معركة أولي البأس

خاص العهد

أسبوع المسجد: مساجدُ الضاحية.. قِلاعُ المقاومة الأصيلة
02/05/2019

أسبوع المسجد: مساجدُ الضاحية.. قِلاعُ المقاومة الأصيلة

لطيفة الحسيني
أيّام البدايات لا تُمحى.. راسخة في ذاكرة المؤيّدين والأنصار والمُنتمين.. سنواتٌ مضت لكنّها حاضرة، فيها الولادة والمنشأ والأصل.. الروح التي جمعت أهل النضال والنزال بنت قاعدة ثابتة لا تختلّ ولا تتبدّل، لتغدو المقاومة متجذّرة تُحصّن كلّ ملتحقٍ بها وتردع كلّ مُتردّد عنها.

قبل أكثر من 35 عامًا، قال مفجّر الثورة الإسلامية في إيران الامام روح الله الخميني (قده) جُملته الشهيرة "مساجدكم متاريسكم".. دعوة سماحته هذه شكّلت منطلقًا لدى كلّ رافض لسياسة التسلّط والاستكبار لاستثمار مواقع الصلاة في سبيل بذل المزيد حتّى صدّ المعتدين وانكسار مشاريعهم.

الشباب المؤمن كما كان يُعرف حينها، لبّى النداء، استجاب لرسالة الإمام (قده) ولم يتقاعس. شبابٌ سلك دربًا خرّج جيًلا من الاستشهاديين والمُقاومين والقادة، باتوا "سرية عشق" متنقّلة بين المحاور، يتقدّمها أحمد قصير وعامر كلاكش وهيثم دبوق وعبد الله عطوي وأسعد برو وعباس الوزواز وصلاح غندور وعلي أشمر وعمار حمود.

وفي أسبوع المسجد، نُطلّ على بعضٍ من تاريخ يستمرّ حاضرًا ويشكّل المستقبل لهذه المقاومة التي تخرّجت من رحاب المساجد.

بئر العبد

مساجد الضاحية الجنوبية لبيروت أدّت قسطها من "الكفاح"، فكانت مركزًا محوريًا عمل على صياغة الشخصية الإسلامية للشهداء والمناضلين. مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد الذي تأسّس عام 1975 قد يكون الأبرز على صعيد دور العبادة التي استوعبت "أبناء الثورة"، وحضنت نشاطاتهم المختلفة التي تتشارك في هويّتها المُناهضة للاحتلال الاسرائيلي آنذاك. في تلك المرحلة، أضحى مسجد بئر العبد جامع "المقاومة الإسلامية في لبنان"، "يلُمّ" الخطابات التعبوية لآية الله السيد محمد حسين فضل الله (رض)، والدروس الثقافية الأسبوعية واللقاءات الدينية اليومية والعظات السياسية التي صقلت أدمغة الفدائيين والجهاديين.

عام 1998، سُئل السيد فضل الله عن دور مسجد بئر العبد في ذلك الوقت، فأجاب بأنه أطلق الثورة". وبالفعل، استطاع جامع الإمام الرضا (ع) أن يكون محطّة برّاقة شهدت على بأس مئات المؤسّسين والفاعلين والمؤثّرين في خطّ الجهاد.

في 28 كانون الأول/ ديسمبر عام 1982، وبعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان، أبرم العدو مع بعض الأطراف المحلية آنذاك "اتفاق ذلٍّ" عُرف بمعاهدة "17 أيار". اتفاقية فجّرت غضب اللبنانيين الذي ما انفكّوا يواجهونها بموازاة حملات تنديد واسعة طالت مختلف المناطق في "الجوامع" والحسينيات، خصوصًا في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، حيث أقام تجمع العلماء المسلمين اعتصاماً من مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد تنديداً بالاتفاقية، يومها أعطى أمين الجميل أمرًا لبعض الوحدات في الجيش اللبناني التابعة له، بتطويق محيط المسجد، وبعد سجالات أطلق بعض العناصر الموترين النار على المعتصمين، فسقط على إثرها محمد نجدي شهيدًا مع ستة جرحى آخرين فيما اعتُقل عشرات الشبان، فاحتدّت على أعقاب هذه المواجهة التظاهرات الشعبية، وتصاعدت وتيرة العمليات البطولية ضدّ قوات الإحتلال، في سبيل إلغاء مفاعيل هذا الإتفاق المشؤوم.

بعد أقل من سنة، وفي ظلّ الرفض الشعبي العارم لاتفاق الذلّ، وتحت ضغط الإنتفاضة الشعبية التي انطلقت في 6 شباط/ فبراير من العام 1984، قام الجميل في 5 آذار/ مارس من العام 1984 بإعلان إلغاء إتفاق 17 أيار.

على أن الدور الريادي الذي لعبه مسجد الرضا (ع) ومن استوطنه من المؤمنين المُلتزمين بخطّ المقاومة والحركة الإسلامية، أزعج الإستخبارات الأميركيّة التي عمدت الى توكيل عملائها لتنفيذ اعتدائها القاتل واستهداف السيد فضل الله والمصلّين وراءه عبر تفخيخ سيارة بمئة كلغ من مادة الهيكسوجين الحارقة.

