خاص العهد
صيادو الأسماك في لبنان يقاومون الإهمال الرسمي: من يُرِدْ يستطِعْ
لطيفة الحسيني
صيد الأسماك وتجارتها قطاعٌ واعد إلّا في لبنان. كلّ شيء يدعو للتشاؤم. غيابُ الدولة، غلاء المعيشة، التعديات والمخالفات والفوضى في البحر. "أهل الكار" يتحدّثون عن أيّام سوداء يعيشونها بفعل الإهمال الرسمي والاعتماد على ثمارٍ بحرية من بُلدان أخرى.
مؤخرًا، انتُخب الحاج علي كوثراني رئيسًا لاتحاد نقابات صيادي ومربي الأسماك في لبنان. المنصب الجديد يحمله على وضع خطّة شاملة هدفها النهوض بالقطاع وتذكير الدولة بما عليها.
على الرغم من كلّ المؤشرات السلبية، يرى كوثراني أن الجهد لا يجب أن يتوقّف حتى تبقى الثروة السمكية صامدة، ولا سيّما أن لبنان يُعدّ من أكثر البلدان استهلاكًا للأسماك.
"من يرِدْ يستطعْ"، قاعدة يؤمن بها كوثراني لإنقاذ القطاع الذي يُنازع فعليًا. باعتقاده، وجود الدولة يحلّ كلّ المسائل وربّما أكثرها خطرًا عليه: الصيد الجائر.
تقول المعطيات إن لبنان هو مصدر التلوّث لحوض البحر الأبيض المتوسط، غير أن هذه الحقيقة يمكن تغييرها مع تصحيح مسار القطاع واستدراك كلّ الشوائب والمصائب التي تضربه.
موقع "العهد الإخباري" التقى كوثراني للحديث عن مشاكل صيد الأسماك في لبنان والتحدّيات وآليات إنعاشه حتى يتمكّن من المنافسة وتلبية حاجات السوق المحلي، وفيما يلي نصّ الحوار:
* بعد انتخابكم كرئيسٍ لاتحاد نقابات صيّادي ومُربي الأسماك في لبنان، بمَ يختلف الوضع عمّا كنتم عليه في نقابة صيادي الأسماك؟
في البداية كانت النقابة تعمل وحدها، الآن الاتحاد يعمل مع مجموعة نقابات. العمل بهذه الطريقة أشمل وأوسع ويأخذ حيّزًا أكبر من المشاورات لتوحيد الجهود، ولا سيّما في ظلّ مشاكل هذا القطاع.
* ما هي خطّة التنسيق مع الصيادين في كلّ المناطق؟
نحن نجري لقاءات دورية مع كلّ الصيادين، والتواصل قائمٌ معهم بشكل دائم، لكن الوضع في لبنان بات معلومًا كيف يتأثّر بالسياسة وببعض الحسابات وبالتدهور الاقتصادي، وهذا ما كان ينعكس في بعض الطروحات التي كانت تُقدّم، فاذا تبيّن أنها تخدم منطقة معيّنة، تُعرقل.
الثروة السمكية في لبنان لها تأثير اقتصادي كبير وقادرة على توفير فرص عمل اذا استُفيد منها بشكل صحيح. هذا القطاع مُهمل وغير محميّ وحتى أنه غير قابل للتطوّر في ظلّ الوضع القائم في لبنان، وعلى الرغم من ذلك نسعى حتى نستطيع تحسين الأحوال قدر الإمكان لاستمرارية القطاع.
* ما هي أبرز المشاكل التي تواجه قطاع صيد الأسماك في لبنان؟
هناك شقّ قانوني تتحمّله الدولة جراء غيابها الكبير الذي يحول دون نهوض القطاع، فاذا لم تكن الدولة حاضرة لن يكون هناك قوانين، واذا أُقرّت القوانين لا وجود لمن يحميها ويعمل على تأمين تطبيقها.
وهناك شقّ مهني فنّي يعود الى كيفية الصيد واستخدام الممنوعات أثناء عمليات الصيد، أو ما يعرف بالصيد الجائر، وهذا يعود من جديد الى عدم وجود الدولة. القطاع يُنازع، وقد نصل الى وقت لا نجد سمكًا.
