خاص العهد
عمال لبنان بلا عيد
فاطمة سلامة
رُبما لا يريد العامل اللبناني عيدًا تقديرًا لجهوده المبذولة في العمل في أي موقع كان. "الشكليات" لا تهم كثيرًا أمام جوهر الأمور. جُل ما يريده هذا العامل هو الأمان. الأمان المفقود في أكثر من ساحة. يريد هذا العامل راتبًا يؤمّن له الحد الأدنى لمتطلبات الحياة، لا حدًا أدنى من الرواتب. يريد أن ينام مطمئنًا لقوت أسرته في اليوم التالي. تمامًا كما يريد الأمان الصحي فلا يعيش على هاجس التسكع عند أبواب المستشفيات التي باتت وبكل ما فيها تتكلّم دولارًا. يريد هذا العامل الأمان الوظيفي فلا يجد نفسه بين ليلة وضحاها من المطرودين تعسفيًا. ماذا يُفيد العامل اللبناني يوم عطلة في السنة يُقال له فيها "كل عام وأنت بخير" بينما البحث عن الخير جار على مدار السنة ولا يحصد منه سوى القليل؟.
ثمّة أوضاع مأساوية يعيشها السواد الأعظم من العمال في لبنان. كُثر هم عمال بالاسم بينما الحقوق مسلوبة ومهدورة. الحديث عن أوضاع العمال المأساوية لا ينتهي بدءًا من المضطهدين والمصروفين تعسفيًا المتعرضين لشتّى أنواع الابتزاز، وليس انتهاء بعمال يعملون بالسخرة ولا يُساوي دخلهم اليومي ثمن شراء الخبز لأسرتهم. للأسف، شتّان ما بين ظروف العامل اللبناني وعُمّال في بلاد أخرى يحصدون حقوقهم على أكمل وجه. من يطّلع على تجارب العمال خارج حدود الوطن والأمان الوظيفي الذي يشعرون به يعِ حجم المأساة التي يعيشها عمال لبنان الذين يعمل جُلهم من "الفجر الى النجر" مع حد أدنى من الحقوق. ولا يخفى أنّ الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات أصابت بسهامها الأولى العامل وفاقمت أوضاعه المزرية. الأخير للأسف بات بمثابة "كبش محرقة" يدفع ثمن سياسات ريعية "عوجاء".
بيرم: السياسات الخاطئة ضربت معها كل قطاعات الإنتاج
وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور مصطفى بيرم يسعى جاهدًا لتحسين ظروف العمال قدر المستطاع وبالإمكانيات المتاحة، لكن "العين بصيرة واليد قصيرة" خصوصًا في القطاع العام. ثمّة أمور خارج قدرة الوزارة على الحل حيث أثبتت السياسات الخاطئة المرتبطة بالاقتصاد الريعي فشلها وضربت معها كل قطاعات الإنتاج والحافزية في العمل، وفق ما يؤكّد بيرم لـ"العهد".
في بداية كلامه وقبل أن يتحدّث عن أوضاع العمال، يتوجّه وزير العمل بالتهنئة لكل العاملين في لبنان، آملًا أن يفرج الله عنا جميعًا وينقلنا من حال الى أفضل حال. يُميّز بيرم بين أحوال العمال في القطاعين العام والخاص. في الأول؛ العمال أكثر تضررًا للأسف لأنّ الدولة هي ربّ العمل، وهي اليوم في حالة من الانهيار وشبه الإفلاس. أما في القطاع الخاص فيبدو الأمر مختلفًا نوعًا ما لأنّ القطاع الخاص يمتلك مرونة نسبية. ثمّة أصحاب عمل وشركات تمكنوا من التأقلم لكن في المقابل ثمّة شركات متعثّرة أُقفل بعضها ما رفع نسبة البطالة فضلًا عن الانهيار وأزمة النزوح حيث يشكّل النازحون ثلث سكان لبنان، إضافة الى السياسات الريعية الخاطئة والتي صنعت "عطالة وبطالة".
ما الحل؟ يسأل بيرم ويُجيب على نفسه بالإشارة الى أنّنا على مستوى القطاع العام نسعى لإحداث نوع من التوازن ضمن السقف المالي للدولة لتحقيق الحد الأدنى للموظفين مع مرونة في مسألة الحضور لم يشهدها لبنان في تاريخه. أما في ما يتعلق بالقطاع الخاص فقد "تمكنا من العمل ضمن معايير وهذه صلاحيتي كوزير عمل وقد اجتمعت لجنة المؤشر أكثر من 15 مرة في غضون عامين ووضعتُ لها معايير واقعية تتمثل بالآتي: التراكم، الخطوة خطوة، ما لا يُدرك كله لا يدرك جُله، الاجتماعات المفتوحة، والحوارات الثنائية المتعدّدة الأطراف للوصول الى الغايات المرجوة".