التفجير الإرهابي شدّ عصب الجهاديين، كثّفوا نشاطاتهم وعملياتهم العسكرية، ولم يتراجعوا قيد أنملة. مجزرة بئر العبد حثّت كذلك فرقة الإسراء للأناشيد الإسلامية الى تخصيص نشيد يوثّق حكاية النضال هناك بقيادة الراحل السيد فضل الله بعنوان "القلب قد مضى نحو رحاب السعد لمسجد الرضا (ع)".

الغبيري

في الغبيري، تميّز جامع الإمام المهدي (عج) بنشاطه السياسي الداعم لعمليات المقاومة ونهجها. الشيخ حسن طراد كان من أبرز الوجوه العلمائية التي نقلت الى الجهاديين الأوائل تجربته الحوزوية والتثقيفية التي اكتسبها في النجف الأشرف على أيدي كبار المراجع خاصة أن علاقة وثيقة ومودّة عميقة ربطته بالإمام الخميني (قده) وبالإمام المغّيب السيد موسى الصدر. النشاطات والأدعية ومجالس العزاء والتجمّعات التي شهدها جامع الإمام المهدي (عج) عزّزت الحركة الإسلامية في تلك المرحلة. هناك، حيث عايش الشباب المؤمن جهودًا عظيمة بُذلت في سبيل توحيد صفوف الطائفة الشيعية وتحصينها في مواجهة رياح الفتنة. في المسجد نفسه، كثّف الأئمة والخطباء وبينهم الشيخ حسن طراد كلماتهم في سبيل دعم ثقافة المقاومة في وجه العدو الصهيوني، فأعطى الترخيص الشرعي بعد مراجعة الإمام الخميني (قده) للاستشهادي الحركي بلال فحص بالقيام بعملية استشهادية ضد الإسرائيليين. وكان سماحته يردّد "لا قيمة لحياة تنكسر فيها الرقاب وتذلّ فيها النفوس وتضعف فيها القلوب، فإمّا أن نعيش أعزاءً أحرارًا وإمّا نتوّج بشرف الشهادة".

النهج الثائر ضدّ اتفاقيات الذلّ والتحالف مع الصهاينة في مرحلة التسعينات دفع الشباب المؤمن للنزول الى الشوراع ورفض كلّ معاهدات التسوية مع الاسرائيليين. حزب الله اختار آنذاك مسجد الإمام المهدي (عج) في الغبيري محطّة لتجمّع المشاركين في مظاهرة 13 أيلول/ سبتمبر 1993 الشهيرة والانطلاق باتجاه جسر المطار للتنديد باتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو، حتى سقط 9 شهداء أبرار بنيران الغدر وفاءً لفلسطين والمقاومة.

الشياح

مسجد الشياح الشهير الذي تلقّى القائد الشهيد الحاج عماد مغنية والقائد الشهيد السيد مصطفى بدر الدين فيه أولى تعاليمهما الإسلامية والحزبية، شكّل في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية وحتى في السبعينات مركزًا للعمل الإسلامي والثقافي، فكان فعليًا النواة الأساسية لاستقطاب النساء اللواتي انخرطن فيما بعد في صفوف حزب الله. كما أنه مهّد الطريق أمام مئات المؤمنين والمؤمنات بهذا الخطّ بوجه العدوان والاحتلال، ليُصبح مكانًا مُهمّته نشر الوعي الديني والسياسي على حدّ سواء.

التاريخ يروي أن الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي عاش فترة من حياته هناك إلى جوار المسجد المذكور، وفي 16 حزيران/ يونيو 1985، قرأ رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم السيد (الناطق باسم حزب الله وقتها) رسالة حزب الله المفتوحة أمام عدسات الصحافة المحلي والعالمية.

برج البراجنة

في برج البراجنة، كان مسجد أمير المؤمنين (ع) في محلة المنشية إحدى القلاع التي شاركت في الدفاع عن المقاومة وسلاحها، بموازاة مسجد الإمام الحسين (ع) في البرج أيضًا، حيث "خيّمت" حشودٌ غفيرة من الشباب المؤمن حينها لتلقي دروسًا اعتُبرت القاعدة الأساس في صقل الوعي لدى كلّ من اختار في ذلك الوقت مقارعة الاسرائيليين.

مسجد الإمام الحسين (ع) الذي يبعد أمتارًا عن عين السكة، كان مقصدًا لمئات الشباب في ذلك الوقت الذين حصّلوا توعية سياسية ووطنية عميقة، حيث كان رجل الدين المشهور الشيخ حسين عواد يعظ المجموعات الشبابية ويحثّهم على مواجهة الإسرائيليين.

ومن بين الأسماء التي عُدّت مُؤثّرة في نفوس الشباب وتخرجت من هذا المسجد، يحضر الشهيد نزيه حرب الذي كان مُدرّسًا لامعًا بعد أن كان من أوائل المنتسبين للعمل الإسلامي، إثر انضمامه إلى صفوف الحركة الإسلامية الفتية قبيل انتصار الثورة الاسلامية في العام 1979.

إقرأ المزيد في: خاص العهد