معركة أولي البأس

خاص العهد

"مياومون" يعملون بـ"المجّان"
20/07/2023

"مياومون" يعملون بـ"المجّان"

فاطمة سلامة

وصلت أوضاع العمال في لبنان الى الدرك الأسفل. يعيش هؤلاء أسوأ أيامهم وسط نظام "الدولرة" الذي سيطر على كل نواحي الحياة. جُلّهم لم يعد يرى في العمل سوى ظروف قاسية فرضت عليه. ما يقبضونه باليد اليمنى يصرفونه باليُسرى في أول أيام الشهر، أما بقيّة الأيام فلا يعلمون كيف يُدبّرون أمورهم فيها وبأي طريقة!. وإن كانت بعض أحوال العمال قد تحسّنت بعد أشهر طويلة من الكفاح والمطالبة والاعتصامات، لا يزال جزء من هؤلاء العمال يعيش من قلّة الموت، على رأسهم المياومون. ولمن لا يعلم، فإنّ المياوم هو العامل الذي يعمل بشكل يومي، ما يعني أنه اذا عمِل يمتلك قوت يومه، واذا لم يعمل لا يمتلك. 

يبدو هذا النوع من العمال "مسحوق" الحال. هم أكثر الفئات العمالية تهميشًا. للمياومين تاريخ طويل من النضال والكفاح والاعتصامات في سبيل الحصول على حقوقهم. تلك الحقوق التي لا تزال حتى اليوم "مسحوقة" لدى جزء لا بأس به منهم. على سبيل المثال، لا يزال جزء من هؤلاء المياومين يتقاضى 80 ألف ليرة يوميًا أي أقل من دولار واحد ما يجعل أي فرد عاقل يسأل: ماذا يشتري الدولار الواحد في اليوم؟!. كيف تدبّر عائلة أمورها في ظل راتب لا يساوي شيئًا؟!. 

رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الدولة لجأت في فترة من الفترات الى طرق ملتوية للتوظيف، معتمدة على خيار المياومين عندما كانت "الملاكات" فارغة والتوظيف ممنوعًا في المؤسسات العامة، وعليه، ثمّة مياومون يتواجدون بمختلف الوزارات والمؤسسات. وهنا، يشدّد الأسمر على أنّ العامل المياوم يعمل بشكل يومي ما يعني أنه "اذا عمل يؤمّن طعامه واذا لم يعمل يتعذّر عليه ذلك". 
 
يتحدّث الأسمر الذي يتابع قضايا المياومين كونه المتحدّث باسمهم كعاملين عن أزمات تضرب هؤلاء العمال في أكثر من مكان. يبدأ من المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان الذين اعتصموا أمام مبنى الشركة في كورنيش النهر اليوم الخميس (20/7/2023). يوضح أنّ المياوم من هؤلاء لا يزال يتقاضى يوميًا 80 ألف ليرة لبنانية فقط، بينما المطلوب منه العمل في محطات توليد الكهرباء والمعامل والإدارة المركزية. وفي هذا الإطار، يوضح الأسمر أن هؤلاء العمال كانوا يعملون كمقدمي خدمات لإحدى الشركات في مؤسسة كهرباء لبنان قبل أن ينتقلوا الى شركة أخرى وسط عدم تقاضي رواتبهم التي لا تزال وفق الأجر القديم
حيث لا تطبق عليهم المراسيم بخلاف كل مقدّمي الخدمات في بيروت الذين يتقاضون جزءًا من رواتبهم بالدولار وجزءًا بالليرة اللبنانية، فيما لا يتقاضون مستحقاتهم رغم المصالحة التي أجريت والتي نصّت على أن تؤمّن لهم هيئة "التشريع والاستشارات" المبالغ المستحقّة.
 
من مياومي مؤسسة كهرباء لبنان، ينتقل الأسمر الى مياومي الجامعة اللبنانية فيقول: "للأسف، منذ بداية العام انتهى العقد مع المشغّل السابق لهؤلاء المياومين ولم يعد لدى هؤلاء الموظفين ــ الذين يبلغ عددهم نحو 300 مياوم ــ رواتب. تابعنا الملف مع رئيس الحكومة وأمنّا جزءًا من الرواتب من الهيئة العليا للإغاثة وبات لدينا مشغّل جديد لهؤلاء المياومين، وبعد مفاوضات شاقة توصلنا الى توقيع العقد معه (المشغّل) برواتب مقبولة". لكنّ الأسمر يلفت في المقابل الى أنّ ثمّة مياومين في كل فروع الجامعة اللبنانية بالمناطق يعملون ضمن عقود إيجار الخدمة. هؤلاء لا يزالون يتقاضون راتبًا يتراوح بين 800 ألف ومليون ليرة شهريًا. وفي هذا الإطار، يلفت الأسمر الى أننا نسعى مع إدراة الجامعة اللبنانية لتحسين هذا الواقع مع الإشارة الى أنها (الجامعة) تعاني من وضع صعب جدًا. 

الواقع ذاته ينطبق على المياومين العاملين على المشاريع الأكثر فقرًا في وزارة الشؤون الاجتماعية. هؤلاء لم يتقاضوا رواتبهم منذ فترة، وقد سُجّل تحرك باتجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لأنهم غير منتسبين اليه، وقد صدر قرار بضمهم الى هذا الصندوق وأحقية حصولهم على بدلات نقل. وفق الأسمر، ثمّة 300 عامل يعملون على هذه المشاريع فضلًا عن العمال المياومين في وزارة الشؤون الاجتماعية بالأقضية والمحافظات الذين يعانون الأمَرّين ولا يزالون يعملون وفق الرواتب اليومية القديمة، فيما العمل جار مع وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار لحل قضيتهم. 

يُضيء الأسمر على مئات العمال المياومين الذين توقفوا منذ أكثر من سنة عن العمل فجأة وباتوا عاطلين عن العمل. أولئك كانوا يعملون في "المعاينة الميكانيكية" التي توقفت منذ نحو عام جراء فسخ العقد مع شركة "فال" الذي كان يُجدّد تلقائيًا منذ عام 2012 بعدما تعذّر إطلاق مناقصة جديدة. وهنا يوضح الأسمر أن وزير الداخلية أصدر قرارًا بفسخ العقد بعدما ضاعفت الشركة تسعيرتها الموضوعة على المعاينة والتي كانت بحدود الـ35 ألف ليرة لبنانية. وهنا لا يُخفي الأسمر أن توقف المعاينة يحمل خطرًا على السلامة المرورية من جهة ومن جهة أخرى يضع نحو 600 أسرة في مهبّ الريح اذ لم يعد لديهم أي مدخول. 

وفي هذا الإطار، يوضح الأسمر أننا عملنا على دفتر شروط جديد مع رئيس دائرة المناقصات الدكتور جان العلية الذي كان متعاونًا لجهة أن تكون الأفضلية بالعمل للعمال في الشركة السابقة (فال) وضمن شروط تحفظ لهم العيش الكريم وتؤدي الى إعادة العمل بالمعاينة الميكانيكية. ويلفت الأسمر الى أنّ هذا الملف أحيل الى وزارة الداخلية حاليًا، ونحن في تشاور دائم مع الوزير لإطلاق المناقصة للمساهمة فعليًا بإعادة الأمور الى نصابها من حيث السلامة العامة وإعادة الموظفين الى عملهم في ظل الظروف الصعبة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل