خاص العهد
السعودية مستمرة في غيّها والجولاني يتحكم بمصير الحج والعمرة للسوريين
دمشق ـ محمد عيد
منذ نشوء الأزمة في سورية اختارت السعودية تسييس ملف الحجاج والمعتمرين السوريين حين قامت في العام ٢٠١٣ بتلزيمه لـ "لجنة الحج العليا" التابعة لـ "الإئتلاف السوري المعارض" بعدما كفت يد وزارة الأوقاف السورية عنه على نحو لا يتفق مع الاتفاقيات الموقعة على المستويين الدولي والإسلامي.
هذا الخرق في جدار الاتفاقيات الموقعة تسبب بنوع من الفوضى التي سعت إلى تحويل أحد أركان الإسلام الأساسية إلى تجارة يفتح كل طرف فيها على حسابه، لا بل إنها سمحت لتنظيمات إرهابية بالاستثمار في ذلك مثل زعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني الذي أفاد من ذلك كنتيجة طبيعية لسيطرته على المعابر بالتنسيق مع المخابرات التركية.
في الوقت الذي بدا فيه وكأن السعودية كانت ترسل إشارات إيجابية إلى دمشق تتضمن تسليماً نهائيا ببقاء القيادة السورية في موقعها الطبيعي تمهيداً لعودة العلاقات الثنائية معها أبقت السعودية على تنسيقها مع المعارضة السورية بهذا الشأن. وكأنها تريد أن تقول لدمشق بأن هناك الكثير من المواضيع السياسية التي يجب تسويتها قبل إعادة العلاقات الذي كانت عليه سابقا بما في ذلك ملف الحج.
لا تتعاملوا مع جهات مشبوهة
وكان مدير الأوقاف والحج في وزارة الأوقاف السورية حسان نصرالله قد اتهم في تصريح سابق وخاص بموقع " العهد" الإخباري السعودية " بحرمان السوريين في كل عام من فريضة الحج وتسييس الفريضة من قبل الرياض " رغم إشارته إلى " قبول اللجنة للسوريين للمتقدمين من جميع السوريين على اختلاف مكان إقامتهم " .
وكان نصر الله قد دعا المواطنين السوريين إلى عدم التسجيل لأداء فريضة الحج مع جهات وصفها بـ "غير المعروفة وغير المعتمدة من وزارة الأوقاف" مشيراً إلى أن بيانات" لجنة الحج العليا " بخصوص حج السوريين للعام الحالي قد صدرت من جهات "معادية للشعب السوري" لأن وزارة الأوقاف السورية كانت ترعى كل صغيرة وكبيرة متعلقة ببعثة الحج الرسمية.
دور الجولاني
وعلى الرغم من أن "الإئتلاف السوري المعارض" وصف لجنة "الحج العليا السورية بأنها " مؤسسة خدمية غير ربحية ومستقلة إدارياً" فإن الكثير من الشكوك تدور حول هذه التوصيفات التي شاءت اعوام الحج المتعاقبة أن تفضحها وتثبت بطلانها.
وفي حديث خاص بموقع" العهد " الإخباري أكد الباحث في الشؤون الإسلامية فاروق الأحمد إن ما تسمى لجنة الحج العليا قد افتتحت مكاتب لها في الشمال السوري والعراق وتركيا والأردن والإمارات والكويت وقطر ولبنان ومصر.
وشدد الاحمد على أنه ليس من الصعب كشف "الشراكة" الكاملة بين "لجنة الحج العليا" التابعة للإئتلاف والجولاني على اعتبار أن ثلث السوريين الذين أدوا فريضة الحج لهذا العام خرجوا من المناطق التي يسيطر عليها الجولاني وبقية الفصائل المتشددة في الشمال السوري.
وقد انطلق هؤلاء إلى تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي والذي تسيطر عليه "تحرير الشام" شمالي إدلب بعد أن تم تقسيمهم إلى وفود يشرف على بعضها قياديون في النصرة.
وأشار الباحث في الشؤون الإسلامية نقلا عن مصادر في "لجنة الحج العليا" أن تكلفة أداء الفريضة عن كل واحد من هؤلاء الحجاج القادمين من مناطق سيطرة الجولاني في الشمال و البالغ عددهم ٣١٣٦ شخصاً قد وصلت إلى نحو أربعة آلاف دولار، فيما تؤكد مصادر مطلعة في الشمال أن التكاليف الحقيقة قد وصلت في بعض الأحيان إلى عشرة آلاف دولار في ظل حالة السمسرة التي مارسها القائمون على فرز الأسماء.
الجولاني يمنع من يشاء ويسمح لمن يشاء
وشدد الباحث في الشؤون الإسلامية لموقعنا على أن الهيمنة شبه المطلقة لـ "هيئة تحرير الشام" على ملف الحج في الشمال السوري حرم الآلاف من التقدم لأداء فريضة الحج بمن فيهم الفصائل المعارضة المنتشرة في ريف حلب والتي تناصب الجولاني العداء، إذ يخشى هؤلاء أن يغدر بهم هذا الأخير حال دخولهم إلى إدلب فيعتقلهم أو يغتالهم جريا على عادة سابقة اتبعها مع خصومه بمن فيهم من "يتشارك معه في العقيدة ويختلف معه في التبعية لهذه الجهة أو تلك".
كما يشمل الحرمان أيضا السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة "قسد" الذين لا يستطيعون السفر إلى تركيا ويفضلون البحث عن طريقة شاقة للسفر إلى العراق حيث يبقى الخيار الوحيد أمامهم هو التعامل عبر مكاتب تتبع لـ "الإئتلاف السوري المعارض" حيث يتم ابتزازهم عبر جعلهم يدفعون آلاف الدولارات الزائدة، ولعل هذا ما بفسر قلة عددهم لهذا العام حيث لم يتجاوزوا الـ ٢٠٢ حاج سوري سجلوا أسماءهم في العراق لهذا العام مقارنة بـ ٢٣٧٠ شخصاً من تركيا و٢٥٠٠ شخصاً من لبنان.
امتهان القداسة
والأسوء من كل ذلك كما يقول الأحمد هي حالات امتهان المناطق المقدسة وتحويلها إلى مكان لـ " الدعاية التجارية" كما فعل أحد المسؤولين في" هيئة تحرير الشام" حين وقف أمام الكعبة المشرفة ممسكاً بيده علب قهوة "مغلفة" كنوع من الدعاية لهذه المادة التي يبدو أنه يستثمر فيها.
ورغم أن "هيئة تحرير الشام" لم تؤكد أو تنفي ما جرى إلا أن ذلك "الصمت المريب" الذي أعقب عزله من قبل القائمين على الوفود بعد ما شاع الفيديو وأحدث ردود فعل صاخبة كان بمثابة الدليل على انتساب هذا "القيادي التاجر" إليها وإلا لكانت سارعت مباشرة إلى نفي ارتباطها به.