خاص العهد
أميركا تقود عدوان غزة: البداية والنهاية في واشنطن
لطيفة الحسيني
"مستوى التعاون غير مسبوق مع الولايات المتحدة"، هكذا وصف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حجم مؤازرة واشنطن لـ"تل أبيب". التعبير الأوضح لما تفوّه به رئيس الوزراء الصهيوني يُحيلنا الى الجزم بأن البيت الأبيض يُدير مباشرةً العدوان على غزة، ويُشرف على سير العمليات الحربية والغارات وتنفيذ المجازر واستهداف أكبر عددٍ ممكن من المدنيين والأبرياء.
بعد يوميْن من عملية طوفان الأقصى، استفاق الصهاينة من الصدمة وقرّروا الردّ والثأر. الإدارة السياسية في الكيان الغاصب ظلّت في الأيام الأولى مُرتبكة حيال إنجاز "كتائب القسام" في المستوطنات. عدم الدخول في حربٍ سريعًا والاكتفاء في الأيام الأولى بضرب منطقة "غلاف غزة" لم يطل، فجيش العدو انطلق في اليوم الرابع في مسلسل القصف التدميري في قطاع غزة. الأسلوب المتّبع من الجانب الاسرائيلي لم يرق للأمريكيين، ما دفع وزير الخارجية أنطوني بلينكن الى الحضور شخصيًا الى الأراضي المحتلة للتحكّم بكلّ خطوة في العدوان.
الدعم الأمريكي الذي تدرّج سريعًا من المُساندة الإعلامية الى المساعدة العسكرية ومُضاعفة التسليح وعدد الذخائر والصواريخ، ثمّ الى استدعاء حاملات الطائرات، والطلب من 2000 جندي أمركي التأهّب كرمى "تل أبيب"، اكتمل مع فتح الاتصالات بين مسؤولي الطرفيْن بلا توقف. وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن هاتف نظيره الصهيوني يوآف غالانت. بلينيكن حضر اجتماع حكومة الطوارئ كأول وزير أمريكي يُشارك في هكذا جلسة للمرة الأولى في تاريخ الكيان. وعلى الخطّ نفسه، عمل قائد القيادة المركزية الأمريكية الذي عقد اجتماعًا بوزير الحرب ورئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي ليفي.
العميد المتقاعد محمد عباس يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن "صورة الحرب الدائرة واضحة، الأمريكي يقود المعركة عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا ودوليًا"، ويقول "نتنياهو يُعتبر لدى الأمريكيين غير مؤهّلٍ بسبب خلافات الصهاينة وعدم الثقة به داخل مجتمع العدو".
بحسب العميد عباس، بناءً على تصريحات بايدن المتعلّقة بقدوم الأساطيل الغربية، الأمريكيون يريدون ترك معركة غزة بأيدي الاسرائيليين، ليتفرّغوا هم لردع باقي الأطراف في المحور، كما يظنّون.
بتقدير العميد عباس، الولايات المتحدة تُدير شخصيًا الحرب بعدما تلمّست تخبّط وانهيار الصهاينة والقيادة السياسية في الكيان منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى" نتيجة الانقسامات فيما بينهم.
