خاص العهد
عملية حولا البطولية مزّقت أسطورة الأمن الصهيوني
بقلم: إحسان عطايا
قبل سبعة وعشرين عاماً، وعلى مشارف فلسطين المحتلة، كان الكمين جاهزاً لصيد ثمين، وكان الاستعداد لمواجهة بطولية في الميدان تامًّا، وكانت بلدة حولا في جنوب لبنان شاهدة على عملية نوعية موفقة، قد روى أهلها الطيبون ما شاهدته أعينهم من شجاعة وجرأة لدى أولئك الأبطال الذين لقنوا العدو درساً قاسياً، ورووا بدمائهم الطاهرة درب الجهاد والمقاومة، لتبقى شهادتهم نبراساً ينير الطريق نحو فلسطين حتى التحرير والعودة.
ثلاثة بدور لاح نورهم في سماء فلسطين وعلى ربوعها، وجهتهم كانت واضحة، وغايتهم محددة، وعزيمتهم كالحديد.. اجتمعوا على قلب رجل واحد، وانطلقوا في مهمة خاصة لا يلوون على شيء، وكلهم أمل أن ينالوا من عدوهم ويقضّوا مضجعه..
كان العراق وقتها حاضراً بابن مدينة الشعلة في محافظة بغداد، نزار خصاف (أبو أحمد)، وكانت فلسطين حاضرة بابن مخيم الوحدات في الأردن، خالد حسن (أبو مجاهد)، وابن مخيم عين الحلوة في لبنان عادل ضاهر (أبو داوود).
التقى ثلاثتهم على حب فلسطين وبيت المقدس، وحملوا سلاحهم بأيدٍ قوية وإيمانهم بقلوب مطمئنة، وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء أن يوفقهم في جهادهم، ويتقبلهم بقبول حسن، ويصطفيهم من الشهداء..
لقد صدقوا النيَّة مع ربهم، وأخلصوا في عملهم، فتحقق رجاؤهم، وبارك الله في تضحياتهم، ووفقهم بتنفيذ هذه العملية المميزة...
عملية حولا* نفذتها مجموعة الشهيد رائد الريفي..
"توكلنا على الله، إننا نؤكد بعملنا هذا أن فلسطين لنا وليست لكم، وإننا سنواصل خط الشهادة حتى النصر". هذه هي الرسالة التي حملها الشهداء الثلاثة للعدو على مصاحفهم.
وقد استطاع المجاهدون في هذه العملية الجريئة والنوعية أن يمزقوا أسطورة الأمن عند العدو الصهيوني، فبعد أكثر من عشرة أيام من المرابطة في عمق الشريط الحدودي اللبناني المحتل ورصد تحركات العدو بالرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، وقع موكب أمني على مستوى رفيع في كمين أفلت منه قائد المنطقة الشمالية الجنرال إسحاق موردخاي الذي غادر القافلة بطائرة مروحية قبل الهجوم عليها، وأصيب قائد وحدة الارتباط الجنرال ميخا تامير، كما سقط فيه ضباط وجنود بين قتلى وجرحى، بالإضافة إلى تدمير سيارة صهيونية واحتراق شاحنة. وجدير بالذكر أن الموكب أصيب بذعر بالغ وإرباك كبير، مما ساهم في وقوع عدد كبير من الإصابات.
اعترف العدو بقتيلين وسبعة جرحى، بينهم ثلاثة من كبار الضباط. وقد ذكرت إذاعة العدو أن القتيلين هما الرقيب شارون بن أرييه (22 سنة) من مستعمرة "عين جادي"، والعريف صلاح قاسم طافش (21 سنة) من بلدة "بيت جان"، وأن بين الجرحى ضابطين أحدهما كولونيل والآخر برتبة ميجر حالهما خطرة.
أما عن تنفيذ العملية، فقد حدث ذلك ظهر يوم الإثنين الواقع في 3 شوال 1412هـ / 6 نيسان 1992 عند الحدود مع فلسطين المحتلة وبالقرب من بلدة حولا في "الحزام الأمني" عند مفترق موقع العباد حيث تقدم موكب العدو المؤلف من ثلاثين آلية ما بين سيارات مرسيدس 230 تابعة للمخابرات الصهيونية والمسؤولين الصهاينة وسيارات جيب من نوع "جي. أم. سي" و"رانج" و"ويللس" إضافة إلى نصف مجنزرة وناقلتي جند.. تقدم هذا الموكب من تلة الأحمدية باتجاه تلة "910" في المنطقة، حيث كان متوجهاً من "ميس الجبل" إلى "مركبا"، ومن ثم كان في طريق العودة إلى مركز الـ17. فوقع في كمين نصبه المجاهدون الذين كانوا بانتظار الموكب ليمطروه بوابل من نيران أسلحتهم، ويطلقوا عليه القذائف الصاروخية، ثم تقدموا وألقوا ما في جعبتهم من القنابل اليدوية على السيارات مما أدى إلى سقوط معظم من كان فيه بين قتيل وجريح. وقد تمَّ نقل الجرحى إلى مستشفى "رامبام" في حيفا المحتلة.
بعد ذلك استقدم العدو تعزيزات وأرسل طائراته المروحية إلى المنطقة، وبدأت معركة أخرى مع الإسناد الصهيوني مستخدماً الدبابات والطائرات في معركة دامت ثلاث ساعات متواصلة سقط خلالها للعدو خسائر فادحة، واستشهد على إثرها ثلاثة من أبطال "الجهاد الإسلامي".
وقد صرّح الناطق باسم جيش العدو أن الجنود الصهاينة اضطروا إلى استخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر للقضاء على المجموعة المهاجمة.
وقال رئيس حكومة العدو آنذاك إسحق شامير، تعليقاً على العملية والخسائر التي مُنِيَت بها قوات الاحتلال: "إنهم ينجحون أحياناً بالمسّ بقواتنا".
أما منسق الأنشطة "الإسرائيلية" في لبنان أوري لوبراني فقال: "ليس هناك من حل سحري لمنع عمليات التسلل إلى المناطق الجنوبية الأمنية... ليس هناك أي حلول أو صيغ معجزة".
كما قال وزير الحرب موشي أرينز: "إننا نشهد منذ أكثر من عام تعزيزاً لنشاط "حزب الله" ومنظمات أخرى مثل "الجهاد الإسلامي"... وقد خسرنا أكثر من عشرة جنود في العام الماضي"...
من جهته، هدَّد قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الجنرال إسحق موردخاي الذي أفلت من عملية حولا، بالانتقام وقال: "إن منفذي العملية سيدفعون الثمن غالياً جداً، ونحن نحتفظ لأنفسنا بالحق في التصرف في المكان والزمان اللذين نريد". وأشار موردخاي إلى أنه ترك الموكب قبل ساعتين من وقوع العملية.
وقال: "إن البحث جار لمعرفة ما إذا كان الثوار الثلاثة الذين سقطوا في عملية حولا، قد استعانوا بأشخاص من "الحزام الأمني"".
يشار إلى أن قوات الاحتلال، فرضت حظراً للتجول في مناطق حولا، مركبا، العديسة، ونفذت حملة اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين، واقتادت عدداً كبيراً من الشبان للتحقيق، كما طال الاعتقال عدداً من مسؤولي وأفراد الميليشيات الحدودية الموالية لـ"إسرائيل".
_________
* المعلومات الواردة حول هذه العملية استندت إلى:
1ـ جريدة السفير، الثلاثاء والأربعاء 7و8/4/1992.
2ـ جريدة النهار، الثلاثاء والأربعاء 7و8/4/1992.
3ـ جريدة الحياة، الثلاثاء 7/4/1992.
4ـ جريدة العهد، الجمعة 7 شوال 1412هـ