معركة أولي البأس

خاص العهد

نفط لبنان في البرّ والبحر: معوّقات الاستخراج واتجاهات الاستفادة
16/06/2022

نفط لبنان في البرّ والبحر: معوّقات الاستخراج واتجاهات الاستفادة

يمنى المقداد

منذ عهد الانتداب الفرنسي وحتى العهد الحديث، حسمت دراسات كثيرة وجود نفط في برّ لبنان وبحره، فيما لا تزال التقديرات لحجم هذه الثروة غير دقيقة وغير نهائيّة، فالأمر يحسم فقط حين الانتهاء من الاستخراج.
يستعجل كيان العدو استخراج النفط والغاز، فالأوروبي ينتظره فيما الأميركي يعرقل ويؤخّر استخراج نفط لبنان، على أنّ الاهتمام الأميركي بالملف لا ينبع فقط من حرصه على مصلحة الكيان فحسب، إنّما لمآرب عالمية لها علاقة بثروة الغاز الموجودة في المتوسط  كبديل للغاز الروسي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى المرسوم الذي وقعه رئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب، والذي بموجبه تؤكّد خرائط الجيش أنّ المساحة المتنازع عليها تصل إلى الخط 29 وتبلغ 2290 كيلومترا، وتشمل حقل كاريش، حيث ترسو منصة "إنرجين باور" لاستخراج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه والتي تسبّب وصولها  بحال من التوتر بين لبنان والكيان.
إلى ذلك وعلى إثر وصول هذه المنصة العائمة، وبناء على طلب رسمي زار المبعوث الأميركي لبنان الذي تمسّك ـ وفق التسريبات الإعلامية ـ بحقّه كاملًا في الخط 23 مستقيمًا مع حقل قانا من دون تعرّجات تقضم من مساحاته، ورغبة منه في استئناف المفاوضات.

 

حجم الثروة النفطيّة البريّة والبحريّة

يغيب الحديث اليوم عن النفط في البر ـ الذي أكّدت وجوده دراسات كثيرة ـ لمصلحة الثروة النفطية في البحر لا سيّما أنّ الأخير مهدّد من قبل العدو الإسرائيلي. وبشأن هذه الثروة المزدوجة يؤكّد المنسق العام الوطني للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية مارون الخولي لموقع "العهد" أنّ لبنان غنيّ بالنفط والغاز برًا وبحرًا عبر أحواض ساحلية قابلة لأن تتراكم فيها احتياطات هامّة من النفط والغاز الطبيعي. وبعد المسح الحديث توصّل الخبراء إلى وجود النفط في ثلاث مناطق لبنانية: البترون ـ شكا والتي تمتد حتى جبل تربل، وفي منطقة راشكيدا البترون، ومنطقتي سحمر ويحمر في البقاع، ومنطقة عدلون في الجنوب، مشيرًا إلى أنّ عدّة مواقع مقابل الساحل اللبناني تحتوي على كميات مؤكدة من الغاز والنفط.

بلوك رقم 9

وفي السياق يتطرّق الخولي إلى أهميّة المنطقة الحدودية البحرية من جهة الجنوب، كاشفًا أنّها تضم 12 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو لا يقع ضمن المياه المتنازع عليها مع العدو "الإسرائيلي"، وبالتالي لو أقدمت شركات التنقيب "توتال" الفرنسية، "نوفاتك" الروسية، و"إيني" الإيطالية، على تنفيذ التزاماتها بالتنقيب في بلوك رقم 9 لكان لبنان اليوم على موعد مع هذا الاستكشاف بغضّ النظر عن باقي التطورات الحاصلة على الخط 29 لجهة استقدام الكيان لمنصة الانتاج العائمة "FPSO" باتجاه حقل "كاريش" المتنازع عليه.

طمس تقرير"توتال" لمصلحة العدّو!

يجزم الخولي أنّ النفط والغاز يجذبان أصحاب المصالح الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، وعلينا أن ندرك أنّ على هذه الثروة عيونًا ومطامع كبرى تبدأ بالعدو "الإسرائيلي" ولا تنتهي بالمصالح الإقليمية والدولية، خصوصًا وأنّنا على أبواب أزمة غاز دولية متأتية من الأزمة الأوكرانية، والبحث عن بديل للغاز الروسي يعرّض لبنان للدخول سلبًا في هذه الحاجة باعتباره حجر عثرة أمام استكمال العدو لبنيتها النفطية (الثروة المسروقة من فلسطين المحتلة)، ولشبكتها في بيع جزء من غازها لتغطية النقص عن الغاز الأوروبي، ولمدّ أنابيبها إلى القارة الأوروبية، وبالتالي فإنّ الأولويّة اليوم في هذا المجال لـ"إسرائيل" والتي بدأت في استخراج الغاز منذ 2012 في حقل تمار و2014 في حقل ليفياثان، وسارة وميرا وماري وشمن وكاريش وتَنين ودانيال، ما يعني إفساح المجال أمامها وتسهيل استخراج النفط المنهوب بما يخدم مصلحة الأوروبيين.

