معركة أولي البأس

خاص العهد

الميدان الثقافي.. ساحة للمقاومة أيضًا
19/07/2023

الميدان الثقافي.. ساحة للمقاومة أيضًا

لطيفة الحسيني


تتكرّر اختراقات العدو للساحة الثقافية في لبنان. التحدّي الثابت صَدّ محاولات فرض التطبيع بأيّ شكل من الأشكال. صحيحٌ أن موجة الخيانة باتت جارفة عربيًا، لكنّ مواجهتها في لبنان قائمة بقوّة. العيْن ساهرة لردع أيّ تسلّل مقصود فنيًا على صعيد السينما أو المسلسلات أو المهرجانات المحلية.

دور السينما في لبنان تعرض ابتداءً من 20 تموز/يوليو عملًا يحمل عنوان Black Lotus، تُشارك فيه ممثلة اسرائيلية الجنسية تُدعى رونا لي شيمون (مواليد مستوطنة رمات جان). حملة مقاطعة "اسرائيل" في لبنان رفعت الصوت من أجل التحرّك لوقف الفيلم، على غرار خطوات مُشابهة سابقًا نجحت في إثرها في منع عرض أفلام أبطالها اسرائيليون (Thor: love and thunder/ Death on the nile/ The secrets we keep/ Jungle / Wonder woman).

الفنّ أحد أعمدة معركة الوعي

بحسب ما يقول رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع عضو حملة مقاطعة داعمي "اسرائيل" في لبنان الدكتور عبد الملك سكرية لموقع "العهد" الإخباري، الحملة بلّغت مكتب مقاطعة "اسرائيل" في وزارة الاقتصاد، لكنّه يسأل "أين الدولة والوزارات المعنية ومكتب المقاطعة ممّا سيعرض في لبنان؟".

يتحدّث سكرية لـ"العهد" عن الآلية التي تعتمدها الحملة من أجل التنبّه لأيّ مظهر من مظاهر التطبيع الثقافي أو الاقتصادي، فيُشير الى أن "لديها اطلاعًا مُسبقًا عمّا يحضّر ليُعرض في لبنان على صعيد الحركة الفنية والأفلام"، ويُضيف "بمجرّد أن يعلن برنامج المهرجانات أو الفعاليات الفنية والثقافية، نضع الأسماء المُشاركة تحت المجهر ونبحث عن تاريخ الشخصيات أو الفِرق القادمة الى بيروت، وما اذا كان لها دور في دعم العدو الصهيوني معنويًا أو ماديًا"، ويتابع "في أكثر من مهرجان فنّي استطعنا أن نمنع مُشاركة فنّانين مُطبّعين.. قبل سنوات، جُلنا على القيّمين على المهرجانات من جبيل الى بيروت الى بيت الدين وبعلبك ووضعنا بين أيديهم المعايير المعتمدة بالنسبة لنا حتى لا نقع في أيّ اشتباك معهم أو نُلحق أيّة خسارة بهم، وعليه تراجعت هذه الظاهرة كثيرًا".

 

الميدان الثقافي.. ساحة للمقاومة أيضًا

محاولات اختراق دور السينما في لبنان من خلال تمرير أفلام أبطالها اسرائيليون أو مُطبّعون يُرجعها سكرية الى جشع التجار في هذا المجال بعيدًا عن المبادئ الوطنية والقومية، غير أنه يرى أن "العدو يخسر اليوم في معركة الرأي العام الدولي نتيجة انتشار الوعي وإدراك الناس للحقيقة وكذب الحركة الصهيونية، مقابل اتساع قضايا المقاومة ولا سيّما حركة المقاطعة العالمية التي تضمّ عددًا كبيرًا من الأكاديميين ومجالس طلبة الجامعات وفنانين وكتّاب وإعلاميين في كلّ الدول".

يُشدّد سكرية على أن "معركة الوعي والثقافة أساس في المواجهة مع العدو والفنّ أحد أعمدتها"، ويلفت هنا الى أن "موجة التطبيع في العالم العربي تجري بنشاط لتستهدف ثقافة المقاومة وتحميلها وزْر كلّ المشاكل والأزمات الاقتصادية، وهذا جزء من الحرب الناعمة التي تُديرها مراكز أبحاث ودراسات تعمل ليلًا نهارًا للتخطيط وإدخال مفاهيم التطبيع الى المُجتمعات العربية بُغية ترويض عقولها والسيطرة عليها".

ولأنّ الخطر جسيم، يأسف سكرية لأن "فنّاني لبنان ليسوا واعين لخطر التطبيع الناعم بالقدر المطلوب، فالمعركة تحتاج الى جهد كبير ووقت أكبر"، ويستدرك بالقول "العيْن الساهرة تفرض علينا التحرّك مسبقًا لعدم وقوع أي خرق أو شُبهة، بانتظار أن تُطبّق الدولة قانون المقاطعة وهذا ليس مستحيلًا".


