معركة أولي البأس

خاص العهد

القانون اللبناني والتطبيع الإعلامي مع العدو
06/11/2023

القانون اللبناني والتطبيع الإعلامي مع العدو

علي ماضي

طامّة كبرى إن أصبح التطبيع مع العدو الصهيوني وجهة نظر في هذه الأيام، لا سيما إن كان من يقوم بهذا الفعل الشنيع شاهدًا يوميًّا على مجازر الاحتلال وما يقترفه في غزة من شهر إلى اليوم. كارثة أن لا تتحرّك لدى الإنسان مشاعر الشجب والغضب بالحدّ الأدنى للمشاهد الآتية من خلف القطاع المحاصر الذي يمعن فيه كيان العدو قتلًا وتدميرًا وخرابًا وتجويعًا، ضاربًا عرض الحائط بكل الشرائع والقوانين وحقوق الإنسان. والكارثة أكبر إن كان هذا الإنسان إعلاميًا، لديه رسالة بإيصال صوت المستضعفين والمظلومين ومن لا صوت له.

إلا أنّه للأسف، أعمى بصرَ البعض في بلادنا منصبٌ في مؤسسة يرتقي فيه تحقيقًا للذات، أو أغشي على بصيرته بحفنة من الأموال في مؤسسات إعلامية عربية تمارس التطبيع علنًا، إن لم نقل تفتخر به، فبات الكلام مع ممثلي العدو شرفًا يحبو البعض للحصول عليه، ويبذل في سبيل ذلك ماء وجهه ويسهب في عبارات التملّق ويقدّم كلّ معايير الاحترام لمن يشارك بذبح الأطفال والنساء يوميًا.

ومن الخطورة أن يكون الإعلامي مطبّعًا، لا سيما إن كان يحمل الجنسية اللبنانية. وبغض النظر عن القانون الذي يجرّم هذا التصرّف في لبنان، فإن هذا المطبّع فقد أدنى حسّ لديه بالإنسانية، ونسي أو تناسى كل ما اقترفته آلة الحرب الصهيونية على مدى عشرات السنين في هذا البلد. وفي هذا الإطار، شاهدنا إحدى الإعلاميات اللبنانيات تُجري مقابلة على قناة "العربية" المتصهينة مع المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية للإعلام العربي، وتستخدم خلال حديثها عبارات "التقدير" والاحترام فتصفه بـ"الأستاذ"، وقبلها بأيام، شاهدنا الإعلامية ذاتها تُجري مقابلة مع المتحدّث باسم جيش الاحتلال وتصفه أيضًا بـ"الأستاذ"، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول القوانين اللبنانية، وضرورة استجواب تلك الإعلامية لمجرد أن تطأ قدماها أرض المطار في لبنان.

رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع، وعضو حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، الدكتور عبد الملك سكريّة يشير في حديثه لموقع "العهد" الإخباري إلى أن القانون اللبناني يسري على اللبنانيين وإن كانوا خارج لبنان، وأي إعلامي لبناني يعمل خارج لبنان في وسيلة إعلامية غير لبنانية ويقوم بالتواصل مع أي صهيوني فهو يخرق قانون مقاطعة "إسرائيل"، وعلى الدولة اللبنانية وأجهزتها المعنية أن تردع هؤلاء، وتحاسب من يرتكب هذا الفعل الذي يرتقي إلى مستوى الجريمة لكي يرتدع الآخرون عن القيام بمثل هذه الأعمال.

سكريّة يقدّم نصيحة للإعلاميين اللبنانيين الذين يعملون في وسائل إعلامية عربية مطبّعة، فهم بكل بساطة قادرون أن يمتنعوا عن القيام بهذه المهمة عبر الحديث مع مدير الوسيلة الإعلامية "أنا بلدي يمنعني من الحديث مع الإسرائيلي"، وعلى مدير الوسيلة الإعلامية احترام هذا الإعلامي، فهم قادرون على أن يحموا أنفسهم، وبكل بساطة بحجة أنه "عندما أعود إلى لبنان قد أكون عرضة للتوقيف"، سائلًا "لماذا هم جبناء أو غير آبهين لكرامتهم أو لما يُلحق ضررًا بلبنان، طالما أنهم يدّعون أنهم يحبون بلدهم؟".

