خاص العهد
اللقاءات السعودية ـ السورية: تعزيز سيادة دمشق على أراضيها
دمشق ـ محمد عيد
في الوقت الذي كان المراقبون يتوقعون فيه قيام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بزيارة إلى دمشق، قام نظيره السوري فيصل المقداد بزيارة العاصمة السعودية الرياض للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، زيارة لا شك بأنها ستمثل انطلاقة فعلية ورسمية لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين اللذين شهدت علاقاتهما السياسية تاريخياً الكثير من المد والجزر، وشكلت القطيعة الأخيرة بينهما أطول مراحل هذه الخصومة وأكثرها شراسة قبل أن تعيد الرياض حساباتها بشأن العلاقة مع طهران اولا ومن ثم مع حليفتها دمشق لاحقاً.
تطبيع دون شروط مسبقة
يرى عضو مجلس الشعب السوري مهند الحاج علي أنه ومنذ عام تقريبا كان هناك حراك سياسي منقطع النظير وبعيدا عن الاعلام بين دمشق وبعض الدول العربية، وعلى مختلف المستويات الدبلوماسية.
وبدأ بعض المحللين يتحدثون عن اثمان يجب ان تدفعها سورية للدول العربية كي ينتشلوها من الحصار الاقتصادي الخانق الذي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية عليها.
وفي حديث خاص بموقع " العهد" أشار الحاج علي إلى أن البعض بدأ يتحدث حتى في الإعلام عن نظرية احتواء سورية وابعادها عن ايران وعن حلف المقاومة من خلال استغلال حاجاتها الاقتصادية، وأخذ يفند بعض المطالب الواجب على الحكومة السورية تنفيذها قبل اي تواصل ومنها:
١- قطع العلاقة مع ايران او ابعادها عن الحدود مع الكيان الصهيوني مسافة ١٥٠ كم.
٢- قطع العلاقة مع حزب الله والتوقف عن تزويده بالسلاح او جعل الاراضي السورية معبرا لمرور الاسلحة له.
٣- ادخال شخصيات معارضة في جسد الحكومة السورية مثل الجولاني على سبيل المثال، الذي قام بدوره بخلع عباءة النصرة الملطخة بالدماء وارتدى بزة رسمية في احد اللقاءات الصحفية.
٤ـ الضغط اكثر على الفصائل الفلسطينية واغلاق مكاتبها في سورية.
٥ - تقييد الوجود الروسي في سورية.
وأشار الحاج علي إلى أن هذه المطالب كانت تنطلق من افواه بعض المحللين وكأنها شروط لا يمكن بدونها ضخ الاوكسجين في الجسد الاقتصادي السوري المتعب. ليأتي البيان المشترك لوزارة خارجية السعودية وسورية ليسقط كل هذه الفرضيات ويثبت ان الكل عائد لسورية لانه بحاجتها، ولا يمكن تجاوز الدور السوري على مسرح الاقليم شاء من شاء وأبى من أبى.
واضاف الحاج علي: "في متن البيان كلمات تتحدث عن الحفاظ على وحدة سورية ومكافحة الارهاب بكل اشكاله. وهذا يعني ان الكل بما فيها السعودية قد تخلت عن المشروع الامريكي لتقسيم سورية، وبدأت تفكر بمصالحها من نظرة المتضرر. وهذه جملة يجب ان نتوقف عندها كثيرا وخاصة عندما تنطلق من الخارجية السعودية، طبعا بالإضافة للمساعدة على عودة اللاجئين والمساهمة في تأمين الشروط المناسبة لعودتهم. وكانها تقول (أي الخارجية السعودية) انه لا يمكن ان يعود هذا اللاجئ الا بترميم البنى التحتية المدمرة في سورية بفعل الارهاب، وهذا يعني المزيد من الدعم للاقتصاد السوري".
وشدد الحاج علي على أنه "على عكس كل التوقعات، السياسة السعودية في هذه المرحلة تتسم بمبدأ مسك العصا من المنتصف بين المعسكرين الغربي والشرقي، ويبدو ان السعودية قد ضاقت ذرعا بالسياسات الامريكية التي لم تجلب الا وبال الحروب على المنطقة ونشر الفوضى الخلاقة، بينما المعسكر الشرقي بقيادة روسيا والصين، يقدم استثمارات بمليارات الدولارات، وهذا الاستثمار مفيد جدا لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان الرامية الى تغيير جذري في بنية الاقتصاد السعودي، ولا يمكن لهذا الاستثمار ان يتم، الا بخلق عوامل امان، ولا يمكن ان يوجد الامان والاستقرار في المنطقة بدون سورية، ونبذ الخلافات مع الجمهورية الاسلامية في ايران، وطي ملف اليمن بشكل يرضي جميع الاطراف".
