خاص العهد
نظريات القانون الدولي بلا مفعول.. الكلمة للقوة
حسن شريم
ربما بات الحديث عن انتهاك "إسرائيل" للقانون الدولي أمرًا مكررًا. هذا الانتهاك بات حديث العالم في الأسابيع الأخيرة، وقبلها لسنوات وسنوات. وعليه، ليس غريبًا أن يذهب أساتذة جامعيون وحقوقيون حدّ الاعتذار لطلابهم عن كل الحصص التعليمية التي "أضاعوا وقتهم" فيها لدراسة مقرّرات القانون الدولي. "النظريات" والمواد القانونية وكل ما زوّدوا الطلاب به لا يقرب الى أرض الواقع بشيء. ثمّة كيان متغطرس يمضي في إجرامه ووحشيته ضاربًا عرض الحائط بكافة المعايير والمقرّرات والقوانين والأنظمة الدولية. هذا الكيان يستشيط غضبًا ويستبيح حُرم المدنيين العزّل في غزّة، فيرتكب ما يرتكبه من إبادات جماعية تنفطر لها القلوب على امتداد المعمورة، وسط صمت وتخاذل دولي.
وأمام هول ما رأيناه على مدى أكثر من 25 يومًا، كانت لعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب تغريدة على منصة "إكس" اعتذر فيها لطلابه لأنه كان متشدّدًا في تدريس مقرّرات القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ومنظمة الأمم المتحدة. بنظر حبيب "بعد الجرائم الصهيونية في غزة لم يعد هناك حاجة لتدريس هذه المقررات. حقّ القوة سيد العالم".
يُكمل حبيب فكرته في حديث لموقع "العهد" الإخباري، فيقول: "إنّ القوة هي الكلمة الفصل في تحقيق الأهداف الوطنية والقومية.. منذ زمن والقانون الدولي يُعتبر مجرد نظريات لا مكان لها على الأرض خاصة من الناحية الإنسانية ولا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية و"الصراع العربي الإسرائيلي"، حيث لم تطبق قواعد القانون إضافة إلى اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة بخصوص فلسطين"، فضلًا عن القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي حول ما يتعلق بالقضية الفلسطينية رقم 242، 383، 425، وإضافة إلى قرارات غير ملزمة صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970 والتي تكرس حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وبحسب حبيب، فإنّ كل هذه القرارات كانت حبرًا على ورق بل لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
القرارات الدولية
يُذكر أنّ القرار رقم 242 هو قرار أصدره مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة في 22 كانون الأول/نوفمبر 1967، وجاء في أعقاب نكسة 1967 والتي أسفرت عن احتلال "إسرائيل" لمناطق عربية جديدة.
وقد جاء هذا القرار كحل وسط بين عدّة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب. وورد في المادة الأولى، "الفقرة أ": "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في "النزاع" الأخير" وفق تعبير المادة. وقد حذفت "أل" التعريف من كلمة "الأراضي" في النص الإنكليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار. وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار "على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنًا بـ"إسرائيل" دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. ويشكل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي".
أما القرار رقم 338 فهو القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في العام 1973 والذي يقضي بوقف إطلاق النار بين مصر وسورية من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242.
وعن القرار رقم 425، ففي أعقاب العملية الفدائية الفلسطينية بقيادة دلال المغربي يوم 11 آذار/مارس 1978 على حافلتين "إسرائيليتين" قرب "تل أبيب" ما أسفر عن مقتل 37 إسرائيليًا وجرح 76، دخلت القوات الإسرائيلية إلى جنوب لبنان بحجة إزالة قواعد منظمة التحرير الفلسطينية ومناطق انطلاقها جنوب نهر الليطاني. وعندما بدأت عملية الليطاني، شرعت الولايات المتحدة بالبحث عن صيغة لإرسال ما يُسمى قوة حفظ "سلام" تابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة التي استولى عليها كيان العدو، وذلك بحجة "إحداث انسحاب "إسرائيلي" وإقامة منطقة عازلة خالية من المقاومين في جنوب لبنان". ونتيجة لذلك، اجتمع مجلس الأمن الدولي وقرر تبني القرار رقم 425 الذي دعا "إسرائيل" إلى الانسحاب، وإلى إقامة قوة مؤقتة تابعة للأمم المتحدة في لبنان.
