خاص العهد
معركة تحرير الجرود.. نصر من نوع آخر
محمد عيد
شكلت معركة تحرير الجرود أو ما بات يعرف بـ"التحرير الثاني" علامة فارقة في تاريخ الحروب بعدما حصّل المقاومون النصر في بيئة جبليّة وعرة وأمام مقاتلين ممولين من أجهزة المخابرات المعادية.
معركة رسم الظفر بها ملامح مرحلة جديدة، مرحلة كان يمكن أن تكون صهيونية الملامح لولا أن رجال الله في الميدان قد اختاروا كتابة التاريخ على طريقتهم.
خرق في تكتيكات القتال
يؤكد الخبير العسكري العميد علي خضور أن معركة تحرير الجرود لم تأخذ حقها الكافي من النقاش وتسليط الضوء عليها على الأقل فيما يظهر.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أعرب خضور عن قناعته التامة بأن مراكز الدراسات العسكرية الغربية والإسرائيلية تحديداً تدرس على نحو جاد ودقيق وعميق ما جرى من معارك تحرير الجرود، مشيرًا إلى أن الاستنتاجات في هذا الشأن قد تبقى سريّة إلى أمد غير معلوم لأمر يتعلق ربما بعدم الرغبة في تظهير المقاومة الإسلامية في لبنان كقوة لا يمكن الوقوف في وجهها وعدم رغبة إظهار الجيش السوري كجيش بارع في التوفيق بين قوة نظامية ومقاومة تمتهن حرب العصابات "وهذا بالتحديد السر الذي تحاول مراكز الدراسات الغربية كشفه".
وأضاف الخبير العسكري أن الولايات المتحدة وبكل ما تملكه من قدرات عسكرية هائلة وإمكانيات رصد ومتابعة وأسلحة ذكية لم تستطع التعامل مع المقاتلين في أفغانستان المتحصنين في الجبال إلا عن طريق سياسة الأرض المحروقة التي تعكس العجز لا القوة، في الوقت الذي واجه فيه الجيش السوري ومجموعات المقاومة الإسلامية في لبنان تنظيم "داعش" التكفيري المتحصن في جبال وعرة وجغرافيا بالغة التعقيد بتكنولوجيا بسيطة وغير مكلفة استطاعت أن تحيد كل الأسلحة الحديثة والمتطورة وأجهزة الاتصال التي قام الأمريكيون والصهاينة بتزويدهم بها طمعا في كسر إرادة محور المقاومة في تطهير أرضه، مشيراً إلى أن الدعم الصهيوني والأمريكي المباشر لهذه المجموعات الإرهابية على امتداد الجرود بين سوريا ولبنان لم يتوقف طيلة المعارك والروح المعنوية للدواعش لم تنهَر كما يحصل مع الأمريكيين والصهاينة وبقية الإرهابيين لأن عقيدتهم الضالة المضلة تصور لهم أنهم شهداء وأنهم يقومون بالجهاد المقدس ومع ذلك فإن مقاومين أكثر تمسكًا بعقيدتهم المحقة النبيلة حققوا النصر في نهاية المطاف وبأقل تكلفة.
وحول آليات الانتصار التي حققها الجيش السوري ورجال المقاومة في معارك تحرير الجرود أشار العميد خضور إلى اعتماد سياسة الكمائن التي ألحقت بالدواعش خسائر فادحة وخصوصاً في المناطق التي كانت ممرًا حتميًا لمجموعات الدواعش من البادية إلى القلمون الشرقي فضلا عن عمليات تسلق الجبال بمجموعات قليلة لكنها رشيقة ومدربة وتعاين المكان بشكل دقيق لأجل حصر الارهابيين في جغرافيا ضيقة.
وختم الخبير العسكري حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن نصر الجرود قد تدحرج بشكل كبير ووصلت أخباره إلى المجموعات الإرهابية في العديد من المناطق الأمر الذي ساهم في تطهيرها من دون قتال عبر تسويات كانت وليدة القوة الناعمة للجيش السوري والمقاومة.
نصر له تداعياته على الإقليم
من جانبه أشار المحلل السياسي عدي حداوي إلى أن مفاعيل نصر الجرود لم تبق فقط ضمن الأراضي السورية أو اللبنانية بل تحولت لتكون رصيداً في يد محور المقاومة على مستوى المنطقة بأكملها، وهذا الأمر عجّل في بلورة الرؤية شبه النهائية لمصير هذا الصراع.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري لفت حداوي إلى أن تأثير نصر الجرود ظهر مباشرة في المنطقة الجنوبية من سوريا حيث كان الإرهابيون هناك بأعداد كبيرة وكان خط الدعم لهم مفتوحاً من الأردن فيما كان العدو الصهيوني يتولى مسؤولية رسم الخطط لهم لمهاجمة الجيش السوري واستنزافه بشكل مستمر.
وأضاف حداوي أن نصر الجرود ضد تنظيم شرس كداعش جعل معنويات الإرهابيين الذين يقاتلون للاسترزاق فقط في الجنوب السوري بأدنى مستوياتها وهم الذين كانوا يتصورون أن قتال الجيش السوري والمقاومة لداعش في هذه الجرود الوعرة سيشغلهم عن معركة تحرير الجنوب لكن الذي حصل أن هزيمة داعش المدوية في الجرود قد جعلتهم مهزومين قبل بدء القتال فوافقوا مكرهين على التسوية التي فرضها الجيش السوري عليهم لأنهم أدركوا أن لا مجال للنصر مع هزيمة من هم أشد منهم بأسا.
وختم المحلل السياسي حديثه لموقعنا بالتأكيد أن تداعيات هذا النصر كانت إقليمية وإن احتاج الأمر إلى سنوات لاحقة لتظهير ذلك، فانتصار الجيش السوري والمقاومة على داعش سرع في حسم القناعات بأن الصدام العسكري مع محور المقاومة لن يأتي بالنتيجة المرجوة ولذلك فإنهم اختاروا طريق السياسة فأعادوا العلاقات مجدداً مع دمشق وطهران علّ التسويات السياسية توصلهم إلى بعض ما أرادوا أن يأخذوه كاملاً في الحرب، وهذا ما لن يحصل.