خاص العهد
صيف الجنوب: اقتصاد يواجه الحرمان.. و"اسرائيل"
داني الأمين
بعيداً عن الدعم المفقود من الدولة ومؤسساتها، عمد عدد من رجال الأعمال والميسورين الى بناء الشاليهات السياحية المتناسبة مع عادات أبناء المنطقة وتقاليدهم بما يحافظ على القيم والمعتقدات. هذه الظاهرة التي بدأ انتشارها منذ حوالي 6 سنوات، تعتبر جديدة على المنطقة الحدودية التي حرمت لسنوات طوال من المشاريع السياحية أو حتى الانمائية، إلى أن قرّر عدد من الميسورين الاستفادة من حاجة الأهالي الى أماكن ترفيهية خاصة ومحافظة، تؤمن خدمة السباحة والسكن المؤقت.
يقول عادل ذياب صاحب أحد الشاليهات في بلدة الطيبة (مرجعيون) لموقع "العهد": "كانت البداية في بلدة الخيام، عندما بنى أحد المتمولين عددًا من الشاليهات والمسابح محققًا نجاحًا اقتصاديًا لافتًا، ما ساهم في انتشار الشاليهات في أكثر من قرية وبلدة حدودية"، موضحًا أن "هذه الظاهرة سمحت للعائلات، الميسورة وغير الميسورة، وللمغتربين، في الحصول على خدمات سياحية مقبولة وبأسعار متناسبة مع مداخيلهم".
في بلدة الطيبة يرتفع عدد الشاليهات من سنة الى أخرى، وقد يصل في العام المقبل الى أكثر من 20. وعلى بعد أمتار قليلة من الحدود مع فلسطين المحتلّة، في بلدة الخيام (مرجعيون)، انتشرت عشرات الشاليهات المشرفة على مستعمرة المطلّة وسهل الخيام، واللاّفت هو نفاذ الحجوزات طيلة أيام فصل الصيف وقبل بدء الموسم السياحي.
أحمد مالك عبدالله هو أحد الذين تجرّأوا على مواجهة الأزمة، بعد أن كان من المبعدين من دول الخليج لأسباب طائفية، من خلال العمل في قطاع السياحة على الحدود مع فلسطين، فلم يخف على خسارة ما تبقى من أمواله المدخرة: "بنيت شاليهين قرب الحدود، في واحدة من أجمل المناطق اللبنانية، التي كانت منسية، وبعيدة عن اهتمام الدولة، ما دفعته من أموال حتى الآن يزيد على 120 ألف دولار أميركي، لكن الزبائن القادمين من كل المناطق اللبنانية يتنافسون على حجز أدوارهم، منذ بدء فصل الربيع وحتى نهاية شهر آب/ أغسطس، لقد وجدوا الأمان والجمال معاً في منطقتنا الحدودية".
فرصة لتحريك العجلة الاقتصادية
انعكس دور الشاليهات على الوضع الاقتصادي للمقيمين في الخيام ومحيطها. بحسب عبد الله "بات أكثر من 120 محلًا تجاريًا يعملون على تلبية طلبات الزبائن، من الطعام والحاجات المختلفة، وهذا أدى ويؤدي الى تحريك العجلة الاقتصادية قدر الممكن". ويشير في حديثه لموقع "العهد" الى أنه "في المنطقة الحدودية أعداد كبيرة من الشاليهات المختلفة الأحجام والأشكال انتشرت بسرعة في أكثر من قرية وبلدة، واحتل بعضها الأماكن الملاصقة للمواقع الاسرائيلية المحررة في العام 2000، من الجرمق الى الطيبة والعديسة وراشيا ووادي الحجير وحاصبيا، لأن أعداد الزبائن تتكاثر، والمصطافون من مناطق لبنانية مختلفة، فلدينا روّاد من الهرمل وبعلبك وصيدا وبيروت وراشيا وهم من مختلف الطوائف والمذاهب، وهذا دليل على احساس اللبنانيين الحقيقي بأن المنطقة محمية وآمنة اضافة الى جمالها الطبيعي".
أما الأسعار فهي متفاوتة أيضاً، فأجرة الشاليه الواحد تتراوح بين 100 و150 دولار عن اليوم الواحد وقد يزيد على ذلك بسبب الغلاء وارتفاع أسعار المازوت ومواد التعقيم وحتى المياه فضلًا عن الخدمات الاضافية التي تقدمها بعض الشاليهات من جاكوزي وملاعب ومطاعم..
"قد لا تتناسب ظاهرة انتشار الشاليهات المؤجّرة مع الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعيشها معظم الشعب اللبناني، لكن وجودها في جنوب لبنان وقرب الحدود مع فلسطين، يعكس صموداً من نوع آخر" بحسب رئيس بلدية الخيام عدنان عليان، الذي اعتبر في حديثه لـ"العهد" أن "لجوء العديد من أبناء البلدة الى الاستثمار في السياحة المحلية ساهم في تعزيز صمود المقيمين وزيادة أعدادهم في المنطقة"، موضحًا أن "عدد الشاليهات في النطاق العقاري لبلدة الخيام وصل الى 25، اضافة الى حوالي 20 شاليه تم تشييدها في محيط البلدة".
نبني وندفع كل ما نملك هنا لأننا نثق بقدرات المقاومة
تقول مريم عواضة، المشرفة على أحد الشاليهات المطلّة على بلدة ابل السقي الحدودية إن "البناء في حد ذاته على الحدود مع فلسطين هو أمر يجب التوقف عنده، نحن نبني وندفع كل ما نملك هنا، لأننا نثق بقدرات المقاومة، وأن زمن الهزائم قد ولّى، وما يزيدنا حماسة هو احساس أبناء المناطق اللبنانية الأخرى، بهذا الأمان، بدليل ارسال العشرات منهم لعائلاتهم للاستجمام في شاليهاتنا، حتى أنه في الأعوام الماضية حصل أكثر من تهديد اسرائيلي، لكن لم تلغ حجوزات السياح، ولم يحدث في يوم أن ترك أحد الزبائن الشاليه الذي استأجره".
في المنطقة انعكست زيادة أعداد الشاليهات، ومعها أعداد السياح، على الحركة الاقتصادية وزيادة فرص العمل، فقد "تكاثرت المطاعم والمنتزهات، كما ازداد عدد عمال الديليفري، وبات الزبائن يقصدون محلات المونة والسوبرماركت، اضافة الى الأماكن الأثريّة والطبيعية اللاّفتة، حتى أن المغتربين القادمين من أماكن بعيدة، باتوا يلجؤون الى المزارعين لشراء المونة البلدية" تقول المواطنة زينب شيت من بلدة كفركلا، التي طالبت " بضرورة متابعة المسؤولين لهذا التطور اللاّفت، وتشجيع المزارعين على الزراعة والانتاج ودعمهم لتحسين ظروف الحياة في المنطقة".