خاص العهد
مبادرة الرئيس بري و"إصلاح ذات البين"
فاطمة سلامة
في كل مرّة تُقفل فيها أبواب الحلول نهائيًا يتدخّل رئيس مجلس النواب نبيه بري رافعًا ورقة الحوار. كل من يعرفه عن كثب يلتمس حجم التفاؤل الذي يملكه هذا الرجل حتى ولو كانت الصورة قاتمة. لا يكل ولا يمل من المحاولة مرارًا وتكرارًا للوصول الى نهايات سعيدة في الاستحقاقات الداهمة. يمتلك حنكة وقدرة على التواصل تمكّنه من الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وليس أدل على ذلك من تجربة طاولة الحوار التي انعقدت في آذار عام 2006 بناء على دعوته. في حينها، كان لبنان -وعقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005- يرزح تحت أصعب مرحلة سياسية وأمنية وسط فتنة تكاد تشعل حربًا أهلية.
اليوم، لا تختلف المبادرة الحوارية التي أعلن عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري عن المبادرة المذكورة من حيث الأهمية وإن اختلفت من حيث المضمون. من يتخيّل معالم المرحلة الآتية بعد أيام معدودة يعِ حجم التحديات والمخاطر التي ستحاصر الساحة الداخلية. بعد 31 تشرين الأول سنكون أمام فراغ رئاسي يُصاحبه حكومة غير مكتملة الصلاحيات. يُضاف الى ما سبق أزمات مالية ومعيشية واجتماعية وربما أمنية. ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة أن لا بديل عن الحوار سوى الفوضى والمجهول. وعليه، تأتي مبادرة الرئيس بري في وقتها بغض النظر عن مفاعيلها ونتائجها.
الرئيس بري يقود المبادرة لتنجح لا لتفشل
الحديث مع مصادر مقرّبة من الرئيس بري يبيّن أن ثمّة تفاؤلًا يعتري رئيس السلطة التشريعية. لو لم يكن متفائلًا بأن مبادرته ستُحدث خرقًا لما كان روّج لها تقول المصادر التي تعتبر أن الرئيس يقود المبادرة لتنجح وتنقذ لبنان لا لتفشل. وفق قناعاتها، لا أحد يقود زمام مبادرة ما اذا كان متنبّئًا بفشلها. وعليه، يسعى بري من خلال دعوته لتقريب وجهات النظر وفتح الانسدادات الموجودة أمام الحوار وطرح الأمور في جوهرها لوضع الجميع أمام مسؤولياته وانتخاب رئيس قادر على جمع اللبنانيين. من وجهة نظر بري، الأولى باللبنانيين أن يجتمعوا ويتفاهموا بدل أن يتراشقوا ويغني كل على ليلاه خصوصًا بعد ما رأيناه خلال الجلسات الأربع لانتخاب الرئيس والتي لم تأت سوى بـ"البهدلة" على حد تعبير المصادر.
وحول تاريخ ومكان الحوار، ترجّح المصادر -كما أشيع سابقًا- أن يكون الحوار في عين التينة، أما زمانه فمرهون بانتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول لتبدأ الحركة الممهّدة للحوار بعد الاثنين وفق ما تقول المصادر التي تشدّد على أن مسار الحوار سيحدّد ما اذا كان جلسة واحدة أم أكثر. برأيها، من المفترض أن يستمر لانتاج رئيس للجمهورية. وهنا ترفض المصادر الخوض أكثر في التفاصيل فالحوار مرهون بالواقع على الأرض والباب -رغم التفاؤل- مفتوح على احتمالات عدّة: قد يتفقون، يتخاصمون، يتخلّف البعض عن الحوار أو ينسحب منه.
سعي لتمثيل كافة الكتل وبند وحيد
لدى سؤاله عن تفاصيل المبادرة وهو عضو كتلة "التنمية والتحرير"، يشدّد النائب محمد خواجة على أن لا بديل عن الحوار كما عوّدنا الرئيس بري في كل مراحل الانسداد السياسي وما أكثرها في لبنان. يتحدّث بإسهاب كيف كان الرئيس بري بموقع المبادر ونحن اليوم أمام استحقاق يكاد يكون الأهم في الحياة السياسية وهو انتخاب رئيس للجمهورية. وقد تبيّن من خلال الجلسات الأربع أنه ليس بمقدور أي فريق أو كتلة نيابية أن توصل مرشحها الى الرئاسة الأولى ولو كرّرنا المشهد مرارًا ستأتي ذات النتائج. من هنا أتت مبادرة الرئيس بري بعد المسرحية المُملة التي حصلت اذ كان ثمة مرشح (النائب ميشال معوّض) واذا راقبنا الأربع جلسات فإنّ الأصوات كانت تتراوح صعودًا وهبوطًا.
