خاص العهد
القانون وتجاوزات المدارس الخاصة
فاطمة سلامة
مخالفات قانونية بالجملة يرتكبها عدد كبير من المدارس الخاصة في لبنان. ثمّة تجاوز واضح للقانون 515/96 الذي ينظّم طريقة احتساب ووضع الموازنة المدرسية. ووفقًا للفقرة "ج" من المادة 2 من القانون تتكوّن نفقات المدرسة من 65 بالمئة "رواتب وأجور"، و35 بالمئة نفقات مختلفة. بعض إدارات المدارس تعمد الى تضخيم النفقات المختلفة لزيادة إيراداتها وفرض زيادات غير مبرّرة على الأقساط. أرباح غير مقبولة ــ إن لم نقل خيالية ــ تطمح اليها بعض المدارس مستفيدة من الفوضى التي أحدثها الدولار. هذه القضية برزت جلية في الأقساط التي حُدّدت للعام الدراسي المقبل (2023-2024).
ومع أنّ المادة 3 من القانون تنص على إحالة الموازنة المدرسية الى وزارة التربية في كانون الثاني من السنة الدراسية ذاتها، ما يعني أنّ أي زيادة على القسط لا تُفرض الا بعد 4 أشهر من بدء العام الدراسي، إلا أنّ ما يحصل على أرض الواقع مخالف للقانون. يبدو أن الموازنات تُقر بناء على توقعات وترجيحات من إدارة المدارس لا أرقام دقيقة. ولا يخفى أنّ المدارس التي تستند كليًا إلى الأقساط لتمويل ميزانيتها تتجاهل الموارد الأخرى التي تستوفيها من النقل، النشاطات اللاصفية، التكنولوجيا وغيرها لزيادة أرباحها.
أمام هذا الواقع والأقساط المبالغ فيها، باتت مسألة تأمين أرباب الأسر للأقساط المدرسية "تفوق طاقتهم"، الأمر الذي دفع رئيس لجنة التربية النيابية النائب حسن مراد الى تقديم مشروع قانون معجّل مكرّر للمجلس النيابي هدفه مواجهة عشوائية الأقساط في المدارس الخاصة والتي "تخطّى بعضها عتبة المنطق". الاقتراح ينص على رقابة لجان الأهل في التدقيق بالموازنات المدرسية واشتراكهم بتحديد الأقساط ما يضمن بعدالة كيفية احتساب أجور الأساتذة ورواتبهم، كما يضمن للمدرسة الحفاظ على نفقاتها التشغيلية.
مشروع "مُنصف"
في حديث لموقع "العهد"، يصف مراد المشروع بالـ"منصف". إنه مُنصف للمدرسة والأساتذة وأولياء الأمور على حد سواء. المشروع بمثابة اقتراح للتعاون بين ثلاث جهات معنية بالأمر لتحديد قسط مقبول من الجميع. طبعًا، لسنا ضد أن تربح المدرسة ــ يقول مراد ــ لكن في المقابل يجب أن يُعطى الأستاذ حقّه، ويكون بإمكان ولي الأمر تسجيل أولاده في المدرسة، "خاصة أن هناك شيئًا غريبًا عجيبًا باتجاه المدرسة الرسمية نسعى للوقوف ضده لتثبيت هذه المدرسة ودعمها وسط ترجيحات بأن نشهد نزوحًا من التعليم الخاص الى الرسمي العام المقبل".
يوضح مراد أنّ الاقتراح يشكّل حلًا مؤقتًا ريثما تتم معالجة قضية التعليم الرسمي التي يجب أن تضعها الحكومة كأولوية وطوارئ في برنامجها لحمايتها لتظل مفتوحة. ومن الآن حتى ذلك الوقت يأمل مراد أن تساهم المدارس الخاصة وتتحمّل قليلًا هذه السنة. من حقها أن تربح ولا أحد ينكر ذلك ــ يضيف مراد ــ ولكن ضمن المعقول والمقبول لمساعدة أولياء الأمور على تسجيل أولادهم بالمدارس.