*ما هي التحديات التي تواجه الصيادين اليوم؟
من جملة المصاعب التي يعيشها الصيّاد اللبناني: تدهور العملة الوطنية، غلاء معدّات الصيد، ارتفاع أسعار المحروقات. الصيّاد لطالما كان وضعه سيّئًا، فهو غير مدعوم، ولا يحظى بضمان صحي، ويفتقد الى الحماية في البحر، ويشكو من غياب دعم معدات الصيد أيضًا. الفلتان هو ما يحكم البحر وعمليات الصيد فيه، فالكلّ يستطيع النزول الى البحر واصطياد الأسماك، من دون أن يكون حائزًا على بطاقة صيّاد. الفوضى هي السائدة اليوم في القطاع. نرى من ليس لديه خبرة بالصيد وليس من أصحاب الكار في البحر يصطاد، وهؤلاء لا يحافظون على هذا القطاع أو المهنة.
الصيد الجائر هو المعاناة الرئيسية في عالم صيد الأسماك، فاستعمال الديناميت يقضي اليوم على الثورة السمكية لدينا، كما أنه يترك أثرًا صعبًا وقاسيًا في البحر، وللأسف ليس هناك من يُقدّر حجم الضرر الذي يُسبّبه الديناميت. حوالي 5% من الصيادين يعتمدون اليوم على الديناميت لإنجاز عملياتهم، وهؤلاء محميّون من جهات سياسية حتى اذا كانت هناك مصادرة لبعض المراكب المُخالفة، لأن صيّاديها محصّنون. وصلنا اليوم الى مرحلة تجري المُخالفات وتفجير الديناميت أمام أعين القوى الأمنية.
نسبة الـ5% تُغرق السوق بكميات الأسماك، فحُزمة الديناميت التي توضع في البحر لتُفجَّر تستطيع قتل أعدادٍ هائلة من السمك، والإضرار بكلّ المساحة التي تُفجّر فيها العبوة، وهذا يؤثّر على مستقبل الأسماك في بعض المناطق. هذه الحزمات قادرة على قتل أطنان من السمك، تُباع لاحقًا في الأسواق، مع العلم أن جودة ونوعية سمك الشبك تختلف تمامًا عن سمك الديناميت. هذا فضلًا عمّا تحتويه الحزمة من مواد كيماوية خطيرة سبّبت بالتالي بارتفاع أسعار الكيماوي للمُزارعين في القطاعات الأخرى. كلّ من يعتمد على الديناميت كوسيلة للصيد هدفه الربح والإنتاج السريع وتخفيف الجهد.
المعاناة كبيرة. كان الصياد يذهب الى الصيد مع صفيحة مازوت، اذا وجد أن هناك إمكانية للصيد وكمية وفيرة من السمك، يصرف نصف الصفيحة ويعود راضيًا بالكمية التي اصطادها، بلا تسجيل خسارة كبيرة. بينما اليوم الوضع اختلف كثيرًا مع الغلاء الكبير للمازوت، وهو ما يدفع الصياد الى التفكير جيدًا قبل التوجه الى البحر، حتى لا يخسر صفيحة المازوت مقابل لا شيء وبلا صيد مدرار.
الى جانب هذا، حسابات الصياد تلحظ موضوع علبة الصنانير المستخدمة أثناء الصيد، سابقًا كان سعرها 15000 ليرة فقط، أمّا اليوم فأصبح 1500000. على صعيد طعم السمك كالبلميدا والأخطبوط والصبيدج، وصل سعر الكيلو منه الى 500000. وهذا كلّه لا يعوّض كلفة الصيد. الصياد يعاني الأمرين. الأقسى عندما يُبتلى بعلاج طبي لا يستطيع تحمّل تكاليفه. لهذا معظم الصيادين اللبنانيين لا يستندون الى الصيد لتأمين قوت يومهم. شريحة الصيادين مقطوعة عن العالم، واجتماعيًا غير موجودة. المهنة تحتاج الى اهتمام بالبحر ورعاية وتجهيز وتفرّغ تامّ.
* ما هي الخطوات التي يجب أن تُتّخذ من جانب الدولة للنهوض بقطاع صيد الأسماك؟ وماذا عن قانون الصيد المائي وتربية الأحياء المائية؟
هذا القانون نوقش من حوالي الـ15 سنة في وزارة الزراعة. القانون اذا أقرّ قادرٌ على تنظيم القطاع، وهو مُعتمد في كلّ دول العالم، ويحمي الثروة السمكية من حيث تحديد أماكن الصيد وأوقاتها وعلى أيّ عمق وفي أيّة مسافات وما هي أنواع السمك المُصطادة، وأين الممنوع والمسموح، لكن السؤال الذي يُطرح هل هناك إمكانية لتطبيقه؟ على سبيل المثال، حجم الشبكة كما هو مُتعارف يجب أن يكون 20 ملم، وفي القانون المطروح يجب أن يكون 22 ملم، لكن عددًا كبيرًا من الصيادين لا يلتزمون بذلك ويعتمدون على شباك الـ10 ملم وهذا تأثيره سيّئ.