ويشدّد خواجة على أن نجاح أي مرشح مرهون بأمرين؛ الأول أن يتوفر النصاب الدستوري في الجلسة الأولى والمتمثل بثلثي أعضاء المجلس 86 نائبًا. وهنا يشير المتحدّث الى أن ثمة استحالة (اذا ما اعتبرنا أن مجلس النواب عبارة عن 3 تكتلات) بأن يكون بمقدور أي كتلة إيصال مرشحها بمفردها. كما أنّ هناك صعوبة كبيرة أن تتمكن من الإتيان بالأغلبية المطلقة وهو الشرط الثاني في الجلسة الثانية أي 65 صوتًا. هذا الأمر دفع الرئيس بري لخوض مبادرة الحوار بغض النظر عن شكله.
ويلفت خواجة الى أنّ الرئيس بري سيسعى جاهدًا لتمثيل كافة الكتل النيابية الموجودة في البرلمان. دعوته نيابية وعنوانها وحيد وهو "انتخاب رئيس للجمهورية" نظرًا لأن الاستحقاق الداهم هو انتخاب الرئيس منعًا للشغور، وبالتالي سيدعو كافة الكتل للحوار. وهنا يشير خواجة الى أنّ بعض الكتل قد تتمثّل بأكثر من نائب، فعلى سبيل المثال التغييريون قد يعبّر عنهم أكثر من ممثّل لأنّ المرحلة السابقة بيّنت أنهم لا يملكون صوتًا واحدًا، الأمر ذاته يسري على الشخصيات المستقلة، وعليه يفتّش الرئيس بري عن صيغة لتمثيل الجميع.
لقاءات أحادية قد تسبق طاولة الحوار
ويرجّح خواجة أن تسبق طاولة الحوار لقاءات أحادية. هذا -برأيه- يسهّل المهمة ويصبح لدينا مشتركات توضح أمامنا الجو العام. وردًا على سؤال حول ما اذا كان ثمّة تصور أمام الرئيس بري للمدة التي قد يستغرقها الحوار، يقول خواجة "الرئيس بري جاهز لأن يعقده على فترة أسبوع اذا وصلنا الى نتيجة، وفي اللحظة التي يشعر بها أن ثمة اتفاقًا تم مساء سيدعو الى جلسة في منتصف الليل حتى لا نضيّع وقتًا". وفق قناعاته، المهمة الأولى المطروحة أمام المجلس النيابي هي انتخاب رئيس للجمهورية. بعد 31 تشرين الأول سنواجه الفراغ الذي اذا طال سيتحوّل الى أمر قاتل للوضع السياسي والاقتصادي والمالي. وضعنا سيئ وسيصبح أكثر سوءًا.
ويشدّد خواجة على أنّ الرئيس بري مائل للتفاؤل، سائلًا ما بديل الحوار؟ ما بديل أن نحدث خرقًا ونتفق على رئيس للجمهورية؟ وهنا يجيب خواجة عن نفسه بالإشارة الى أن البديل هو الفراغ والشغور. نريد رئيسًا يجمع اللبنانيين، لديه قدرة على التواصل معهم ومع الخارج، رئيس مشهود له بالكفاءة والنزاهة ولديه رؤية إصلاحية لإنقاذ البلد بعدما ذهب مستقبل اللبنانيين.
"جوجلة" الأسماء قد يحدث في الختام
هل من الممكن أن يصار الى طرح الأسماء، يشير خواجة الى أنّ تطور عملية الحوار تفرض نفسها ومسألة جوجلة الأسماء قد تحدث في الختام وليس البدايات. الرئيس يستمزج الآراء فلكل فريق مرشح سواء معلن أو مضمر. وفي الختام، يستذكر خواجة تجربة طاولة الحوار في آذار 2006 قبيل حرب تموز عندما كان الانقسام حادًا بعد استشهاد الرئيس الحريري ووسط رمي الاتهامات جزافًا وسعي البعض لإيقاع الفتنة بين اللبنانيين، عندها كانت حركة الرئيس بري لتجاوز المرحلة الصعبة.
حزب الله داعٍ دومًا للحوار
موقف حزب الله الداعي دومًا الى الحوار وفي كل المحطات السياسية يجدّد التأكيد عليه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب أمين شري الذي يعلّق على المبادرة الجديدة بالقول "كنا مع الحوار للوصول الى تفاهم في الاستحقاق الانتخابي فكيف اذا دعا الرئيس بري للحوار للوصول الى تفاهم في الملف الرئاسي؟ من الطبيعي أن نستجيب لدعوة الرئيس بري".