يلفت مراد الى أنّ فحوى المشروع الذي قدّمه قائم على تعديل القانون 515 لنتمكن من احتساب الدولار محل الدعم من القسط على أن يُعطى 25 الى 35 بالمئة كحد أدنى للأساتذة من قيمة القسط. وهنا يشير مراد الى أنّ لجنة الأهل والمدرسة والمُحاسب يحددون القسط ــ بموجب المشروع ــ على أن تُجرى انتخابات جديدة لمجالس الأهل. وفق مراد، أي أمر خلافًا لذلك يتم اللجوء بموجبه الى وزارة التربية وهيئة التعليم الخاص أو المحاكم الموجودة.
لتعزيز المدرسة الرسمية ودعمها
يعود مراد ويشير الى أن بنود المشروع تطلب من المدارس التحمل هذه السنة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب. ثمّة الكثير من أولياء الأمور وتحديدًا في القطاع العام الذين يتقاضون 80 دولارًا لن يتمكنوا من وضع أولادهم في مدرسة تفرض قسط 1000 دولار. هذا الأمر ــ وفق مراد ــ يوصل الى ما يُسمى بـ"طبقية" التعليم في ظل الوضع الاقتصادي المزري والذي تتحمّل مسؤوليته الدولة وليس المدارس الخاصة "التي من حقها أن تضع ما تريد". مدّة السنة المطلوبة من المدارس الخاصة للتحمل ستعطي الدولة فرصة لتثبيت المدرسة الرسمية ودعمها لأن الأساس لدينا هو فكرة تعزيز المدرسة الرسمية اذ إنّ هناك مدارس رسمية تُوازي بأهميتها المدارس الخاصة.
وعليه، اذا تمكنا من تعزيز هذه المدارس لتكون هي الأساس والبديل، يتمكّن أولياء الأمور من نقل أولادهم من التعليم الخاص الى الرسمي ليزداد رقم الـ300 ألف طالب في التعليم الرسمي، ما يمكّن الطلاب من إكمال تعليمهم بشكل طبيعي حتى ولو زادت أقساط المدارس الرسمية لاحقًا.
هل من حظوظ لنجاح المشروع؟ يجيب مراد بالقول: "أنا أعلم أن هناك "لوبي" ضد الاقتراح، وأعلم أنّه ليس سهلًا أن يمر، لكن على كل الأحوال بات المشروع بمثابة نقطة للنقاش. هناك حلول موجودة وعندما يكون هناك إرادة بإمكاننا أن نصل لحل وسطي مُنصف ويُرضي الجميع". وفق مراد، تكمن أهمية المشروع في أنه يؤمّن حماية للطلاب فيوفّر طاولات دراسية لهم، ولأولوياء الأمور وللأساتذة الذين يحصلون على حقوقهم". وختامًا، يشير مراد الى أنّ المدارس الخاصة منذ التسعينيات ولغاية عام 2005 جنت أرباحًا طائلة واستفادت من القطاع العام، واليوم آن الأوان لترد "الجميل" في السنة المتبقية بعد ثلاث سنوات من الأزمة التي صارع فيها الجميع بـ"اللحم الحي".
كل الأقساط التي تحدّد قبل انتهاء العام الدراسي غير قانونية
رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل تستهل حديثها عن الأقساط "الخيالية" التي بدأت تظهر قبل بداية العام الدراسي المقبل بالاستناد الى القانون. وفق حساباتها، فإنّ "كل الأقساط التي تحدّد قبل انتهاء العام الدراسي وقبل أن تُنجِز المدارس قطع حساب على موازاناتها، وقبل أن تعلم المدارس عدد المسجّلين لديها فهو غير قانوني وعشوائي ولا يمت بأي صلة لأي دراسة علمية". برأيها، فإنّ الأقساط التي نراها لا يمكن لموظفي القطاع العام أو الخاص ــ حتى ولو تقاضوا جزءًا صغيرًا من رواتبهم بالدولار ــ أن يتحملوها.