وإذ يُذكّر العميد عباس بأن "العدو الصهيوني كان يُنهي كلّ حروبه واشتباكاته مع المقاومة في لبنان (1993/1996/2000/2006) بارتكاب مجازر كما حصل في مجزرة قانا الأولى عندما قتل المدنيين الذين التجؤوا الى الأمم المتحدة الى جانب 20 جنديًا أجنبيًا"، يُلاحظ أن "المشروع الصهيوني للمرة الأولى يكون متماثلًا الى هذا الحدّ مع المشروع الغربي كما يحصل اليوم"، ويتابع "المسألة اليوم هناك بُعد إيدلوجولي في الدعم الغربي، لأن من يحكم في الولايات المتحدة هي الدولة العميقة التي تُسيطر عليها الصهيونية المسيحية سواء كان رئيس البلاد جمهوريًا أو ديمقراطيًا.. "اسرائيل" بحاجة الى حماية، ولذلك هبّ الغرب كلّه لهذه المهمة وكأنّ الولايات المتحدة لا تكفي"، ويُردف "هناك معركة احتشد فيها الأمريكي والأطلسي مع "اسرائيل" لقتال غزة. لم يحصل في التاريخ هذا الاجتماع على حركة مقاومة. في حرب فييتنام كانت هناك قوّتان تتصارعان، أمّا اليوم فكلّ العالم يحضر لدعم "اسرائيل" بسبب مُنظَّمة في مساحة مدينة كبيرة أي غزة، وتتبارى الدول من أجل إرسال أسلحة وذخائر من الاحتياطي الاستراتيجي للحلف الأطلسي في النقب كما فعلت ألمانيا، التي سمحت أيضًا لـ"اسرائيل" باستخدام مُسيّرتيْن فائقتي التطوّر في غزة، فيما يُعلن بلينكن عن تقديم 10 مليارات دولار نتيجة انهيار الاقتصاد الاسرائيلي".
ويؤكد العميد عباس أن "الإدارة الأمريكية المُباشرة للحرب تتضح في حضور بلينكن لاجتماع حكومة الحرب الاسرائيلية في سابقة هي الأولى منذ إنشاء الكيان، ومن خلال مجيء وزير الحرب الأمريكي الى الأراضي المحتلة أيضًا"، ويُشير الى أن "الأسلحة التي زُوّدت بها "اسرائيل" في هذه الحرب لم تُعطَ الى أوكرانيا على مدار سنة ونصف من الحرب بينها وبين روسيا".
وعن تطوّرات المعركة في الساعات المقبلة، يعتبر العميد عباس "أننا بلغنا مرحلة حرِجة ليس بالمعركة البرية بل بالتدمير والهدف الاسرائيلي الأمريكي أن تصل غزة الى حافة الموت"، ويقول "أمامنا 72 ساعة حاسمة ستُبيّن ما اذا كانت الحرب ستتدحرج وستدخل أطراف ثانية في هذه المعركة أو سيُنزِل الأمريكي نتنياهو عن الشجرة ويُعطي أوامر بالتوقف عن القصف وتأخير العملية البرية أو تجميدها".
برأي العميد عباس، اذا قرّر بايدن وقف إطلاق النار فلن يُعلن ذلك قبل يوميْن، كما لن يُدخل المساعدات على الفور.
ويلفت العميد عباس الى أن "الدعم الأمريكي غير المسبوق لـ"اسرائيل" لا ينفصل عن الحاجة الدائمة لأيّ رئيس للولايات المتحدة للوبي الصهيوني الفاعل والحاسم في الخريطة الانتخابية الأمريكية، فهذا اللوبي يُهمين على الدولة الأمريكية العميقة وله تأثير كبير من خلال أصوات ناخبيه، لهذا يُصرّ بايدن على تبرير جرائم "اسرائيل" خاصة أن من يقود الإدارة الأمريكية هو المجمّع الصناعي العسكري Wall street"، وهنا يستشهد بما قاله بلينكن بُعيد وصوله الى الأراضي المحتلة عن أنه يحضر كيهودي وليس كأمريكي، و"عليه يمكن فهم حجم التأييد الأمريكي لـ"اسرائيل" داخل الولايات المتحدة".
ويخلُص العميد عباس الى أنه "كيفما ومتى انتهت هذه المعركة فإن موضوع تهجير غزة مُخطّط حاضر دائمًا لدى الأمريكي والاسرائيلي وهما يعملان على ذلك مع مصر منذ أكثر من 10 سنوات"، ويتحدّث عن أن "النظام المصري دمّر رفح القديمة تحت عنوان أن المقاومة الفلسطينية تنقل عبرها أسلحة، لكن العنوان الحقيقي هو أن النظام المصري لا يستطيع رفض أيّ طلب للأمريكي، ولذلك بنى رفح جديدة بعيدة عن الحدود بتمويل خليجي تتّسع لما يزيد عن مليون شخص لأن الغاية إفراغ غزة من أهلها".