معركة أولي البأس

خاص العهد

الشغور الرئاسي.. الجولة لم تنضج بعد
23/09/2023

الشغور الرئاسي.. الجولة لم تنضج بعد

فاطمة سلامة

بعد نحو شهر، يُتم الفراغ الرئاسي في لبنان عامه الأول. أشهر حفِلت بالعديد من اللقاءات والمباحثات والمبادرات دون أن تُثمر. طبعًا، ليست المرّة الأولى التي يطول فيها أمد الشغور ولن تكون الأخيرة. تركيبة السياسة اللبنانية قائمة على هذا النحو. في عام 2014، استوطن الشغور كرسي الرئاسة لأكثر من عامين، والنهج ذاته سرى على ما سبق من استحقاقات مع تفاوت المُدة. اللافت في الملف الرئاسي أنّ ما هو ممنوع اليوم قد يُصبح خيارًا، والعكس صحيح. لذلك، كثيرًا ما نسمع مرجعيات سياسية تردّد لدى سؤالها عن آخر التطورات أنّ الملف الرئاسي كل ساعة في شأن. مؤخرًا، جرى الحديث "بحماسة" عن المبادرة الفرنسية قبل أن تتراجع حظوظها في الأيام الأخيرة بعد اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك، الأمر الذي جعل البعض يُسوّق الى أنّ تلك المبادرة باتت في خبر "كان"، مع الترويج لمبادرة "قطرية" قيل إنها ورثت "الفرنسية". 

دلالات عدّة لما حصل في اجتماع "خماسية" نيويورك 

المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يُقارب في حديث لموقع "العهد" الإخباري الملف الرئاسي من زوايا متعدّدة، فيوضح الآتي:

- ما جرى في "خماسية" نيويورك نسف بشكل واضح ما حاولت "خماسية" الدوحة أن تقوله عن تماسك للدول الخمس مقرون ببيان، في حين أن "خماسية" نيويورك فشلت في تظهير بيان ختامي. 

- رغم أن شخصيات كثيرة من الدول الخمس وعلى مستويات عالية (وزير وما فوق)  كانت موجودة في نيويورك، إلا أنّ الصدمة كانت في أنّ الاجتماع جرى على مستوى المندوبين والذين لا يتعدون موقع سفراء منتدبين، باستثناء الجانب القطري الممثّل بوزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، والأميركي الممثل بمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. 

- لعب الجانب الأميركي تحديدًا دورًا بعدم صدور بيان ختامي، وهذه حقائق مشخّصة، لكن الأهم من كل هذا هو ما حدث في نيويورك، والخلافات التي تظهّرت ما جعل مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان تتراجع الى الخلف ليتقدم الجانب القطري بشكل واضح وجلي سواء عبر مبعوثه الحالي الموجود في لبنان أبو فهد جاسم آل ثاني، أو عبر مبعوثه الموعود في الخامس من تشرين الأول وهو الوزير المفوّض الخلافي نفسه. 

وفي هذا السياق، يشدّد بزي على أنّ هذا الدخول القطري يطرح علامات استفهام كبيرة: هل تقدّم القطريون المشهد نيابة عن الفرنسيين؟ وهذا يكرّس حركية مختلفة وطروحات مختلفة وأولويات مختلفة. الواضح والأكيد ــ وفق بزي ــ أن الطرف الأميركي هو الذي دفع الطرف القطري الى المقدّمة وكان شرسًا ــ عبر بابرا ليف ــ بإطلاق النار على لودريان وحركته والحديث عن ضرورة أن تكون محكومة بهامش زمني. كما أنّ الجَلِي أيضًا بحسب قناعات بزي أنّ الحركة القطرية مترافقة بشكل واضح مع أسماء رئاسية متداولة، وما سُرّب في الإعلام عن لقاءات الموفد خاصة أمس الجمعة تشي بما يجري في الصالونات بشكل واضح. السعوديون كانوا الأعنف بهجومهم على المرشّح الرئاسي الوزير السابق سليمان فرنجية على ضوء جولة لودريان الأخيرة، ويبدو أنهم سلموا على مضض بالقيادة القطرية بخلفية أميركية. 

ويشير المتحدّث الى صراع داخل "الخماسية" بمحطاتها "الباريسية" و"القطرية" و"النيويوركية"، فالدول الخمس ليست على قلب واحد، أربع منها على الأقل في موقع الطرف، لكن الجانب الفرنسي لديه هوامش مختلفة. وفق بزي، لأول مرة تحضر الولايات المتحدة الأميركية بقوة في مشهد نيويورك ويضع الجانب السعودي يده علانية وجهارًا على الطائفة السنية بعد اللقاء الفضيحة الذي حصل مع لودريان في بيت السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة. وفي هذا الإطار، يسأل بزي: "اذا كان الإيرانيون والسعوديون اتفقوا على عدم  التدخل بالشأن الرئاسي كيف يفسّر الجانب السعودي عقد هذا اللقاء بحضور لودريان ومفتي الجمهورية؟". 

أسماء للمناورة لا للجديّة 

أما في ما يتعلّق بتفاصيل الأسماء، فيلفت بزي الى أنه لم يعد سرًا وجود ثلاثة أسماء ترشحها الدول المذكورة وهي: قائد الجيش العماد جوزاف عون، النائب نعمة أفرام، والمدير العام للأمن العام بالانابة اللواء إلياس البيسري. الأخير أقرب الى الطرح القطري. وهنا يشدّد بزي على أنّ هذه الأسماء تحتمل في داخلها روح المناورة أكثر من الجديّة. في السابق، جرّبوا معادلة فرنجية - ميشال معوض ففشلوا، ولاحقًا معادلة فرنجية - جهاد أزعور وفشلوا. ويضيف بزي: " الضالعون في العلم والذين جرّبوا اللعب على وقائع لقاء رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وقائد الجيش، ومن ثم لقاء رعد - فرنجية في بنشعي يعرفون حقيقة ساطعة لا جدال فيها أن سليمان فرنجية لا زال يحظى علنًا بتمسك حزب الله فيه والدليل أنه (فرنجية) أكثر تمسكًا بترشيح نفسه. 

خلط أوراق وتهويل 

ويوضح بزي أنّ خلط الأوراق الحالي يُصاحبه تهويل خارجي عنوانه أنّ على اللبنانيين  من الآن حتى تشرين الأول القادم أن ينتخبوا رئيسًا ــ سواء في ظل حوار أم لا ــ  علمًا أنّ انقلاب البطريرك الماروني بشارة الراعي على الحوار في استراليا كان فضائحيًا. وفق بزي، هذا التهويل مرتبط بالحديث عن تطورات مالية واقتصادية سلبية وإغراءات وإغواءات وما الى هنالك. لكنّ كل ما سبق ــ برأي بزي ــ لا يُغيّر بأصل المقاربة الاستراتيجية التي تقول إنّ البعض يحاول أن يحاكم الملف الرئاسي بمعايير توازنات وحسابات داخلية ضيّقة، لكن البعض الآخر يحاكم المشهد بمعايير مفادها أن للرئيس موقعًا مفتاحيًّا استراتيجيًّا بمصير البلد وخياراته ومستقبله. 

تطورات إقليمية ترسم معالم المرحلة القادمة

وعليه، يشدّد بزي على أنه لا يمكن أن تُبنى الرئاسة وشخصية الرئيس على منطق المقايضة والبيع والشراء، على هذا الأساس، من يعرف جيدًا حقيقة قدرته في البلد وموازين القوى النيابية والسياسية والاستراتيجية للأطراف على الضفتين يجب أن يتوقف أمام صرخة رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" السابق وليد جنبلاط في وجه الموقف السعودي، وهذا أمر لافت للنظر ويجب البحث جديًا بخلفياته في الوقت الذي تُطرح فيه الكثير من علامات الاستفهام عن العامل الاسرائيلي الناضح والجلي بما يجري في السويداء، وفي الوقت الذي يفتح فيه الرئيس السوري بشار الأسد أبواب الصين وسُورها العظيم برسالة استراتيجية عن لبنان وسورية والمنطقة، وكلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن التطبيع مع "اسرائيل" أيضًا ما يرسم معالم المرحلة القادمة.

من هذا المنطلق، يرى بزي أنّ على المعنيين في البلد اذا كانوا فعلًا يُجيدون قراءة السياسة والاستراتيجيا أن يفهموا أن مشهد القادم في المنطقة سيكون فيه منتصر. صحيح أنّ المنتصر لم ينجح حتى الآن في ظل الآلام والضغط بتظهير النصر بعد، لكن هذا لا ينفي أنّ موازين القوى شاخصة وقائمة في المنطقة كلها ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها بدليل المناورة التي حصلت في سورية والتي حضرها قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال اسماعيل قاآني والمُفعمة بالرسائل. 

نمر بجولة لم تنضج بعد
 
هل الأجواء توحي بإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية؟ يجيب بزي عن هذا السؤال بالقول: "أبدًا، نحن نمر بجولة لم تنضج بعد، هذه الجولة قد يكون فيها انكفاء للبعض وظهور أكثر وضوحًا للبعض الآخر. نحن على مرمى من إتمام الشغور عامه الأول، الأكيد أن الجانب الأميركي هو الذي ظهّر مضمون مشهد نيويورك. وإن كان الجانب القطري يتصدّر الحراك حاليًا، لكن الفرنسي لم يقُل كلمته الأخيرة بعد ولم يتراجع والدليل أنّ الملف اللبناني كان على رأس الملفات خلال لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبابا الفاتيكان". لذلك، يرى بزي أننا لا نزال في عمق المسار وتخبطه وتطوراته، وعلى البعض المُراهن أن لا يستعجل خاصة أن تاريخه حافل بالخيبات والرهانات الخاطئة.

بعبدا

إقرأ المزيد في: خاص العهد