وزارة التربية غائبة كليًا عن السمع
تلفت الطويل الى أنّ وزارة التربية غائبة كليًا عن السمع. وفق رئيسة اتحاد لجان الأهل لم نسمع أي ردة فعل لوزير التربية إزاء ما يحصل والأقساط التي تُطرح. وبناء عليه، تقول الطويل "توجهنا الى لجنة التربية على اعتبار أنّ كل نواب اللجنة هم ممثلون لهذا الشعب أي للأهالي فأوصلنا الصرخة التي وجدت صداها في طرح النائب مراد مشروع قانون يُعطينا حق الرقابة ــ الذي هو موجود أصلًا في القانون ــ ولكننا نفتقد للمدارس التحكيمية التربوية وليس لدينا قضاء تربوي. المشروع ينص على الأقل على إصدار عقوبة بحق من يخالف، كما ينص على تفعيل دور لجان الأهل والرقابة".
ترى الطويل أنّ كل ما يحصل في إطار المدارس الخاصة هو هرطقة. برأيها، على وزير التربية إصدار قرار يمنع المدارس من أن تأخذ أكثر من 10 بالمئة من قيمة القسط العام الماضي. وهنا تلفت الطويل الى أنه لا يجوز قانونًا للمدارس تخطّي السقف المحدّد قبل تقديم قطع حساب ودراسات ومعايير وضوابط، كما لا يجوز لكل مدرسة أن تسعر على "ذوقها".
وتضيف الطويل: " اذا تعاون وزير التربية معنا، ووضع قرارًا بمنع تحديد الأقساط بهذه الطريقة فلدينا وقت من الآن حتى بداية العام المقبل ليُسجّل أولياء الأمور أولادهم ويدفعوا عشرة بالمئة من قيمة السنة الماضية". وهنا توضح الطويل أنه يحق للوزير بموجب القانون إصدار قرار ملزم وليس تعميمًا ــ لأنه أصدر تعميمًا العام الماضي ولم تلتزم به المدارس ــ. بعد ذلك، بإمكان لجنة الأهل دراسة الموازنة وعدد التلامذة وقيمة المصاريف التشغيلية مع الإشارة الى أنّ لجنة الأهل في كل مدرسة تقوم بواجبها بشفافية شرط أن لا تُخفي إدارة المدرسة أي ورقة عنهم. وهنا تشدّد الطويل انطلاقًا من الخبرة في دراسة الموازنات المدرسية أنّ 10 الى 15 تلميذا في أي مدرسة يؤمنون الميزانية و"زيادة". وهنا تتحدّى الطويل إدارة المدارس بأن تضع موازناتها على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتُمكّن الأهالي من الاطلاع عليها، مع الإشارة الى أنّ الأهالي لديهم وفاء للمدارس ولن يعترضوا اذا وجدوا أنّ المدرسة محقة.
ثمّة واجبات ودور على الأهالي
لا تُخفي الطويل أنّ ثمّة واجبات ودورًا على الأهالي القيام به لكبح جماح الأقساط العالية. عليهم أن لا يسارعوا نحو التسجيل. أولادهم ــ ووفق القانون ــ حُكمًا "مسجلون" للسنة القادمة. وفي حال أبلغت المدرسة الأهل بأن أولادهم غير مسجلين العام المقبل، بإمكان الأهالي أن يطلبوا التبليغ من خلال ورقة قانونية. تلك الورقة يحملونها الى قاضي العجلة الذي يُجبر المدرسة على تسجيل أولادهم اذ لا يحق للمدرسة أن لا تحجز للتلامذة القدامى مكانًا.
كما بإمكان الأهالي ــ وفق الطويل ــ أن يتّحدوا مع بعضهم البعض لرفض الأقساط. بإمكانهم أيضًا الذهاب الى النواب الذين اختاروهم لمعالجة هذا الأمر ومتابعته. وفق الطويل، ثمّة مشكلة في القطاع العام وسط تدني قيمة المنح المدرسية التي بالكاد تصل لحد العشرة ملايين، فهل يستعد نوابنا لدفع هذه الأقساط للقطاع العام الذي يشكل 30 الى 40 بالمئة من تلامذة المدارس الخاصة؟.
ذاهبون نحو "اللا عدالة" في التعليم
في الختام، تشدّد الطويل على أنّ الواقع يتطلب عقد جلسة تشريعية وإعلان حالة طوارئ تربوية لحماية القطاع التربوي، فنحن أمام مشكلة كبيرة، وذاهبون نحو "اللا عدالة" في التعليم.