معركة أولي البأس

خاص العهد

الصناعة في لبنان رهن دولة اللاقرار 
30/03/2019

الصناعة في لبنان رهن دولة اللاقرار 

فاطمة سلامة-تصوير موسى الحسيني

عام 1997 أُفردت للصناعة في لبنان وزارة  بعدما كانت مُدمجة تحت مسمى وزارة الصناعة والنفط، انطلاقاً من أهمية الدور الذي يلعبه هذا القطاع في تعزيز الاقتصاد الوطني. أُسندت الى هذه الوزارة مهام العناية بشؤون القطاع الصناعي. وُضعت مهمة تطوير الصناعة الوطنية وحمايتها على رأس الأولويات. إلا أنّه ومنذ ذلك الحين، أي بعد مرور 22 عاماً، لا تزال الصناعة في لبنان كحال العديد من القطاعات تواجه الكثير الكثير من التحديات. وبدل أن تسير بشكل تصاعدي، تُعاني من تعثر في جوانب عدة، فما الذي يقف عائقاً أمام تطور الصناعة اللبنانية؟.

وزير الصناعة السابق الدكتور حسين الحاج حسن يُسهب في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري في الحديث عن حال الصناعة اللبنانية. ثمّة دولة بلا رؤية اقتصادية وبلا استشراف للمستقبل ما يجعل الحديث عن أي تطور رهن السياسات والعقليات السائدة. يلفت الحاج حسن الى أنّ الاقتصاد برمته منكوب، والصناعة جزء منه. من وجهة نظره، فإنّ لبنان لا يحتاج الى نظريات ودراسات لمعالجة الواقع الصناعي، فنحن لدينا من البحوث ما يكفي، إلا أنّ ما ينقص لبنان هو القرارات، إذ لدينا نقص هائل في اتخاذ الإجراءات البناءة لمصلحة الصناعة. يعرض المتحدّث رؤية تكاملية لإنقاذ الصناعة اللبنانية، ويعتبر أن السبب الأساسي وراء عدم تطورها يكمن في توقيع لبنان اتفاقيتين كبيرتين، اتفاقية "التيسير" العربية، واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. لبنان ـ برأيه ـ لم يستفد من هاتين الاتفاقيتين، اللتين أحدثتا علاقات اقتصادية غير متوازنة مع لبنان. 

وهنا نص المقابلة: 

*يُقال إن وضع الصناعة منكوب، كيف تصفه؟

الاقتصاد اللبناني برمته منكوب، وليس فقط الصناعة. الصناعة هي جزء من الاقتصاد. جميعنا نرى اليوم الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان. الحال على جميع الصعد دقيق جداً، لذلك فالصناعة جزء من هذا الواقع. من المؤشرات على ذلك، تراجع الصادرات من 4 مليار ونصف المليار دولار عام 2010 الى مليارين ونصف مليون دولار عام 2018، بموازاة زيادة الواردات التي وصلت الى 20 مليار دولار. الى ذلك، كلنا نرى وضع الخزينة والدين العام والناتج المحلي والأزمة الاقتصادية القائمة التي تنعكس على كل القطاعات وليس فقط على القطاع الصناعي. طبعاً، القطاع الصناعي يعاني أكثر من غيره نتيجة كلفة الانتاج، وفتح الأسواق اللبنانية أمام السلع الأجنبية من دون ضوابط.

 

الصناعة في لبنان رهن دولة اللاقرار 
 

*كم يساهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي؟

حوالى 8 الى 9 بالمئة.

*إذا أردنا إجراء مقارنة بين وضع وزارة الصناعة قبل وبعد تسلمكم إياها، ما التغييرات التي أُدخلت على واقع الصناعة في عهدكم؟ 

أنا أؤمن أنّ الحكم استمرار وعندما توليت وزارة الصناعة كما الزراعة، أول خطوة قمت بها أنني اطلعت على الخطط والرؤى الموجودة، ووضعت الرؤية التي أؤمن بها. قدمت رؤية تكاملية للقطاع الصناعي بل للاقتصاد اللبناني ككل عام 2014، وهذه الرؤية أعلنتُ عنها في مؤتمر صحفي قُدّم للإعلام تحت عنوان "الصناعة اللبنانية 2015-2025". 

*على ماذا ترتكز هذه الرؤية؟ ما قوامها؟

وضعت لهذه الرؤية برنامجاً تنفيذياً يرتكز بشكل أساسي على زيادة القدرة التنافسية للقطاع الصناعي، العمل على خفض كلفة الانتاج، رفع جودة المنتجات، حماية القطاع الصناعي من خلال فرض الرسوم النوعية لعدد من الواردات التي تقوم بإغراق الأسواق اللبنانية بسلع مدعومة من الدول، زيادة الصادرات من خلال رفع العوائق أمام الانتاج اللبناني، إقامة المناطق الصناعية، وإدخال تقنيات جديدة مثل الطاقة الشمسية.

خلال السنوات التي قضيتها في وزارة الصناعة تزايدت أعداد المصانع التي تعتمد على الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة الى جانب كهرباء الدولة والمولدات الخاصة، إضافة الى تشجيع إقامة المصانع. كما كان هناك تركيز على الصناعة الخضراء الصديقة للبيئة من خلال عدة تدابير قامت بها الوزارة والمصانع، ومن خلال تشجيع البحوث الصناعية كأحد الخطوط الاستراتيجية التي وضعناها؛ ولذلك تم تعزيز معهد البحوث الصناعية، وتم تعزيز برنامج "LIRA" لإنجازات الأبحاث الصناعية، وتعزيز كل الجمعيات والتواصل مع الجامعات لتفعيل الأبحاث الصناعية، إضافة الى قيام الوزارة بالتواصل مع المنظمات لإيجاد برامج دعم للصناعة من ضمنها صناعة الأخشاب في الشمال والصناعات في جميع المناطق اللبنانية.