وأشار الحاج علي إلى "رغبة السعودية بتعداد مصادر الاستثمار وعدم حصرها بالمعسكر الغربي، بالاضافة الى ضعف الادارة الامريكية الحالية والتي تتجه ايضا لحرب اهلية، وقوة محور المقاومة التي تزداد يوما بعد يوم، دفعها للتغير في منهجية سياستها. وهذا مرحب به من سورية وايران كون السعودية دولة وازنة على مستوى الاقليم، وبدونها ايضا لا يمكن تحقيق الاستقرار المنشود. لذلك لا يوجد اي اثمان ستدفعها سورية، ولا ايران ولا مقايضات كما يتحدث البعض".
ولفت عضو مجلس الشعب السوري إلى أن "الاستقرار هو حاجة للجميع، لانه البيئة المناسبة والوحيدة للاستثمار، وفي ظل الضربات الاقتصادية التي يتعرض لها العالم من جائحة كورونا الى حرب اوكرانيا، الكل يبحث عن الاستقرار، وعلى النقيض، الاستقرار والتضامن بين الدول العربية، يعني عدم الاستقرار في الداخل الصهيوني، والامريكي وحلفاء "إسرائيل" وأميركا في المنطقة مشيراً إلى أن المصلحة هي التي تتحكم في سياسات مجلس التعاون الخليجي، كون ان الاستمرار بتنفيذ السياسات الامريكية لم يعد يحقق مصالحهم، وكما العالم كله يتغير، الاقليم يتغير وخاصة في منطقة الخليج وغرب آسيا، والذكاء ان تجعل من مصالحك حاجة للاخرين، وهذا ما فعلته سورية".
قراءة مختلفة للقرار ٢٢٥٤
محررة شؤون السياسة الخارجية في صحيفة الوطن السورية سيلفا رزوق أشارت إلى أن "زيارة المقداد إلى الرياض كانت مفاجئة على الرغم من وجود تمهيد سياسي أطلقه وزير الخارجية السعودي وفتح الباب على وجود اتصالات وتسريبات تقول أن مدير المخابرات السورية ذهب إلى الرياض وسبقه كذلك مسؤولون بارزون منهم وزير السياحة السوري لكن زيارة المقداد بتوقيتها ووزنها شكلت مفاجأة سياسية سارة وسريعة خصوصاً وأنه لا يمكن إغفال ربطها بالقمة الخليجية العربية التي دعت إليها الرياض للبحث في موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبالتالي وصول وزير الخارجية السوري إلى الرياض مرتبط بالضرورة بهذه القمة التي ستضم دول الخليج إضافة إلى العراق ومصر والأردن".
وفي حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري أشارت رزوق إلى أن "التوصل للبيان المشترك والعناوين التي حملها هذا البيان جاءت لافتة جدا ويمكن وصف هذا البيان بأنه خارطة الطريق لإنهاء القطيعة العربية باتجاه سوريا بشكل رسمي على اعتبار أن هذه القطيعة انتهت عمليا على الأرض من قبل عدد من الدول الوازنة في المنطقة عندما هبطت طائراتها للمرة الأولى في دمشق بعد كارثة الزلزال".
وشددت رزوق على أن "هذه الزيارة كانت بمثابة اعلان رسمي عن خارطة طريق تنهي هذه القطيعة وتشكل الأرضية التي ستبنى عليها العلاقات السورية العربية في المرحلة القادمة، مشيرة إلى أن ابرز ما يمكن الالتفات له في البيان المشترك الذي صدر عقب لقاء الدكتور المقداد ونظيره السعودي - وهو لم يأت وليد اجتماع واحد بل سبقته الكثير من اللقاءات قبل وصول المقداد إلى الرياض - كان الإشارة السعودية لدعم الدولة السورية وهذا عنوان عريض وكبير فالسعودية انخرطت بدعم المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري لسنوات والآن السعودية بثقلها السياسي في المنطقة على ضفة اخرى تقول أنها تدعم الدولة السورية ببسط سيادتها على كامل أراضيها وهذا عنوان رئيسي وهام وانتقال لمرحلة سياسية جديدة في الملف السوري ككل وهو قراءة مختلفة للقرار الدولي ٢٢٥٤ والذي يشير في بنده الأول إلى وحدة سوريا واستقلالية أراضيها وهذا يعني التزاما سعوديا بالقرار الدولي ولكن ليس وفق الشروط الغربية بل وفق رؤية جديدة للقرار تتمثل بدعم سوريا من أجل استعادة أراضيها وانهاء وجود الميليشيات المسلحة وبعد ذلك هنالك عناوين أخرى حملها هذا البيان المشترك مرتبطة أيضا بالقرار ٢٢٥٤ وهي المصالحة السياسية وعودة اللاجئين والنازحين وهذه العناوين ما انفكت الدولة السورية تطالب بها وعقدت لأجلها عدة مؤتمرات لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار وصدر لأجل ذلك عدة قرارات عفو رئاسية تفتح الباب واسعاً أمام مصالحة سورية سورية".
وختمت رزوق حديثها لـ "العهد": "هذا البيان هو انطلاقة سياسية تغلق بشكل كامل مرحلة الحرب على سوريا بعدما افتتحت حقبة جديدة في المنطقة العربية وفي الملف السوري وتتوازى مع كل المتغيرات التي يشهدها الإقليم والعالم وتحديداً عقب الاتفاق السعودي الإيراني".