نبذ التطبيع مسؤولية شخصية قبل أيّ شيء آخر

لدى الإعلامي والشاعر والناقد الفني عبد الغني طليس وجهة نظر في المقاطعة الفنية للعدو، إذ يعتبر رفض التطبيع مسؤولية شخصية بالدرجة الأولى، فـ"وعي الفرد وإدراكه السياسي هو من يحمله على اتخاذ هذا الموقف المبدئي"، ويردف "من ليس له أيّ رابط تاريخي أو ذاكرة يعدّ "اسرائيل" دولة وموجودة ويستطيع التعاون معها، ما يعني أن المنع ورفض الانجرار وراء موجة التطبيع يجب أن يحصل ذاتيًا، تقدير الشخص نفسه هو من يحمله على أن يستشعر خطورة "اسرائيل" في المنطقة".

يدعو طليس عبر "العهد" الى إعطاء قضايا المقاومة ومناهضة العدو أولوية واهتمام يليق بها، ويحثّ على التركيز في كيفية تقديم قضية المقاومة عبر الشاشات والأعمال الفنية، فـ"الدول التي تواجه ولا تزال تتحلّى بالشرف و"الناموس" والكرامة في رفض أيّة علاقة مع "اسرائيل" يجب أن تبذل جهودًا مُضاعفة وعظيمة من أجل تقديم قضية المقاومة ومُقارعة الاسرائيليين لتبيان جدوى هذا الخيار، تمامًا كما تتصرّف المحطات التي تعتبر دولها "اسرائيل" حليفة، إذ إنها تُتنج ما يصبّ  في صالح هذه السياسة".

 

الميدان الثقافي.. ساحة للمقاومة أيضًا

 

وفق طليس، الأعمال الفنية والثقافية عن المقاومة لا ترقى الى المستوى المطلوب وتكاد تكون معدومة. لذلك من الضروري أن تُخصّص الأموال للمقاومة الفكرية والثقافية، كما تُصرف الأموال لأعمال المقاومة العسكرية، وألّا يعتبر هذا الموضوع تحصيلًا حاصلًا ويُهمل أو يُستخفّ به أو تُقتصر الأعمال على بعض المسلسلات والأفلام.

طليس يجزم بأن "فنّاني لبنان واعون فقط لمسألة كيف يكسبون الأموال، وليس لقضايا العروبة والمقاومة والسياسة"، ويُشدّد على أن "المطلوب عمل ثقافي جديّ".

غريزة المقاطعة الفنية حاضرة

بطريقةٍ مُختلفة ومُبشّرة، يُقارب الكاتب والمخرج المسرحي والناقد الفني عبيدو باشا مسألة المقاطعة الفنية للعدو، فهو يُطمئن الى أن "المقاطعة الفنية لـ"اسرائيل" موجودة في الغريزة عند اللبنانيين منذ عشرات السنين"، ويقول لـ"العهد": "نحن في علاقة تضادّ مع الاسرائيلي في أيّ مكان في العالم وليس في الداخل فقط.. تربّينا على العداء لـ"اسرائيل"، والعداء ليس عسكريًا أو سياسيًا فقط، بل حضاريًا ووجوديًا.. نحن أصحاب الأرض".

لا يوافق باشا على توصيف ما يحصل من اختراقات "اسرائيلية" لبعض الأفلام في الصالات اللبنانية بالتطبيع الناعم، على اعتبار أن "الناس وحدها قادرة على مواجهة هذا الموضوع، وثقافتها قائمة على فكرة العداء لكيان الاحتلال"، ويضيف "كلّما اتسعت آفاقنا كلّما ازدادت احتمالات ربحنا. لستُ مع هذه الظاهرة، اذا أردنا السيْر بهذا الأسلوب فليوقفوا الممثّلين الفرنسيين أو الأمريكيين الأكثر تطرّفًا من الاسرائليين أنفسهم.. هذا الصراع سينتهي بانتصار إرادتنا على "اسرائيل"".

 

الميدان الثقافي.. ساحة للمقاومة أيضًا

برأي باشا، الفنّانون اللبنانيون يمتلكون وعيًا سياسيًا كبيرًا، والصراع العربي الاسرائيلي لا زال موجودًا في أذهان الناس.

وإذ يؤكد "أننا نمتلك الكثير من أوراق القوة"، يُشير الى أن "علينا أن نكون أقلّ قلقًا من ظهور ممثلة اسرائيلية في فيلم أجنبي"، ويلفت الى أن "حضور أحد الممثلين الاسرائيليين في الأفلام لن يؤثّر على ثقافتنا وعلى وجودنا، فهناك أشخاص صهاينة من جنسيات أجنبية يتوفّقون بعنصريتهم على الاسرائيليين أنفسهم"، ويذّكر هنا بأن حملة إعلامية أُطلقت قبل فترة ليست بطويلة، بهدف وقف فيلم Wonder Woman لأن بطلته اسرائيلية وخدمت في جيش الاحتلال، وبالفعل مُنع عرضه، إلّا أنه وجد الفيلم معروضًا بالصدفة على إحدى شاشات التلفزة، "ما يعني أننا لا يجب أن نتعاطى بهذه الحدّة، والقضية برمّتها برسم الحكومة".

سينماعبدالغني طليسالجمعية الوطنية لمقاومة التطبيععبد الملك سكرية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة