خاص العهد
التحرّك الدولي على خطّ الرئاسة اللبنانية.. نضج أم بعد؟
لطيفة الحسيني
الاستحقاق الرئاسي داخلي لكنّه يشغل الدول والإقليم. عُرف أو قاعدةٌ أضحت ثابتة في لبنان. مع اكتمال المشهد الخارجي تنفرج أزمة الفراغ الرئاسي، هكذا يقول المراقبون ويعتقدون.
في الأيام الأخيرة، شهد ملفّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية حركةً على أكثر من صعيد من فرنسا الى الجوار العربي. المؤشرات الى الآن ليست سلبية، غير أنها مبدئيًا لا يمكن أن تكون حاسمة. ثمّة من يدعو الى تغليب لغة المنطق على أيّ تفاؤل متسرّع ولا سيّما بعد زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى باريس.
المحلّل السياسي وسيم بزي يقارب في حديث لموقع "العهد" الإخباري مجمل النشاط الدولي المُسجّل حتى الساعة فيما يخصّ لبنان، فيقول إن "الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر قدّمت نفسها على أنها معنية بلبنان وأولوياته ووضعه الصعب، وهي تتحرّك ضمن إطار غير مُعلن رسميًا، فبعد لقاء هذه البلدان في باريس، اجتمع السعوديون والفرنسيون بعد شهر ونصف، والآن يجري التداول في لقاء خماسي جديد سيُعقد إمّا في الرياض أو في مصر".
وإذ يُشير الى أن "السعودية تضع اليوم معايير خاصة بها لنظرتها الى لبنان وتموّل قوى سياسية أساسية"، يتوقّف عند زيارة السفير السعودي وليد البخاري لمعراب (دامت ساعتيْن) عقب عودته من باريس مباشرة على إثر زيارة قام بها مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا لمستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل.
بحسب بزي، اجتماع البخاري وجعجع تضمّن الكثير من الانفعال التصويري، فيما تؤكد المعلومات أن جعجع لم يكن مرتاحًا خلال اللقاء وهناك ثلاث إجابات لثلاثة أسئلة لم يستطع الوصول إليها أو يطمئن عبرها، وخصوصًا أن البخاري كان ينتقي بعناية مفرداته في حديثه عن الاستحقاق الرئاسي بحيث لا يظهر من خلالها أيّ موقف حاسم باتجاه فرنجية أو غيره.
بزي فصّل هذه الإجابات أو المواقف التي أثّرت سلبًا على جعجع وهي:
التلاقي بين المملكة وإيران جدّي جدًا وسيؤثّر على كلّ ملفات المنطقة في وقت لاحق، وترك الباب مفتوحًا في المرحلة المقبلة أمام خيارات المملكة في لبنان، والتشاور حول موضوع لقاء فرنسا الثنائي.
في المقابل، يرى بزي أن موقف الولايات المتحدة حتى اللحظة رمادي، فهي لا تريد أن تتبنّى أيّ مرشح، ويلفت الى أن الأمريكي طالما أنه لم يرَ أن الحراك الخاص بلبنان قد نضج الى مستوى الخيارات، فهو لن يتحرّك، واذا ما شعر بتسوية قد تمسّ بجوهر استراتيجيّته فسيذهب لقطع هذا الطريق.
يعتقد بزي أن التحرّك الفرنسي يحصل بناء على تفويض أمريكي، انطلاقًا من لقاء إيمانويل ماكرون وجو بايدن بُعيد انتخابه رئيسًا، لكنّ حدود هذا التفويض تتقلّص وتتوسّع حسب الرغبة الأمريكية.
من وجهة نظر بزي، الفرنسي يملك ميزة القدرة على الانخراط مع الطرف الآخر داخليًا في الاستحقاق الرئاسي، وخصوصًا أن تواصله دائم مع حزب الله.
ووفق بزي، الفرنسيون تقدّموا خطوةً بطرح موضوع سليمان فرنجية بجرأة ضمن مساحة الدول الخمسة وهم من خلال هذا يتبنّون نظرية أن أيّ اسم يطرح لا يقبل به حزب الله وحلفائه سيفشل، واذا أردنا أن ننجح يجب الانخراط مع الحزب وحلفائه وهذا لا يكون إلّا عبر سليمان فرنجية.
ويكشف بزي بناءً على معطيات حصل عليها أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان مشاغبًا أمام الفرنسيين (لقائه بمدير الاستخبارات الخارجية في فرنسا برنار إيميه بوجود النائب وائل أبو فاعور) إزاء اسم سليمان فرنجية وكان سلبيًا جدًا بالطرح بحجة أن هناك ثنائيًا مسيحيًا في الداخل يرفضه.
وبمناسبة حضور وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي الى بيروت، يجزم بزي بأن لقاءً سيجمع الأخير بفرنجية، ويُشير في الوقت نفسه الى أن القطريين بدخولهم الى نادي الدول الخمسة في باريس اكتبسوا حضورًا سياسيًا له علاقة بلبنان للمرة الأولى، وهم باتوا حاضرين بقوّة في المشهد السياسي، ويضيف "ننتظر لنرى اذا كان القطري يتحرّك بتفويض سعودي أو من تلقاء نفسه.. انحياز القطري وتبنّيه لخيار قائد الجيش جوزيف عون كان قد ظهر، لكنّ السؤال هل تراجع عن هذا الخيار مع انخفاض أسهمه وصعوبة وصوله الى سدة الرئاسة؟".
ويوضح أن القطريين لم يقطعوا خطوطهم الخلفية مع حزب الله منذ زمن بعيد ويملكون مرونة وحيوية اذا وفّروا لها هامشًا ينافسون الفرنسيين، ويُبيّن كذلك أن اللاعب المصري دخل كعامل مساعد للسعوديين على خطّ هذا الملفّ، ووجوده فيه مرونة.
ماذا عن العُقدة المسيحية؟ يُجيب بزي أن بكركي لا تضع فيتو على اسم سليمان فرنجية، انطلاقًا من اللقاء الذي عُقد عام 2014 بين القيادات المسيحية الأربعة تحت غطائها، أي فرنجية - ميشال عون- أمين الجميل - سمير جعجع، ويذكّر بأنه في حينها اتفق الجميع على أن الحاضرين يمثّلون شرعية في الوجدان المسيحي والتمثيل الوطني.
وحتى يُعالج الاصطفاف المسيحي ويُؤمَّن ثلثا النصاب لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، لا يرى فرنجية نفسه بحاجة الى شرعية التيار أو القوات، لأن شرعيته مستمدّة من تاريخ آل فرنجية السياسي الطويل في رئاسة الجمهورية ومفاوضات خروج الانتداب الفرنسي وشهادة والده طوني فرنجية، وانخراطه في المعترك السياسي منذ عشرينيات عمره، على ما يصرّح بزي لـ"العهد".