راتب أقل عامل في القطاع الخاص بات أعلى من راتب الوزير
يلفت بيرم الى أنه وفي كل مرة كانت تجتمع فيها لجنة المؤشر كنا نجري تطويرًا على الرواتب الى أن وصلنا الى مرحلة ــ وهنا النقطة المميزة والتي أفتخر بها ــ وصلنا الى مرحلة بات فيها راتب أقل عامل في هذا القطاع (9 ملايين ليرة كحد أدنى) أكثر من راتبي الرسمي كوزير وهو 8 ملايين ليرة بغض النظر عن المساعدة التي حصلت، وهذه مسألة تاريخية تحصل لأول مرة ــ يقول بيرم ــ الذي يشدّد على أنّ لهذه الخطوة دلالة على أننا من مدرسة فكرية وثقافية تؤمن بالعامل وتقدّس العمل وتؤمن بالاقتصاد المنتج ليمتلك لبنان جزءًا من الاقتدار كما يقول جبران خليل جبران "ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط.."، كما أننا من مدرسة فكرية تؤمن بقول النبي محمد (ص) الذي قبّل يد العامل وقال "هذه يد يحبها الله ورسوله".
إيجابية تغلّف المفاوضات
هل من إيجابية يُعلن عنها في عيد العمال بموضوع القطاع العام؟. نعم هناك إيجابية ــ يقول بيرم ــ. الاجتماع الموسّع الذي انعقد بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والعاملين في القطاع العام كان ايجابيًا وطلب "دولته" من العاملين إجراء دراسة وتضمينها المطالب لافتًا الى أنه منفتح لمناقشة مخرجات هذه الدراسة ولكن بشرط أن تكون تحت السقف المالي للدولة اللبنانية تجنبًا لأي "دعسة" ناقصة.
يتطرّق بيرم الى أبرز ما أنجزته وزراة العمل للعمال خلال الفترة الأخيرة. في القطاع العام المسألة غير مرتبطة بوزير العمل فهو ليس صاحب الصلاحية بل الحكومة مجتمعة لكن رغم ذلك "كنت صوت العمال وحملت مطالبهم انطلاقًا من الإيمان بهذا القطاع". في القطاع الخاص المسألة مختلفة، وهي تبدو أكثر ارتباطًا بوزير العمل. وهنا يوضح بيرم أنّ الوزراة عملت جاهدة لتحسين ظروف العمال وأنجزت عدّة نقاط أبرزها:
- العمل الحثيث في لجنة المؤشر لتحسين الأجور شيئًا فشيئًا بموافقة أصحاب العمل
-استحداث أكثر من منصة للتوظيف، حيث جرى توظيف أكثر من 1000 لبناني في قطر في فترة المونديال ما يعني أنه جرى تأمين ألف عائلة
-إطلاق مسار التدريب المهني المعجّل في لبنان لصنع المهارة لدى العمال للعثور على أعمال
- متابعة الكثير من حالات الفصل من الوظائف والتوسط لإعادتهم الى أعمالهم
-الاهتمام بالكثير من الأمور المرتبطة بالعمال ومنها تحويل قسم كبير من وزراة العمل الى طاقة بديلة دون أن تتكلّف الدولة ليرة واحدة
- توقيع أكثر من مذكرة تفاهم مع العديد من الجامعات والمعاهد لإقامة تدريب مستمر للعمال
- إجراء مباحثات مع شركة "توتال" الفرنسية لحماية نسبة 80 بالمئة من العمالة اللبنانية في قطاعي النفط والغاز
الأجور
وحول الأجور والرقم الذي يجب أن تكون عليه لتؤمّن للعامل الحد الأدنى من المتطلبات، يقول بيرم: "ما أنجزناه من حد أدنى غير كاف، ولكن أهميته تكمن في حماية العامل. في السابق ربما كان يتقاضى الموظف 500 دولار دون أن يصرّح رب العمل عنه للضمان الاجتماعي وهذا الأمر يحرمه من تعويض نهاية الخدمة. عندما أتيت الى الوزراة كانت الإحصائيات تقول إنّ 50 بالمئة من المؤسسات الخاصة وأصحاب العمل يصرحون عن راتب دون الـ900 ألف ليرة. أما اليوم، فمئة بالمئة من أرباب العمل لا يمكن أن يصرحوا عن راتب دون الـ9 ملايين ليرة، لذلك جرى تحويل النسبة من 50 الى مئة بالمئة، والحد الأدنى جرى رفعه 10 أضعاف، وهذا الأمر يُدخل واردات الى الضمان الاجتماعي ما سينعكس على الطبابة والمرض والأمومة، وهذا إنجاز مهم جدًا".