الدول الكبرى ترفض وقف إطلاق النار
حبيب يتابع "أمام المجازر الدموية بحق النساء والأطفال والإبادة الجماعية التي تقترفها "إسرائيل"، هذا الكيان المذهبي والعنصري والمغتصب لأرض فلسطين، نجد الدول الكبرى في هيئة الأمم المتحدة التي من واجبها حفظ الأمن والسلم الدوليين مصرّة على استمرار القتال وعدم وقف إطلاق النار لأنّ هذا يعني انتصارًا لحركة "حماس" بحسب قولها".
ويقول: "عندما نتكلم عن فلسطين اليوم لا يعني أننا نتكلم عن الفصائل أو عن طرف ضد آخر لا بل نحن اليوم مع القضية الفلسطينية عكس الدول التي تتغنى بالحرية والديمقراطية وتدعي زيفًا أنها مع حقوق الإنسان".
ويضيف "اليوم أمام هول المشهد في جباليا، الملطخ بدماء المدنيين العزّل من الرضّع والأطفال والنساء والشيوخ، هذا المشهد الذي يدمي القلب ويفضح زيف المواثيق والمقررات الدولية أقول لم يعد هناك وجود لما يسمى بـ"القانون الدولي والإنساني".
القوة هي الكلمة الفصل
وبحسب حبيب، "يجب ألّا ننسى أنّ "الأمم المتحدة" هي مجموعة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، بالتالي لا وجود لنا بين تلك الدول إلا بـ"القوة" لأنها الكلمة الفصل في تحقيق الأهداف الوطنية والقومية، وغير ذلك نقول الشكوى لغير الله مذلة. اليوم لكبح العدوان الصهيوني على غزة لا بدّ من صمود الشعب الفلسطيني واستمرار المقاومة لأن هذا الصراع هو وجودي ومستمر إلى ما لا نهاية إما نحن وإما هم. والحديث عن وقف إطلاق النار والهدَن وتهجير الفلسطينيين... لا ينهي الصراع لأنه ليس ديمغرافيًا فحسب بل هو صراع سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي، فـ"طوفان الأقصى" ما هي إلا معركة جزئية لصراع طويل الأمد".
المقاومة الإسلامية
وعن الأحداث الحدودية، يقول حبيب إنّ "المقاومة الإسلامية في لبنان عقلانية وما زالت تراعي قواعد الاشتباك وتدرس جيدًا موازين القوى، وضرباتها تحصل في الأراضي اللبنانية المحتلة من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقرى السبع...".
ويردف "اليوم، نحو 51 بارجة حربية متواجدة في البحر الأبيض المتوسط ومستعدة للتدخل إلى جانب "إسرائيل" ولو كلف الأمر محو غزة، فيما تشكّل ضربات المقاومة وبمؤازرة من الجيش اللبناني عامل ردع وحماية للبنان واللبنانيين ومن واجبنا كلبنانيين أن ندافع عن أنفسنا وأن نحرّر أرضنا".
ويتابع حبيب "لبنان عانى ما عاناه من "إسرائيل" منذ ارتكابها المجزرة على يد المنظمة المسماة بـ"الهاغاناه" بقيادة "مناحيم بيغن" يوم 31 تشرين الأول 1948 في بلدة حولا، وما زالت "إسرائيل" حتى اليوم وحتى بعد اندحارها عام 2000 تسعى لتقسيم لبنان إلى دويلات طائفية وما إلى ذلك".
على الجميع بحسب حبيب، ألا ينسى أنّ "إسرائيل" لم تنسحب من لبنان إلا بإرادة المقاومين وسلاحهم، فهذا كيان مارق عنصري لا ينصاع لقوانين دولية ولا لمقررات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا حتى مجلس الأمن، وصراعنا معه صراع وجود وليس صراع حدود. وكما قال الراحل طلال سلمان: "فلسطين ليست مسألة عقارية، فلسطين هي الحرية، هي الأم، هي الوطن، هي القضية، هي الأمة.. والدفاع عنها يجذّر الوحدة الوطنية بوجه "إسرائيل"".