 

الصناعة في لبنان رهن دولة اللاقرار 

 

ولعلّ أهم إنجاز سجّلته الوزارة تمثّل في تأمين قرضين؛ قيمة كل قرض 60 مليون يورو لإنشاء البنى التحتية في المناطق الصناعية الثلاث: بعلبك والقاع وتربل. كما كان هناك عمل دائم للتواصل مع الأخوة في سوريا لفتح معبر "نصيب" الذي فُتح، واليوم هناك رفعٌ لبعض العوائق لتعزيز الصادرات عبر هذا المعبر.


*برأيك، ما السبب الأساسي أمام عدم تطور القطاع الصناعي؟ 

السبب الأساسي يكمن في توقيع لبنان اتفاقيتين كبيرتين، اتفاقية "التيسير" العربية، واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بحيث إنّ لبنان لم يستفد من هاتين الاتفاقيتين.

*لطالما طالبت بتعديلهما ووصفت البقاء في إطارهما بالشكل الحالي "بالغبن"

نعم، طالبت مراراً بتعديلهما، إذ انعكست تداعياتهما بتراجع الصادرات اللبنانية وزيادة الواردات نتيجة فتحنا للأسواق. الآخرون وضعوا عوائق أمامنا وأهمها شهادة المنشأ بحيث لا يعتبرون أن البضاعة منشأها لبناني، وبالتالي تُصبح بضاعتنا خارج إطار المنافسة أمام البضائع الأجنبية، وندخل في دوامة لا نهاية لها. أمام هذا الواقع، طالبنا مراراً وتكراراً وأصررنا على تصحيح الاتفاقيتين. لم نطلب يوماً قطع علاقتنا التجارية لكن دائماً طالبنا بأن تكون العلاقات الاقتصادية متوازنة. وللأسف، فإن العلاقات الاقتصادية اليوم غير متوازنة، وهذا جزء من مشكلة الاقتصاد اللبناني. فعجز ميزاننا التجاري 17 مليار دولار يعني سنوياً إرسال 17 مليار دولار الى خارج لبنان، ما يؤدي الى مؤشرات سلبية في ميزان المدفوعات، بحيث يصبح هناك عجز كبير. 

*لماذا لم تستجب الدولة الى طلبكم في التعديل؟ 

لأنها دولة بلا رؤية اقتصادية، وبلا استشراف لآثار أي مشكلة تحصل اليوم، وهي مشكلة معرّضة لأن تتفاقم في المستقبل. هذه المشكلة نشأت عام 1998 عندما وقعنا اتفاقية "التيسير" العربية، وعام 2002 عندما وقعنا اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي دون أن نستشرف آفاق المستقبل، وبالتالي فإننا نحصد بعد حوالى عقدين آثار هاتين الاتفاقيتين. أنا لا أقول إن هاتين الاتفاقيتين خطأ لكنهما تحتويان على أخطاء جسيمة. هذه الأخطاء ندفع ثمنها اليوم. مثلاً سوق الاتحاد الأوروبي 500 مليون مستهلك ويُصدّر الى لبنان ثمانية مليارات دولار، وسوقنا 4 ملايين مستهلك، ونُصدّر 300 مليون دولار، فبأي منطق!!.

*يقال إنّ القطاع الصناعي تنقصه الدراسات. ما رأيكم؟

غير صحيح. لا تنقصنا الدراسات، تنقصنا القرارات فقط. نحن لا نحتاج الى خطط. طبعاً نحن لا نطالب بإيقاف الدراسات، لكن لدينا الكثير من الدراسات مقابل نقص هائل في القرارات.
على سبيل المثال اقترحت على مجلس الوزراء 25 قراراً حمائياً للقطاعات الصناعية العديدة، لم يؤخذ بها.

*ما هي الذرائع لعدم الأخذ بها؟

هناك إما دولة بلا رؤية أو رؤية اقتصادية خطأ، ومنهج اقتصادي خطأ.

*في حال تم استخراج النفط. هل سينعكس ذلك بشكل إيجابي على الصناعة؟

طبعاً، في حال تم استخراج النفط والغاز، يصبح لدينا انتاج محلي من الغاز الذي من الممكن أن نستخدمه كبديل لـ"الفيول" في انتاج الكهرباء، وبالتالي فإن إنتاج الكهرباء يصبح أرخص ثمناً، كما نستطيع أن نستخدم الغاز في الصناعة، وهذا من ضمن توجهنا ورؤيتنا الاقتصادية الاستراتيجية، ولكن بعد وقت. 

*أخيراً، اذا أردنا تقييم الواقع الصناعي، هل هو ثابت نسبياً، أو يسير ببطء، أو يتراجع؟

يتراجع، ولا حل لإنقاذه خارج إطار الأمور التي ذكرناها. من لديه حل آخر، فليأت به. يتحدثون عن الصناعات الجديدة، ما هي هذه الصناعات؟ فلتطرحوها. هناك طروحات لا منطقية، للأسف. سأعطي مثالاً عن أحد أعدائنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عندما تسلم الرئاسة ذهب في اتجاه معاكس لمنظمة "التجارة العالمية"، ذهب باتجاه حماية الصناعة الوطنية. تخيّلوا أنّ أميركا أكبر دولة اقتصادياً وأقوى دولة سياسياً وعسكرياً ذهبت لحماية صناعتها لأنها لم تعد تستطيع المنافسة في وجه الآسيويين وغيرهم، بينما لبنان أضعف دولة، للأسف، لم يتخذ تدابير حمائية تنقذ الصناعة الوطنية.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد