خاص العهد
"المعاش التقاعدي" أكثر من ضرورة.. فهل يشمل جميع الموظفين؟
فاطمة سلامة
يُحال الموظّف الى التقاعد لأسباب عدة يصبح بموجبها غير مؤهل للعمل ككبر السن (60 عامًا وما فوق)، أو الإصابة جراء العمل وما الى هنالك. وتختلف سياسات الدول في التعاطي مع نظام التقاعد الذي يشكّل محطّة أساسية في حياة الأفراد. طريقة مقاربة هذه القضية تنعكس تلقائيًا على مصير كل موظّف. دول عدّة تولي أهمية كبرى لهذه المحطة ما يضمن عيشة كريمة للفرد. ويُشكّل المعاش التقاعدي في تلك المحطّة نوعًا من الوفاء والواجب من قبل تلك الدول لموظّف قضى عمره في خدمة الدولة أو الشركة الخاصة. ولمن لا يعلم فإنّ "المعاش التقاعدي" يعرّف على أنّه "نظام ادخار خاص يهدف الى توفير دخل للأفراد أثناء تقاعدهم أي أثناء توقفهم عن العمل".
وتختلف الصيغ المتبعة لحساب المعاش التقاعدي من دولة لأخرى. ففي البرتغال مثلًا يمكن أن يصل المعاش التقاعدي الى 100 بالمئة من آخر راتب كان يتقاضاه الموظّف. وفي ألمانيا 75 بالمئة، في هولندا 70 بالمئة، وفي فنلندا والنرويج 66 بالمئة، وفي سويسرا 60 بالمئة، وفي بريطانيا 50 بالمئة، وفي الولايات المتحدة يتراوح بين 36 و80 بالمئة من رواتب الموظفين حسب مدة خدماتهم.
ووفقًا لمؤشر المعاشات التقاعدية العالمي "ميرسر CFA" لعام 2022، والذي يقارن 43 منظومة للمعاشات المُستحقّة للمتقاعدين، أظهرت الدراسة أن آيسلندا وهولندا والدانمارك لديها أفضل الأنظمة للتقاعد، لتحصل كل منها على درجة "A" في عام 2022. وسابقًا، اقترح المؤشر مجموعة من التدابير التي يجب أن تتبناها أنظمة التقاعد لتحسين تصنيفها، ومنها أن يبلغ المعاش التقاعدي 70% من راتب ما قبل التقاعد.
"المعاش التقاعدي" في لبنان يقتصر على فئة دون أخرى
في لبنان، غالبًا ما يُبدي موظفون كثر على رأسهم موظفو القطاع الخاص قلقهم على مصيرهم ومصير عائلاتهم عند بلوغهم سن التقاعد. ثمّة سؤال رئيسي يرددونه دائمًا يتمحور حول ضمانهم استمرارية العيش في بلد تغيب فيه مظلة الحماية الاجتماعية والصحية. لا يشبه لبنان الدول الأخرى من حيث ضمان المواطن وخصوصًا الموظّف أن يعيش عيشة كريمة في آخر عمره، خصوصًا أنّ نظام "المعاش التقاعدي" ينطبق على فئة معيّنة من الموظفين ولا يشمل الفئات بأكملها. ولمن لا يعلم فإنّ موظفي الإدارة العامة والعسكريين مخيرون بين تقاضي تعويض نهاية الخدمة و"المعاش التقاعدي"، أما موظفو المؤسسات العامة والقطاع الخاص فمجبرون على تقاضي تعويض نهاية الخدمة حصرًا. ذلك التعويض الذي بات بلا قيمة فعلية ليخرج الموظّف الذي قضى عمره في العمل خالي اليدين من المؤسسة التي يعمل فيها وسط غياب الأمن الاجتماعي لموظف في الستينيات من عمره.
من هنا، كان لا بد من التفكير جديًا في وضع خيار "المعاش التقاعدي" لكافة الموظفين في القطاعين العام والخاص والذين لا يشملهم هذا الخيار. بهمّة عالية قارب وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور مصطفى بيرم هذه القضية التي باتت أكثر من ملحة مع تآكل الرواتب والقدرة الشرائية بشكل رهيب. وبدأ العمل عليها منذ فترة في لجنة المؤشر لإنجاز معاش تقاعدي يشمل كافة العاملين المنتسبين للضمان الاجتماعي.
