أحداً لم يتجرأ من العملاء على مواجهة المقاومة.
ـ نتابع رحلة التحرير من حولا.. الى أين؟
من حولا جرى الانطلاق الى بلدات ميس الجبل وبليدا ومحيبيب، حيث ترك العدو وراءه كميات كبيرة من العتاد والذخائر التي سُحبت من قبل رجال المقاومة.
ـ كيف حرّر المجاهدون قضاء بنت جبيل والقطاعين الأوسط والغربي؟
ـ كيف تخلّى العدو عن "المناطق الاستراتيجية"
ـ الآليات المحترقة على طول الطريق من كفرتبنيت الى الخردلي وتل النحاس
ـ "لا ننسى الشهداء الذين قدموا دماءهم ليتحقق هذا التحرير"
من منطقة العديسة حولا.. ننتقل الى قضاء بنت جبيل، ليروي لنا المجاهد ابو عباس، احد القادة الميدانيين، كيف تمت عملية تحرير هذه المنطقة.
ـ كيف بدأ التحرير في هذه المنطقة؟
قبل ظهر يوم الاثنين 22 أيار/مايو، دخل الاخوة الى بلدة حولا وكان ذلك حافزاً للتحرك باتجاه منطقة بيت ياحون، اثناء وجود الاخوة المجاهدين على مشارف بلدة بيت ياحون، كانت تبدو لنا حركة غير طبيعية في الموقع، تُظهر حالة الضياع لدى عناصر هذا الموقع. ومن ذلك مجيء سيارات مدنية، علمنا انهم كانوا من ذوي العملاء الذين اتوا لأخذ أولادهم، كما قامت مجموعة من العملاء في حافلة بتسليم انفسهم عند معبر بيت ياحون وتحدثوا عن اطلاق نار عليهم من العملاء عند صف الهوا. وهذا كان الدافع الرئيسي ومؤشراً مهماً لنا للتحرك باتجاه موقع بيت ياحون.
بدأ الاخوة بالتحرك، وعند وصولهم الى معبر بيت ياحون تلقينا معلومات من وحدات الرصد في المقاومة بأن العملاء في المعبر والموقع بدأوا بالهرب.. وكانت الصورة ان مجاهدينا وخلفهم الاهالي يتقدمون الى المنطقة فيما العملاء يتراجعون ويفرون. وصلنا الى المعبر، فسقطت بعض القذائف في محيط بلدة بيت ياحون التي فرّ اليها العملاء. بعد ان سيطر المجاهدون على الموقع الجديد.
تقدم المجاهدون الى بلدة بيت ياحون، فتابع العملاء الفرار باتجاه بلدة كونين وخلفوا وراءهم دبابة وبعض العتاد العسكري في قلب بلدة بيت ياحون. واستسلم بعضهم للمجاهدين.
بدأ العدو الرماية من دبابة في صف الهوا، قيادة اللواء الاسرائيلي باتجاه بيت ياحون وأصيب عدد من المواطنين عند اطراف البلدة وذلك لمنع التقدم باتجاه كونين. فالاسرائيليون كانوا لا يزالون في صف الهوا.
قام المجاهدون بضرب الدبابة التي كانت تقوم بأعمال القصف على المدنيين، ما ادى الى احتراقها وإصابة طاقمها.
التقدم باتجاه بيت ياحون تزامن مع تقدم المجاهدين باتجاه موقع برعشيت من داخل بلدة برعشيت حيث تمت السيطرة عليه.
خلال قطع العدو للطريق بين بيت ياحون وكونين كانت مجموعات من المجاهدين توغلت الى داخل بلدة كونين.
العدو عمد أيضاً في هذا الوقت الى قصف طريق تبنين بيت ياحون التي كانت تشهد دخول عدد كبير من الاهالي الذين بدأوا بالتهافت الى المنطقة بعد سماعهم خبر تحرير المقاومة بلدة بيت ياحون.
كما عمد الطيران الى قصف محيط بيت ياحون والطريق المؤدي الى تبنين.
بعد الدخول الى بلدة بيت ياحون اصبحت منطقة الـ17 مكشوفة على مستوى الرؤية للمجاهدين وتحت مرمى النيران المباشر، هنا تقلّصت خيارات العدو وأصبحت السيطرة تامة من قبل المجاهدين على منطقة بيت ياحون.