وحول إمكانية رفع الأجور أكثر، يلفت بيرم الى أننا لا يمكن أن نذهب بعيدًا في الرقم الا بالحوار والسير خطوة خطوة للأمام بالتوافق مع أرباب العمل، فلا بد من التعامل بواقعية مع هذا الأمر. وفي ما يتعلّق بمعضلة تآكل الرواتب والقدرة الشرائية رغم الزيادات ــ نتيجة التضخم الحاصل ــ يوضح بيرم أنّ هذه النقطة من أكبر المخاطر والتحديات التي تواجهنا. ويشير الى أن سعر صرف الدولار يبدو منذ ثلاثة أسابيع شبه ثابت عند حد الـ97 ألف ليرة نتيجة عدم طباعة المزيد من الليرات وجراء الكتلة النقدية الدولارية الموجودة في السوق والكبيرة جدًا، وعليه اذا جرت المحافظة على هذين الأمرين يكون الدولار في حالة من الاستقرار نوعًا ما وهذا ينعكس إيجابًا ويجعل الموظف أو العامل يشعر بأي زيادة.
لنستفِد من أوراق القوة
في الختام، يتوجه بيرم بالتحية للعمال ويقول لهم "نحن نؤمن بكم وجئنا من مدرسة تؤمن باليد العاملة وبالاقتصاد المنتج. وطننا بحاجة لنا جميعًا فلنعش بحالة من التضامن والتراحم المجتمعي لاجتياز هذه المرحلة والوصول الى بداية الحلول وهي خارطة طريق واضحة تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وانتظام المؤسسات ونستفيد من الاتفاقات والتسويات التي تحصل لنكون جاهزين ولدينا العديد من أوراق القوة في لبنان. يجب أن لا نفرط بهذه الأوراق ونكون جميعنا يدًا واحدة ونعزل الأمور السياسية عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية بعيدًا عن وضع الناس كمتراس في الصراع السياسي، فلبنان يمتلك العديد من الموارد لصناعة بلد يليق بالتضحيات التي قدمناها من أجل هذا الوطن".
الأسمر: أسوأ أيام تمر على العمال في تاريخ لبنان
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يُشاطر وزير العمل الموقف لناحية الظروف الصعبة التي يعيشها عمّال لبنان. برأيه، يعيش هؤلاء العمال وضعًا مأساويًا ناتجًا عن الانهيار الاقتصادي الكبير وعدم القدرة على السيطرة على سعر صرف الدولار. إنها أسوأ أيام تمر على العمال في تاريخ لبنان إن في القطاع العام أو الخاص.
الحل لأوضاع العمال الكارثية يبدأ ــ وفق الأسمر ــ من الحلول السياسية بعد أن وصلت الأمور الى مكان مسدود. نحتاج حلولًا سياسية تؤسّس لبعض الاسترخاء الاقتصادي الذي لن يكون دون وضع سقف ثابت للدولار الأميركي، وكل ما عدا ذلك لا يُعطي سوى نتائج آنية تندثر بعد أن يرتفع سعر صرف الدولار. تثبيت سعر صرف الدولار هو الحل الأكيد في هذه المرحلة. حل يمكّننا من طرح رؤية معينة فيها بعض الحلول. وهنا لا يُخفي الأسمر أننا في القطاع العام توصلنا الى شبه اتفاق ينقصه تعديلات مع رئيس الحكومة، وهو اتفاق قائم على إعطاء 7 رواتب للعامل. ولكن في حال ارتفع الدولار ماذا سيحصل بالسبعة رواتب؟ فعليًا ستتبخّر قيمتها.
ولدى سؤاله عن "نجاعة" الحلول المطروحة، يجيب الأسمر بالقول: "لا أستطيع التحدث الا عن بعض الحلول المخدّرة، عن إبرة مورفين آنية للتخدير من الوجع المستفحل". يؤمن الأسمر ــ الذي طرح فكرة الأربعين مليون ليرة كحد أدنى للأجور ــ أنّ هذا الرقم غير لائق أصلًا اذا ما "قرّشنا" على القلم والورقة متطلبات الحياة اليومية. وفق حساباته، يحتاج المواطن شهريًا من 10 الى 12 مليون ليرة لدفع فواتير الكهرباء، عدا عن بدلات السكن المرتفعة حيث بات إيجار الغرفة نحو 150 دولارًا في الأحياء الشعبية، فماذا تركنا للتنقل والاتصالات والسلة الغذائية الفالتة من عقالها؟ كيف سيعيش الفرد فعليًا؟ يسأل الأسمر الذي يشدّد على أنّ العامل يعيش في حالة مأساوية وسط إصرار على "الدولرة" التي لن تعطي أي نتيجة جراء التفلت بالأسعار.
نعيش في دوامة سيئة
يشدّد الأسمر على أننا نعيش في دوامة سيئة تجعلنا بحاجة الى صدمة إيجابية من حجم انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة التنفيذية. نحن في دوامة مدمّرة فكلما ارتفع الراتب وجرت طباعة المزيد من الكتلة النقدية ارتفع التضخم
وتآكلت الرواتب. وعليه، نحن بأمس الحاجة الى حكومة فاعلة تجتمع 24 ساعة وتعمل كخلية نحل، فيما نحن لدينا حكومة مستقيلة واذا أرادت الاجتماع نحتاج الى تفسير واجتهادات، ونستفيق يوميًا على تراشق سياسي وتصريحات نارية تؤزم الواقع الاقتصادي أكثر فأكثر.
يُشير الأسمر الى أنّ الاتحاد العمالي العام يفعل كل ما بوسعه للوقوف الى جانب العمال لإنصافهم. لذلك، واكبنا تطور الأجور في القطاعين العام والخاص، وعملنا على معالجة الأزمات التي تنشأ في القطاعات كقطاع "أوجيرو" والكهرباء وقطاع مؤسسات المياه، إضافة الى قطاع مصافي البترول في الشمال والجنوب، وواكبنا الإضرابات في الجامعة اللبنانية. ويوضح الأسمر أن أهم ما حصل كان في اجتماعات لجنة المؤشر التي باتت لجنة شبه دائمة تنعقد بصورة دورية كل أسبوعين وهذا تطور مهم أحدث نقلة نوعية في عملية تحويل تعويض نهاية الخدمة الى معاش تقاعدي لنكون أمام مشروع اختياري سيطبق قريبًا جدًا قائم على المادة 54 من الفقرة الخامسة من قانون الضمان الاجتماعي، كما أعدنا تحريك مشروع القانون الأساسي الإلزامي بخصوص تحويل التعويض الى معاش تقاعدي وهو موجود بالهيئة العامة لمجلس النواب، إنما هذه المشاريع بحاجة لتمويل وحد أدنى من الرواتب.
يشدّد الأسمر على أنّ الاتحاد العمالي العام الى جانب العمال يُواكب كل مشاريع القوانين الموجودة والتي تخصهم في مجلس النواب واللجان النيابية إنما مجلس النواب ليس لديه القدرة على التشريع والحكومة غائبة، بينما العمال بحاجة للتوجه الى سلطة فاعلة لحل الأمور، وهذا ما يُفسّر انخفاص وتيرة الإضرابات كثيرًا انطلاقًا من سؤال رئيسي: في وجه من نتظاهر طالما السلطة لم تستجب؟. وخير دليل ــ وفق الأسمر ــ إضراب الإدارة العامة المستمر منذ ثمانية أشهر ما أدى الى إقفال الدوائر العقارية ومصلحة تسجيل السيارات وغيرهما ولا من يسأل أو يستجيب لصراخ الناس. وهنا يؤكّد الأسمر أنّ حق التظاهر مُطلق ويجب أن يكون فاعلًا شرط أن تُقابلة سلطة فاعلة تسمع وتستجيب، لكن للأسف فالسلطة مشلولة وغير قادرة على فعل أي شيء وتبتكر حلولًا مالية تفاقم الأزمات.
لا خيار سوى الصمود
في ختام حديثه، يقول الأسمر "ليس لنا سوى البلد ونتطلع اليه بأيام سعيدة قادمة لأنه لا بد أن ننتصر على الحصار الذي نعيشه وهو حصار مدبّر ومدروس لتركيع الشعب اللبناني عبر الغرف السوداء وتهريب الأموال وتبديد أموال المودعين والتلاعب بالأسعار وعدم القدرة على وضع حلول للأزمات. وخير دليل على ذلك ما حصل في ملف الكهرباء الذي جرت عرقلته رغم حصول اتفاق في مصر والأردن وإصلاح الأنابيب في سوريا بناء على وعود، ولكن عندما انتهى كل شيء تبخرت الوعود وتحدثوا عن استمرار نظام العقوبات. ثمّة إقفال شامل على لبنان من كافة المحاور وهو إقفال مدروس نتمنى أن نتغلب عليه، فلا خيار أمامنا سوى الصمود" يختم الأسمر.