ضرورة قصوى
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر وهو عضو في لجنة المؤشر التي تتم فيها دراسة مشروع "المعاش التقاعدي" يشدّد على أنّ "المعاش التقاعدي" في هذه المرحلة ضرورة قصوى لأنّ التعويضات تبخّرت والعامل في القطاع العام أو الخاص لم يعد يكفيه تعويض نهاية الخدمة. يذكّر الأسمر، في عام 2019 أي قبل الأزمة كان متوسّط التعويض وفق دراسة "أكتوارية" 45 مليون ليرة أي 30 ألف دولار. منذ عام تقريبًا أي قبل المباشرة بزيادات غلاء المعيشة كان مبلغ الـ45 مليون ليرة يساوي 2000 دولار فقط. أمام هذا الانحدار المُخيف لواقع التعويضات كان لا بد من نقلة نوعية تفسح المجال أمام الموظفين للاختيار بين التعويض والمعاش التقاعدي.
يعود الأسمر بالذاكرة الى الوراء ليذكّر أن ثمّة مشروع قانون موجودًا في الهيئة العامة لمجلس النواب يسمى "مشروع الحماية الاجتماعية". هذا المشروع يُحدث نقلة نوعية، لكنّه بحاجة لدراسات كونه مُلك الهيئة العامة وقد يأخذ بعض الوقت وهو مشروع الزامي. لذلك ارتأينا ـ يقول الأسمرـ أن يكون هناك مشروع اختياري في قانون الضمان استنادًا الى المادة 54 (الفقرة 5) والتي تنص على أنّ للضمان الحق في تطبيق مشروع التقاعد إنما بطريقة اختيارية وهذا ما طرحناه ضمن السلّة التي اتفقنا فيها مع الهيئات الاقتصادية (غلاء المعيشة، بدل النقل، التعويضات العائلية، المنح المدرسية، تحويل نهاية الخدمة، والمعاشات التقاعدية لمن يرغب).
وضع بصيغته النهائية ولكن...
يلفت الأسمر الى أنّ مشروع "المعاش التقاعدي" وضع بصيغته النهائية ـ وكان هناك دور مهم لمنظمة العمل الدولية وخبراء ـ وهو قابل للتطبيق خلال أشهر لأنه لا يحتاج الى مجلس النواب، لكنّه لا يزال عالقًا عند اعتراض الهيئات الاقتصادية. الأخيرة اعترضت على الصيغة الاختيارية، وتشدّد على ضرورة أن يكون الزاميًا فهي تعتبر أنّه اذا تحول الى صيغة إجبارية لا يحتّم عليها الزيادات لدى إنجازها التسويات عند تعويض نهاية الخدمة خاصة أن الحد الادنى للأجور ارتفع 8 مرات من 675 ألف ليرة حتى أربعة ملايين ونصف المليون ليرة مع ما يحتّم ذلك من ارتفاعات كبيرة لمبالغ التسوية على أصحاب العمل. لكنّ الأسمر ـ الذي يبدي رغبته في تحويله الى الزامي ـ يشير الى أنّ الأمر عندئذ يتطلّب موافقة من الهيئات العمالية.
وحول ما ستكون عليه نسبة "المعاش التقاعدي" من الراتب، يوضح الأسمر أن النقاش لا يزال جاريًا حول هذه النقطة وسط اقتراحات بأن يتراوح بين 40 و60 بالمئة كحد أقصى من نسبة الراتب الأساسية، وهذا الأمر يحتاج الى دراسة لأن هناك رواتب كبيرة، متوسطة وضئيلة.
يوجّه الأسمر تحيّة لوزير العمل على سرعته في التنفيذ والمبادرة، ويشدّد على أنه ذا "خلُصت" النيات سنتمكّن سريعًا من وضعه خلال عدة شهور موضع التنفيذ. وهنا يشير الأسمر الى أنّ كل ما يصدر من غلاءات المعيشة في لجنة المؤشر للقطاع الخاص ولمن يخضع لقانون العمل يدخل في صلب الراتب ما يرفع من قيمة التعويض عكس ما يعطى للقطاع العام حيث تعطى الغلاءات تحت مسمى "المساعدات الاجتماعية" والتي تبقى خارج إطار أساس الراتب وبالتالي لا يأخذ الموظّف في القطاع العام أي تعويض عليها. وهنا يدعو الأسمر الى وجوب أن تدخل هذه المساعدات في صلب الراتب لأنّ الموظف في القطاع العام لا يزال يتقاضى تعويض نهاية الخدمة وفق سعر صرف 1500 ليرة.