اليوم نحمّل المسؤولية لقوى الأمر الواقع الموجودة على الأرض التي تحول دون مُحاسبة المُخالفين ومُلاحقتهم ومُعاقبتهم.
نسعى اليوم للحدّ من عمليات الصيد الجائر. إقامة مراكز أبحاث لإجراء دراسات تبيّن حجم الثورة السمكية في لبنان ودعم الصيادين وتنظيم ورش توعية وإنشاء محميّات ضمن مسافة 2 كيلومترًا، كلّ هذا من شأنه الحفاظ على الثورة السمكية الوطنية.
للأسف، لبنان هو مصدر التلوّث لحوض البحر الأبيض المتوسط، بينما الدول المُطلّة عليه من إسبانيا وايطاليا الى رومانيا وفلسطين المحتلة وسوريا وتركيا ومصر وليبيا تهتمّ بتنظيف مياهها وبالمحافظة على شواطئها ومرافئ صيدها وخيراتها في البحر.
* هل إنشاء مرافئ على غرار مرفأ الصيادين في المنية ينعكس إيجابًا على عمل الصيادين في كلّ المناطق؟
المرافئ الموجودة في لبنان تكفي، لكنها تحتاج الى توسيع. والرئيسية منها متمركزة في الناقورة والصرفند وصور، ثمّ الأوزاعي، والجيّة، وعين الدلب، الدورة، السان جورج، شكا، جبيل، طرابلس، العبدة. كلّ هذه الموانئ مُحاطة بقوى أمنية.
* ماذا عن الضمان الصحي للصيادين؟
لا يوجد. كلّ سنة نُطالب بمنح الصيادين المُرخّصين ضمانًا صحيًا. هذا القانون في عهدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ أكثر من 40 سنة، وكان من المفترض أن يجري تصنيف الصيادين وفقًا لآلية محدّدة. في كلّ دورة انتخابية، نسمع بوعود عن تلبية مطالب الصيادين ومُزارعي التبغ.
وصلنا الى مرحلة فقدنا فيها الثقة بالمسؤولين، وجزء من المسؤولية يتحمّله الصيّاد. اذا كان فعلًا مُحترفًا فعليه، أن يحبّ البحر ويُحافظ عليه. العمل في البحر أحد تجليّات الله. كلّ من يُؤذي البحر ويُضرّ به حتمًا لا يُحبّه. هناك اليوم صيادون يرمون نفاياتهم في البحر، فهل يمكن القول إنهم صيادون حقيقيون وحريصون على نظافة البحر؟
* بلغة الأرقام، ماذا عن الإنتاج المحلي من السمك في لبنان؟ وماذا يُقال عن الأرباح التي يُحقّقها؟
لبنان من أكثر الدول استهلاكًا للسمك، وهو أكل الغني فيه وليس الفقير. لبنان يُنتج بين 3000 و3500 طن من السمك وفق آخر الإحصائيات لعام 2022، لكنّ هذه الكمية لا تُغطّي حاجة السوق المحلي، فيما يبلغ حجم استيراد السمك نحو 70% (الأغلب من تركيا)، مع العلم أننا قادرون على المنافسة بكلّ سهولة، لكن هناك جهات تعرقل. اليوم الحلّ الأمثل للحفاظ على الثروة السمكية هو إنشاء مزارع سمك في البحر والبرّ على غرار كلّ الدول المُحيطة بنا، إضافة الى مزارع مياه حلوة. من أجل هذا الهدف، يجب تطوير القطاع وزيادة نسبة الإنتاج والمنافسة بالسعر مع تخفيف الكلفة التشغيلية. في مرحلة من المراحل، طالبنا وزارة الزراعة بفرض ضريبة 1% على السمك المستورد وتحويلها لصالح الصياد اللبناني دعمًا له.
* كيف تصفون وضع الثروة السمكية في لبنان؟
سيّئ. الكمية تراجعت. كنّا نصطاد مئات الفروش والمراكب تمتلئ بالأسماك. اليوم الوضع اختلف تمامًا. كلّ الأدوات المستخدمة أثناء الصيد أثّرت بشكل سلبي على البحر. الشِباك الضيّقة والصنّارة الصغيرة والصيد على الشواطئ كلّ هذا انعكس ضررًا على القطاع، كما أن التعديات على البحر لا تتوقّف.
الثروة السمكيةالشواطىءالصيدالصيد الجائراتحاد نقابات صيادي الأسماك في لبنانمراكب صيد الأسماك