في هذا الوقت كانت الاخبار تتوالى من بنت جبيل عن حالات الهلع والخوف التي تسيطر على العملاء، حيث اطلقوا النار على الاهالي الذين تظاهروا داخل بنت جبيل للتلاقي مع القادمين من خارجها ولدفع العملاء للخروج.
ـ متى ترك الاسرائيليون ثكنتهم في صف الهوا؟
بمجرد دخول المجاهدين الى بيت ياحون وسيطرتهم على المنطقة بدأ العدو يفكر كيف يخرج قواته من منطقة صف الهوا خصوصاً ان ذلك لم يكن بعيداً عما يحصل في بقية المناطق.
لكن اثناء النهار، بعد ان تم تدمير الدبابة، لم يعد العدو قادراً على التحرك، خوفاً من الضربات التي قد تتعرض لها قواته من المجاهدين.
لذلك انتظر حتى حلَّ الظلام، مساء يوم الاثنين فبدأ بإخراج قواته من المنطقة، فجر يوم الثلاثاء (23 ـ 5) دخل المجاهدون الى مدينة بنت جبيل، وهم كانوا على تماس معها، بعد ان تم ضرب طوق عسكري في المنطقة لحماية الاهالي الذين كانوا في بيت ياحون وفي كونين من أي عدوان قد ينفذه العدو ضدهم.
ـ هل سلّم اللحديون في صف الهوا انفسهم ام فرّوا؟
عدد كبير منهم كان قد ترك الثكنة وذهب الى بيته بانتظار دخول المقاومة حتى يسلّم نفسه والاخرون ممن يعرفون حقيقة ارتباطهم الوثيق بالعدو ومستوى الجرائم التي نفذوها، فروا مع العدو خلال الليل.
ـ كيف كان يتم الدخول الى مواقع العدو؟
بالتأكيد كان هناك "تكتيكي" عسكري ينفذه المجاهدون باتجاه هذه المواقع، تقوم فرق الهندسة بفتح الطريق ثم يتم اقتحام الموقع كثكنة الـ17 دون اطلاق نار، لكن الاجراءات العسكرية تقتضي الحذر من غدر العدو.
اللافت في ثكنة الـ17 ان العسكريين الصهاينة خلّفوا وراءهم ثيابهم المدنية، فلم يكن لديهم وقت كاف لأخذ أمتعتهم.
وهنا أذكر اننا عند الدخول الى موقع بيت ياحون وجدنا "الترويقة" جاهزة، وصحن الفول كان لا يزال ساخناً.. وهذا يدل على انهم لم يتحسبوا لهذا الموقف.
في ثكنة الـ17 ما استطاع العدو حمله، اخذه معه. يعني ما خف حمله وما غلى ثمنه، بالتأكيد من الناحية الامنية. وترك الآليات والاعتدة العسكرية.
ـ كيف أكملت عملية التحرير بعد بنت جبيل؟
بعد تحرير مدينة بنت جبيل والقبض على العملاء بدأ المجاهدون التحرك باتجاه عيناتا والقرى المجاورة. وكانت الاجواء اشبه بعرس للأهالي المقيمين والقادمين.
"القطاع الشرقي"
الأخ المجاهد ابو احمد حدثنا عن تحرير منطقة القطاع الشرقي كما كان يسميها الاحتلال وهي الممتدة من الدبشة مروراً بأقليم التفاح حتى حاصبيا يبدأ حديثه بالقول:
بداية التحرير في هذه المنطقة سبقت موعد التحرير الذي بدأ من الغندورية بأسابيع عندما اقتحم المجاهدون موقع عرمتى ونسوفه وبالتالي اندحر العدو عن هذه المنطقة وتحررت بلدة عرمتى.
ثم سقط موقع بئر كلاب وقبل اشهر قليلة كان العدو اندحر عن موقع سجد الاستراتيجي، وأتبعه اندحاره عن موقع عرمتى ومع التحرير دخل المجاهدون الى منطقتي الريحان والعيشية، عندما شعر العدو بالخطر استغل الليل لهروبه من هاتين المنطقتين. وحتى انه ترك العديد من الاليات المهمة فقام بالاغارة عليها لتعطيلها وتدميرها لأنه لم يستطع سحبها.
ـ هذه المنطقة كانت تشكل منطقة استراتيجية للعدو؟
ما يميز هذه المنطقة، ان المواجهة التي جرت هناك كانت مواجهة عسكرية بكل ابعادها. ووجهت له ضربات عسكرية قاسية. وهذا يعني ان الانسحاب كان خارجاً عن ارادته.
