خاص العهد
هكذا يكون "الصندوق السيادي" سياديًّا
زكريا حجازي
شهد لبنان اليوم استحقاقًا هامًا تمثّل بوصول سفينة التنقيب عن النفط والغاز "ترانس أوشن" إلى البلوك "رقم 9" تمهيدًا للبدء بعملية التنقيب الاستكشافية أواخر الشهر الحالي، لكن على أهمية هذه الخطوة إلاّ أنّها "صغيرة في إطار مسيرة طويلة هي وضع لبنان على الخارطة النفطيّة وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط"، بحسب تصريح وزير الطاقة والمياه وليد فياض خلال زيارته الميدانية مع وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية، إلى القاعدة اللوجستية التي تم اعتمادها في مطار بيروت الدولي لإقلاع وهبوط طائرة الهليكوبتر، المخصصة لتقديم الخدمات من وإلى منصة الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9.
وتأتي خطوة الإعلان عن وصول باخرة التنقيب عشيّة انعقاد جلسة تشريعية للمجلس النيابي لإقرار جدول أعمال من ضمن بنوده الصندوق السيادي لعائدات النفط والغاز، فيما يأمل الشعب اللبناني من النواب مقاربة موضوع الصندوق السيادي مقاربة سيادية ووطنية، لأنّ النجاح في إقراره يعني البدء بخطوة إصلاحية جديدة على طريق معالجة الأزمات.
إذًا، في ظل هذه المستجدات، وأهمية إقرار الصندوق السيادي لما له من أثر مهم وكبير في سبيل تحقيق المأمول منه، وباعتبار إقراره خطوة أساسية لاستفادة لبنان من عائدات النفط والغاز، كان لا بد من تسليط الضوء على طبيعته وأهميته ودوره وخصائصه.
الصندوق السيادي هو مشروع استثماري لعائدات الغاز والنفط على طريق معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية وليس مجرد "قجّة" تُوضع فيها العائدات ومن ثم تُدار بعقلية المحاصصة كما يجري أو جرى في بعض المؤسسات العامة.
هذا ما أكد عليه الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور عماد عكوش في حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري، أوضح فيه أنّ الصندوق السيادي هو "عبارة عن مؤسسة تودع فيها أصول أو واردات الدولة من عقارات ومردود مبيعات موارد طبيعية كالنفط والغاز والذهب، وما إلى ذلك، وتتم إدارته من قبل هيئة مستقلة وخبراء مستقلين يعملون على استثمار هذه الأصول ليحققوا عائدات إضافيّة على الأصول أو الموجودات في الصندوق".
وقال عكوش: "عندنا في لبنان هذا الصندوق معني فقط بعائدات الغاز والنفط، مع العلم أنه يمكن إضافة إليه هيئات القطاع العام مثل مؤسسة الكهرباء والهاتف والعقارات التي تملكها الدولة وتتم إدارتها من قبل هيئة الصندوق السيادي".
أما حول سياديّة الصندوق، قال عكوش: "حتى يكون الصندوق سياديًّا بالفعل يجب أن يتميز بأربعة عناصر أساسية هي:
أولاً: أن تتم عملية تعيين الهيئة الإدارية له من الخبراء الذين يتمتعون بكفاءات ولديهم علوم تؤهلهم لاستثمار الأصول، لأننا نتحدث عن عملية إدارة واستثمار لموجودات الصندوق، لذا يجب أن يكون التعيين شفافًا يخضع لمعايير علمية ومهنية لا على شاكلة التعيينات السابقة في مؤسسات الدولة، ونضع بالتالي أشخاصًا غير مناسبين في هذه المواقع.
ثانيًا: أن يتمتع الصندوق بشفافية تامة تضع المعلومات عن إدارته واستثماره في متناول أيدي المواطنين متى شاؤوا أن يطلعوا عليها عبر صفحة الصندوق كما يجري في الدول الأخرى، بحيث يكون المواطن عنصر رقابة على هذه المؤسسة يطلع على ما يجري فيها.
ثالثًا: وجود رقابة مستقلة تتابع عمل الصندوق السيادي ولا تكون جزءًا منه وفيه كما هو حاصل في مصرف لبنان حيث علاقة الرقابة فيه مباشرة مع الحاكم، بل تكون رقابة مستقلة فيها وحدة للتدقيق الداخلي ترفع التقارير بشكل دوري لمجلس النواب ومجلس الوزراء عن هذه الهيئة وعملها وما تحققه من عائدات أو ما تتعرض له من مخاطر أو ثغرات أو نقاط ضعف حتى تتم معالجتها فورًا.
رابعًا: يجب أن تكون هناك حوافز للهيئة التي ستدير الصندوق السيادي، لافتًا إلى أن الصندوق السيادي المعني بعائدات التعويضات للعاملين في اليابان حقق عائدًا يتجاوز الـ8 % على الأصول، وهناك الصندوق السيادي النرويجي حقق عائدًا بنسبة 13 % بلغت قيمتها حوالى 150 مليار دولار.
وعن لبنان، أضاف عكوش: "في لبنان لو حققنا 10 % على موجودات الصندوق السيادي من عائدات الغاز والنفط، فإنه يكون إنجازًا تفوق قيمته الموازنة العامة للدولة التي تصل إلى 2 مليار دولار إذا احتسبناها على أساس "فرش دولار".
وشدّد الدكتور عكوش على أن الصندوق السيادي ليس مجرد "قجة" (حصّالة نقود) نضع فيها العائدات ثم نصرفها، بل هو صندوق يُدار من قبل هيئة بطريقة استثمارية بعيدة عن المخاطر تحقق عوائد مناسبة في هذا الصندوق.
ولفت إلى أن الدولة يحقّ لها أخذ جزء أو نسبة من عائدات الاستثمار وفقًا لما ينص عليه القانون، بمعنى أن هناك جزءًا من أرباح العائدات يذهب إلى الدولة اللبنانية، وهناك جزء يبقى في الصندوق، ويتراكم ويزيد العوائد إذا أحسن المعنيون إدارة واستثمار موجودات الصندوق.
وعن الجهة التي لها حق الوصاية على الصندوق السيادي، أوضح عكوش أنها يمكن أن تتمثل برئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو وزير المالية، مشيرًا إلى أنه وفقًا للمعايير العالمية تكون وصاية الصندوق عادة مرتبطة بوزير المالية، لكن صلاحياته تكون محدودة جدًا؛ مجرد وصاية ورقابة أكثر منها تدخلًا، فلا يحق له تعيين الموظفين ولا أن يفرض على الهيئة الاستثمار في اتجاه معين، وإنما يراقب ويطلع على التقارير ويعرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب.
وأيّد الدكتور عكوش دعوة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لمجلس النواب لمقاربة اقتراح مشروع إنشاء الصندوق السيادي غدًا الخميس 17/8/2023 مقاربة وطنية ضمن خطة إصلاحية على طريق معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، محذّرًا من تشكيل هيئة الصندوق بعقلية المحاصصة وعقلية الاستفادة الآنية وأخذ القروض كما كان يحصل في بعض المؤسسات العامة.
وختم عكوش قائلًا: "إذا أمكن، فلتكُن الاستفادة من الصندوق السيادي على المدى الطويل لا المدى القصير، ولتكُن الاستفادة للوطن لا للأشخاص، عندها يمكن أن ننهض بهذا المشروع ويكون الصندوق مساعدًا في معالجة الأزمات".