التيار الوطني الحر: نعم بلا تردد
لدى سؤال عضو تكتل "لبنان القوي" النائب سليم عون عن المبادرة، يسارع الى السؤال: ما البديل؟ البديل الأول هو انتخاب رئيس يرعى الحوار وتشكيل حكومة، فالانتخاب -برأيه- لا يعني حل الأزمة بل نحن بحاجة الى حوار يطوّر نظامنا الذي لا يعمل كما يجب. وأما وقد تعذّر الانتخاب والتشكيل فالرئيس بري أولى بالدعوة الى الحوار -يقول عون- اذ لا يوجد أحد في موقع دستوري يخوّله الدعوة للحوار غيره.
يفضّل عون أن يحصل الحوار في وضع "بارد" أي في كنف مؤسسات دستورية مكتملة، ولكن بما أنه تعذّر تشكيل حكومة وانتخاب رئيس فالحوار سيحصل على "السخن" أي قد يترافق مع خضات اجتماعية، ومن هنا نفهم استباق الرئيس بري للأمور منعًا للذهاب نحو الفوضى الكاملة واللااستقرار يقول عون الذي يضيف "صحيح أن ثمّة دولًا خارجية مستعدة للمساعدة ولكن يبقى الحوار الداخلي أفضل". وعليه، نقول "نعم" بلا تردد للحوار -يقول عون- لأنه ينسجم مع رؤيتنا وتفكيرنا ونرى فيه مصلحة للبلد فلا بديل عنه.
"اللقاء الديمقراطي": لا بديل عن الحوار
عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب وائل أبو فاعور يلفت الى حرص الرئيس بري الدائم على البحث عن حلول بين اللبنانيين. يشدّد على أن الحزب التقدمي الاشتراكي يدعم هذه المبادرة، وفي الوقت نفسه نرى أن لا مبادرة محلية حاليًا للتفاهم على رئيس للجمهورية.
وفيما يتمنى أبو فاعور أن تلقى مبادرة الرئيس بري صدى إيجابيا لدى الجميع ونصل الى نتيجة، يضيف "واضح أن ثمّة فريقًا أعلن مرشحه (ميشال معوض) وفريقا آخر يتريث ربما لاعتبارات داخلية أو اعتبارات لا نعرفها لذلك يجب أن يفتح باب الحوار السياسي لانتخاب رئيس للجمهورية".
ويرى أبو فاعور أن لا بديل عن الحوار سوى أن نذهب الى المجلس النيابي وننتخب رئيسا، ولكن بما أن الانتخاب متعثر فلا ضير من الحوار.
السلوم: الحوار لتفادي الفوضى
النائب عن المقعد العلوي في طرابلس فراس السلوم يعلّق على المبادرة بالقول "بالتأكيد مع المبادرة. الرئيس بري دعا للحوار تفاديًا للفوضى وللوصول الى حل ينتج رئيسًا توافقيًا".
ويشدّد سلوم على أهمية الاتفاق على اسم لرئيس الجمهورية تفاديًا للفراغ ولتسيير أمور البلد.
طرابلسي: الحوار يقرّب المسافات والقلوب
عضو كتلة "جمعية المشاريع" النائب عدنان طرابلسي يؤيّد بشدّة دعوة الرئيس بري للحوار، قائلًا "نحن مع الحوار لأنه يقرّب وجهات النظر ويقرّب المسافات والقلوب، وتصبح بموجبه التفاهمات أكثر جدية للوصول الى حل يكون لمصلحة اللبنانيين".
ويرى طرابلسي أنه لا بد أن يعطي الحوار نتيجة للبناء على الشيء مقتضاه رغم أنه قد يأخذ وقتًا.
الصمد: لا نتيجة
أما النائب جهاد الصمد فلا يرى في الحوار مخرجًا للأزمة. برأيه، المشكلة ليست في الحوار بل في مكان آخر. لا يجد الصمد بموجب المعطيات الحالية وتعاطي بعض الأطراف مع الاستحقاق السياسي حيث "المنطق غائب" نتيجة من الحوار.
في المحصّلة، تعوّل أكثر من جهة سياسية على الحوار الذي اذا لم يتمكّن سريعًا من إحداث ثغرة كبيرة في جدار الأزمة الحاصلة لن يضر بل على العكس ستكون له حتمًا مفاعيل إيجابية ولو بعد حين.