ترك المنطقة كان قراراً صعباً بالنسبة له، فمجرد الانسحاب من هناك يعني وصول المقاومة بشكل مباشر للعمق الاسرائيلي، والمواقع القيادية للعدو والعملاء. لذلك كان قرار البقاء في هذه المواقع والاستمرار فيها، فقط من اجل ان يحافظ العدو على ما تبقى من مواقعه القيادية في مرجعيون والعيشية وقلعة الشقيف والدبشة.
ـ ماذا تتذكر عن الانسحاب من هذه المنطقة؟
اللافت هنا، هو المشهد الذي لا يذهب من الذاكرة، الآليات الصهيونية المحترقة على طول الطريق من كفرتبنيت نزولاً الى الخردلي ومن ثم صعوداً الى تل النحاس، المشهد، هو لجيش مهزوم، فلوله كانت لا تزال في الطريق، كان المشهد يذكرك بإنكار الجيوش، اعتقد اننا ثأرنا فيه لما كان يفعله العدو بالجيوش العربية.
ـ اذا اردت ان تصنف اليوم هذا الانسحاب ماذا تقول فيه؟
هذا هروب وفرار، في ثكنة مرجعيون الوثائق تحترق والسيارات لا زالت مفاتيحها فيها. هذا يؤكد كيف ان الاسرائيلي فرّ مذعوراً.
الوعد الالهي
ـ الأخ المجاهد ابو عباس: بعد سنوات من عملك في المقاومة، ماذا عنى لك ان تشاهد هزيمة العدو؟
هذا هو الوعد الالهي، بأن الله سينصر عباده. وهو أمر حتمي نحن كنا على يقين من هذا الامر. لكن لم نكن نعلم ان كان سيتحقق على ايدينا او ايدي ابناءنا او اخواننا.
(يقاطعه المجاهد ابو احمد فيقول):
النصر اثبت لنا ان الاسرائيلي هو أضعف حتى مما كنا نتوقعه نحن نعلم ان هذا الكيان هزيل وضعيف. وهو كبيت العنكبوت، جاء الانتصار والهزيمة وفرار العدو فتأكدنا انه اضعف من ذلك.
ـ الكثير من اخوتك المجاهدين استشهدوا هل تمنيت لو كانوا موجودين لحظة التحرير؟
نحن كنا نتمى ان نكون بينهم لكن الله لم يرزقنا الشهادة.
لكن عندما كنا نجول كنا نستذكر أي شهيد سقط في هذه المنطقة او تلك وكنا نتمنى لو كان حاضراً ليشهد هذا النصر وهذا الفوز العظيم، والذي هو أدركه بشهادته.
(ويعود أبو عباس للقول):
كنا نستذكر الشهداء، لكن لا بد من ان نقف عند امر، ان هذا النصر كان ثمنه الدم ولولا هؤلاء الشهداء لما تحقق. وهم سقطوا حتى نصل الى ما وصلنا اليه.
ـ عندما تدخل اليوم الى المنطقة المحررة، وتصل الى منطقة كنت تدخل اليها عسكرياً، ما هو انعكاس ذلك عندك؟
كانت هناك منطاق تحتاج الى جهد ومشقة استثنائياً منا، الآن ندخل اليها بطريقة سهلة جداً، هنا نشعر بأهمية الجهد الذي كنا نبذله والمخاطر التي كنا نتعرض لها. فما نحن فيه اليوم هو ثمرة من ثمرات الجهاد الذي يحتاج الى الكثير من الصبر.
عندما نتجول في المنطقة المحررة، نشعر بالنعيم، نشعر بالشهداء والمجاهدين الذين قدموا الدماء والذين أتاحوا لنا ببركة عطائهم وببركة ارواحهم الطاهرة الوصول الى هذه الارض. وبفضلهم ننعم اليوم بالانتصار.
ثم ان اهالينا في هذه المنطقة، كانوا معذبين وإن شك العدو بأن احداً يتعاون مع المقاومة كان يشرّد اهله ويعذبهم ويلاحقهم ببركة دم الشهداء الذين ضحوا وقدموا وسهروا الليالي ارتفع هذا العناء وها هم اهلنا يعيشون بكرامتهم.
(*) من ذاكرة التحرير - جريدة الانتقاد – أمير قانصوه العدد الخاص بذكرى الانتصار والتحرير أيار2000