وفي ختام حديثه، يوجّه الأسمر التحية لعمال لبنان المناضلين الذين يواجهون المصائب تلو الأخرى، وتتآكل رواتبهم على الدوام وسط قدرة شرائية معدومة.
إقرار حق "المعاش التقاعدي" أمر مقدس
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين وهو عضو في لجنة المؤشر أيضًا يشدّد على أنّ إقرار حق "المعاش التقاعدي" أمر مقدس ويجب أن نسير به للحفاظ أقله على قيمة الرواتب. برأيه "المعاش التقاعدي" أكثر من مهم في بلد تغيب فيه الحماية الاجتماعية.
وفي سياق شرحه لواقع نظام التقاعد الحالي في لبنان، يوضح شمس الدين أنّ موظفي الإدارات العامة والعسكريين لهم الحق في الاختيار بين تعويض نهاية الخدمة أو "المعاش التقاعدي". تعويض نهاية الخدمة لدى هؤلاء الموظفين يختلف حسب أساس الراتب في آخر معاش وحسب سنوات الخدمة، أما "المعاش التقاعدي" فهو أنقص بنحو 20 بالمئة. أما العسكريون فالوضع مختلف لديهم. تعويض نهاية الخدمة كبير جدًا، و"المعاش التقاعدي" كبير أيضًا حيث يبلغ نحو 90 بالمئة من الراتب.
أما موظفو المؤسسات العامة وعمال القطاع الخاص فمجبرون حاليًا على أخذ تعويض نهاية الخدمة فقط، وهذا التعويض اليوم لم يعد له قيمة. لنفترض أنه يساوي 100 مليون ليرة، هذا المبلغ يساوي اليوم 2000 دولار بعد أن كان نحو 70 ألف دولار. هذا المبلغ الزهيد قد يضطر الفرد الى صرفه لقاء إجراء عملية ما في المستشفى.
لذلك يلفت شمس الدين الى أننا بدأنا مع منظمة العمل الدولية والضمان الاجتماعي دراسة ليكون لكافة الموظفين المنتسبين للضمان الاجتماعي الخيار بين "معاش تقاعدي" وتعويض نهاية الخدمة.
لكن المفاجاة كانت من الهيئات الاقتصادية التي أصرت على الإلزامية، وهذا أمر غير منطقي وفق شمس الدين الذي يعطي مثالًا؛ لنفترض أن شخصًا موظّفًا يبلغ من العمر 64 عامًا غير متزوج وأهله فارقوا الحياة ويعاني من مرض ما قد يودي بحياته بمعنى من المرجح أن يفارق الحياة خلال مدة قصيرة، وهو لذلك يفضّل الحصول على تعويض نهاية الخدمة والتبرع به للأيتام مثلًا. هل أجبره على تقاضي "معاش تقاعدي"؟ يسأل المتحدّث مستغربًا!.
وحول نسبة "المعاش التقاعدي" يلفت شمس الدين كما قال الأسمر الى أنها لم تحسم بعد، لكنه يشير الى أنّ الفرد من المفترض أن "يأخذ 95 بالمئة من أساس آخر معاش، ولا يأخذ متممات الراتب"، بمعنى يأخذ تقريبًا 90 بالمئة من الراتب الأساسي.
وفيما يشير الى أنّ المشروع بات على سكة التنفيذ ويفترض أن يطبق خلال أشهر، ينصح كل من هاتفهم الضمان الاجتماعي لتقاضي شيكات تعويض نهاية الخدمة بأن لا يتقاضوها للاستفادة من "المعاش التقاعدي"، فالقرار سيشمل كل العاملين في المؤسسات العامة والشركات الخاصة الذين يستفيدون من الضمان ولا معاش تقاعديًّا لديهم.