هذا الأمر لمسه لبنان بشكل مباشر في الارتباك الظاهر حول نتائج الحفر في البلوك رقم 4، لشركة "توتال"، وهي كانت أنهت أعمال الحفر في نهاية شهر أيار/ مايو 2020 واليوم وبعد مرور سنتين على انتهاء هذه الأعمال، لم يعرف حيثيات تقريرها بعد إلا ما أشار إليه وبشكل مبهم وزير الطاقة الأسبق ريمون غجر، ومن ثم مسألة البلوك رقم 9 بحيث كان يجب البدء بالتنقيب في هذا البلوك في منتصف العام الماضي، إلّا أنّه وإبان جائحة كورونا اتخذت الدولة اللبنانية سلسلة قرارات بتمديد مهل للعقود كان من ضمنها عقد الاستخراج والاستكشاف للبلوكين 4 و9 والذي تأجل حوالي العام، وهذه الحجّة استفادت منها "توتال" في الفترة الأولى ومن بعدها طلبت التمديد لها لسنة 2025 فاستجابت حكومة ميقاتي لرغبتها. وهذه الممارسات تؤكد أنّ الشركة تخضع لضغوطات دولية لتجميد نشاطها في لبنان بغية الضغط على لبنان وفق أجندة دولية واضحة.

معوّقات استخراج النفط

قبل يومين غادر المبعوث الأميركي لبنان وسط أجواء توحي بموقف رسمي موحّد، لكن الثابت حتى الآن أن لبنان ممنوع من التنقيب وهو بحاجة ماسّة لإنهاء هذا الملف لبدء رحلة الاستكشاف والاستخراج والاستفادة.

وبالعودة إلى ما يؤخر لبنان عن استخراج ثروته النفطية والغازية، يقرّ الخولي بوجود عدّة معوّقات إلى جانب ما يتعلّق بالسياسة الدولية والمحلية والمطامع "الإسرائيلية" وترسيم الحدود، منها عدم وجود البنية التحتية التي تساعد على مواكبة عمليات الاستخراج، كعدم وجود الأسطول البحري والجوي المتخصّص في نقل الأفراد والمعدّات بين البرّ ومنصات التنقيب في البحر، وقدم مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني، وعدم وجود خزانات كافية لتخزين الكميات المنوي استخراجها.

الصندوق السيادي

وحول مقترحاته للاستفادة من هذه الثروة، يجزم الخولي بأنّ هذه الثروة المتوقّعة والواعدة ستضع حدّا للأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان شرط وضعها في صندوق الثروة السيادية، وفق رؤية اقتصادية واستراتيجية واضحة لقطاع النفط والغاز خصوصًا وأنّ هذه الصناعة استخراجية ومواردها غير متجدّدة وبالتالي علينا التعامل معها كموارد طبيعية للأجيال، وألاّ تُنفق كما تنفق المداخيل العادية لأنّ الأجيال القادمة لها حق في الاستفادة منها، وذلك بتحويل الموارد الطبيعية إلى أصول مالية واستثمارها في توليد مصادر طويلة الأمد لمداخيل الحكومة.

كما يمكن للصناديق أن تغطي عجز الموازنة، وتشتمل هيكلية الصندوق على فرعين: محفظة للمدّخرات ومحفظة للتنمية، في الأوّل يتمّ استثمار عائدات النفط لصالح الأجيال المستقبلية، وفي الثاني يقلص مستوى الدين العام، على أن تودع إيرادات أسهم الدولة في محفظة المدّخرات.

ويجوز للحكومة أن تستعمل جزءًا من الفوائد المحصّلة لتمويل نفقاتها، أمّا إيرادات الرسوم الضريبية على شركات النفط فتودع في محفظة التنمية حول آليات الإشراف المناسبة على الصندوق أن تُصمّم على أساس الحوكمة الرشيدة لكي لا تكون عرضة للتحوّل إلى منصة جديدة للفساد والمحسوبية، وبالتالي ينبغي لقطاع النفط والغاز الناشئ أن يغيّر قواعد اللعبة في النظام اللبناني وتأكيد نظم الشفافية في إدارته والتي يجب أن تكون مستقلة، كما علينا وضع قوانين مالية مناسبة، ووضع الضوابط والقيود الواضحة للاستثمار، وتأسيس بنية مؤسساتية فعّالة للحوكمة توضّح توزيع المسؤوليات، وتفرض الضوابط الأخلاقية، ومعايير تضارب المصالح، واطلاع المواطنين على معلومات واسعة حول عمليات الصندوق السيادي، وبالمقابل تشكيل هيئات رقابية مستقلة فاعلة لرصد إدارة الصندوق وعائداته.

بالنتيجة

من بوابة الاعتداء الاسرائيلي على ثروات لبنان عاد ملف ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة من جديد، على أنّ لبنان فاوض قديمًا من موقع الـ"ضعف" بينما يفاوض اليوم من موقع القوّة التي سخّرتها المقاومة في خدمة الدولة لحماية سيادة ونفط وثروات لبنان. وتبقى العبرة في ما ستحمله الأيام والأسابيع القادمة لتحديد المسارات المقبلة على هذا الصعيد.

الغاز

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل