خاص العهد
ما حقيقة الطلبات "الهائلة" لإلغاء "ساعات الكهرباء" من المنازل؟
فاطمة سلامة
في كل مرة تُفتح فيها أزمة الكهرباء، تتسلّل الى الذاكرة تلقائيًا العروض "المُغرية" التي تلقاها لبنان من دول عدة على رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. تلك العروض كانت كفيلة بحل أزمة الأزمات في هذا البلد. لا بل كانت كفيلة بأن ينعم اللبنانيون بـ 24/24 ساعة كهرباء يوميًا. لكنّ "الفيتو" الأميركي فعل ــ للأسف ــ فِعله حتى باتت الكهرباء ــ التي هي أبسط حقوق المواطن ــ حلمًا بعيد المنال. ولا يخفى أنّ المواطن الغارق بالأزمات المعيشية والمالية يجد نفسه مضطرًا لدفع فاتورتي كهرباء واحدة للدولة وثانية لأصحاب المولّدات. فاتورتان ثقيلتان على جيبه في بلد تدهورت فيه القدرة الشرائية وتآكلت الرواتب والأجور بنسبة 95 بالمئة.
والمفارقة أنّ المواطن الذي يدفع فاتورتي كهرباء بقي لفترة طويلة لا يُبصر "كهرباء الدولة" إلا في المناسبات -اذا صحّ التعبير-. لكن ومع انطلاق العمل بخطّة الكهرباء الجديدة قبل فترة، ارتفعت التغذية الكهربائية من ساعة الى نحو أربع ساعات. الفرحة لم تسع اللبنانيين ــ كما يُقال ــ. كيفما اتجهنا ثمّة من يتحدّث بإعجاب عن الأمر. إلا أنّ الفرحة لم تدُم حتى باتت كهرباء الفواتير المرتفعة تفعل فعلها. ثمّة شكاية بالجملة من التسعيرة الجديدة والتي لا طاقة لكثيرين على تحملها. تلك الشكاية انعكست على أرض الواقع في مسارعة البعض الى تقديم طلبات لإلغاء أو تجميد "ساعات الكهرباء" في المنازل.
وفي هذا الإطار، لا تخفي مصادر متابعة لملف الكهرباء حقيقة مسارعة البعض للتخلص من "ساعات الكهرباء"، لكنها تجزم أنّ ثمّة مبالغة في الأرقام التي يتم تداولها. على سبيل المثال، قيل أنّ في إحدى المناطق التي يشترك فيها 3000 مشترك هناك 1500 مشترك أي 50 بالمئة ألغوا "ساعات الكهرباء" وهذا الكلام لا يمت للحقيقة والدقة بصلة. صحيح أنّ هناك طلبات في عدة مناطق لكن ثمة مبالغة في الأرقام وتفاوت بنسب الإلغاء والتجميد بين دائرة وأخرى. ولتقريب الصورة أكثر تشير المصادر الى أنّ المؤسسة تتلقى في إحدى المناطق ــ الواقعة في دائرة بيروت ــ والتي يفوق عدد مشتركيها المئتي ألفًا مئة طلب يوميًا 20 بالمئة منهم يطلبون تجميد أو الغاء "الساعات" و80 بالمئة يطلبون تخفيض الاشتراكات العالية من 30 و40 "أمبير" الى نحو 15 أو 20 "أمبير". أما في بعض الدوائر الأخرى كالشمال مثلًا فتبدو نسبة طلبات الإلغاء والتجميد أعلى لكن ليس بالشكل الذي يتم تصويره في الإعلام.
توجه لدى مؤسسة كهرباء لبنان لربط الإلغاء بإفادات شغور
وعن الحلول المطروحة للتخلص من ظاهرة تجميد وإلغاء الساعات، توضح المصادر أنّ ثمّة توجهًا لدى مؤسسة كهرباء لبنان لربط إلغاء "ساعات الكهرباء" بإفادات شغور من البلدية؛ بمعنى على طالب معاملة الإلغاء أن يُثبت أن منزله شاغر ولا أحد يسكن فيه خاصة أنّ ثمة أشخاصا كثرا يتأثرون بما يُحكى في الإعلام ويركبون موجة تجميد وإلغاء الساعات. وهنا تلفت المصادر الى أنّ بعض الدوائر بدأت بتطبيق هذا الأمر وسارعت الى طلب إفادات شغور، ولكن النظام لا يسمح بذلك. من هذا المنطلق يجري البحث عن إجراء ما مع العلم أنّه من الصعب العثور على مخرج قانوني لأنّ الاشتراك عبارة عن "بوليصة" بين المؤسسة والمشترك الذي من حقه أن يلغيها. وفي حال لم يتم العثور على مخرج ــ تقول المصادر ــ قد يُصار الى التشدد في المراقبة والتفتيش لمنع أي عملية "تعليق" أو سرقة للكهرباء على أن يتم توجيه محاضر ضبط بحق المخالفين.
لا تُنكر المصادر أنّ التعرفة عالية نسبيًا ونحن لا زلنا نأخذ الجباية وفق سعر صرف "صيرفة" 40 ألفًا للدولار الواحد يُضاف اليها نسبة الـ20 بالمئة، فما بالنا عندما تبدأ الجباية وفق سعر "صيرفة" الجديد أي 70 ألفًا للدولار الواحد؟! تسأل المصادر لافتة الى أن لا قرار حتى الآن لدى مؤسسة كهرباء لبنان باستيفاء الرسوم وفق سعر "صيرفة" الجديد الا في فواتير عام 2023، فكل فواتير 2022 ستكون وفق سعر صيرفة القديم. أما الأسعار فبالطبع تتفاوت حسب كل اشتراك. على سبيل المثال، فإنّ رسم اشتراك 15 "أمبير" وفق سعر "صيرفة" قديم لشهرين يبلغ 900 ألف ليرة، ما يعني أنّ متوسط الفواتير لشهرين بين مليون ومئتي ألف ليرة ومليوني ليرة. عند هذا المستوى نحن نتحدّث عن اشتراك متوسّط، أما باقي الاشتراكات التي يرتفع فيها عدد "الأمبيرات" فستكون مضاعفة بالتأكيد. أما مع رفع سعر منصة "صيرفة" واستيفاء الرسوم وفق التعرفة الجديدة فإنّ متوسط الفواتير لشهرين سيتراوح بين مليونين وأربعمئة ألف ليرة وثلاثة ملايين ليرة.
بتنا أمام الأمتار الأخيرة لنعي خطة الكهرباء.. وسلامة السبب الرئيسي
وتوضح المصادر أنّ عوامل بالجملة تُحاصر ملف الكهرباء في لبنان تبيّن أننا ذاهبون الى الفشل وبتنا أمام الأمتار الأخيرة لنعي خطة الكهرباء. ثمّة خلل كبير له علاقة بمنصة "صيرفة"، وعليه سيكون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة السبب الأساسي لنعي الخطة لأسباب عدّة. أولًا لرفع سعر منصة "صيرفة" لهذا الحد ما يجعل الفاتورة كبيرة على المواطن وقد يدفعه هذا العامل للتهرب من الدفع. ثانيًا؛ فقدان أموال الجباية قيمتها الشرائية بسبب الارتفاع الكبير بسعر صرف الدولار. على سبيل المثال، تجبي المؤسسة وفق سعر 50 ألفًا وتضع الأموال في مصرف لبنان، وعندما تطلب دولارات مجددًا فمن غير المعروف وفق أي سعر صرف سيبيعها مصرف لبنان الذي قد يزودها وفق سعر صرف 90 ألفًا مع العلم أنّ الجباية كانت وفق 50 ألفًا ما يعني فقدان 50 بالمئة تقريبًا من قيمة الأموال، والجباية التي كانت قيمتها 20 مليون دولار باتت نحو 11 مليون دولار الأمر الذي يعرقل شراء بواخر فيول مجددًا. وهنا تشدّد المصادر على ضرورة إما ضبط سعر الصرف أو التزام الحاكم بإعطاء المؤسسة الأموال وفق سعر منصة "صيرفة" الموجود وقت الجباية، وهذا ما لن يفعله حُكمًا.
التقنين القاسي عائد؟!
ثالثًا، بدأ سلامة بمطالبة مؤسسة كهرباء لبنان بالأموال بعد أن أمّن كفالة لدى المصارف الأجنبية تضمن لها تقاضي أموالها. ورغم أن مؤسسة كهرباء لبنان بدأت بالجبابة لكن استحقاق الدفع المتفق عليه لم يأت بعد، هذا بالإضافة الى التسريبات عن لسان سلامة وكلامه عن فشل مؤسسة كهرباء لبنان في الجباية وأنه لن يفتح اعتمادات جديدة ما يعني أنه اذا لم تؤمّن دولارات جديدة للمؤسسة لن تتمكّن من شراء بواخر فيول جديدة. وهنا توضح المصادر أنّ ما لدى المؤسسة من فيول يكفي لشهر تقريبًا. وعليه، بعد هذه الفترة سندخل في الدوامة القديمة ذاتها، وفي حال لم تُحل الأمور سنعود الى التقنين ساعة وساعتين من الفيول العراقي اذا ما بقي موجودًا، تختم المصادر.