إغراء بعض الإعلاميين لإغراقهم

بحسب الدكتور سكريّة، فإنّ الأجهزة الأمنية في لبنان معنية بمتابعة هذا الموضوع، بالدرجة الأولى الأمن العام، كذلك مكتب مقاطعة "اسرائيل" الموجود في وزارة الاقتصاد، إضافة إلى أمن الدولة ومخابرات الجيش، ذلك لأن لها علاقة بمنع اختراق أمني صهيوني في لبنان، فهذا التواصل على الهواء مباشرة قد ينتج عنه تواصل خارج الهواء، ولا نعرف إلى أين يصل الأمر من إقامة صداقة أو رحلة ترفيهية إلى بلد أجنبي جميل، ويبدأ تقديم الإغراءات لاصطياد ضعاف النفوس، لا سيما أن الإعلاميين لهم دور مؤثر وفاعل في الرأي العام.

رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع يلفت إلى أن العدو يركّز على الإعلاميين لا سيما المعروفين منهم، لذلك فالقضاء العسكري ينبغي أن يبتّ في هذه المسائل لأن قراراته سريعة والتهمة هي التعامل مع العدو وهي تهمة لها أحكامها، لكن للأسف لم يسبق أن طُبّق هذا القانون أو حوكم أحد الإعلاميين بهذه التهمة، وهو ما شجّع على تمادي البعض في هذا العمل.

كما يشير إلى أن هذه المؤسسات العربية المطبّعة عن سابق تصوّر وتصميم تورّط بعض اللبنانيين بهذا التطبيع، في وقت أن هؤلاء يمكنهم أن يحموا أنفسهم بذريعة أن القانون في لبنان لا يسمح لهم بذلك.

"إذًا لا بد من محاسبة من يرتكب هذه الخيانة لردع الآخرين عن ارتكابها" يؤكّد سكريّة، لأن هذا يفتح الباب مع الوقت وتصبح المسألة طبيعية، والخطورة أن تصبح طبيعية، خاصة مع إصرار الوسائل الإعلامية المطبّعة على توريط اللبناني، حيث يعتبر بعضها هذا الأمر أولوية لأكثر من سبب، أولًا لأن لبنان لا زال يطبق قانون مقاطعة "إسرائيل"، ثانيًا للانتقام من المقاومة في لبنان التي تحرجهم وتعرّيهم أمام الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي على أنهم مطبّعون وتخلوا عن فلسطين، رغم كل ما يحصل هذه الأيام في غزة تحديدًا من مجازر لم يحصل مثيل لها في التاريخ الحديث.
 

القانون اللبناني والتطبيع الإعلامي مع العدو

التطبيع الرقمي لاصطياد الجواسيس

سهولة تداول المعلومات في عصرنا هذا جعلت التطبيع الرقمي أو التطبيع الإلكتروني يطفو على السطح. ويلفت الدكتور سكريّة إلى أنه دائمًا ما تكلم عنه في الندوات وعبر الشاشات وفي اللقاءات والجامعات، وأن هذا النوع من التطبيع خطير للغاية، ويضيف "نخوض حوارات أن هذه الصفحات الناطقة باسم العدو، مثل صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني أفيخاي أدرعي، يجب إهمالها بالكامل"، ويحذّر محدّثنا من أن "البعض يتفاخر أنه دخل إلى صفحته وشتمه، هو يريد أن تشتمه، المهم أن تسجّل الدخول إلى صفحته وارتفاع عدد المتابعين لهذه الصفحة، وهو يتفاخر بتحقيق المتابعات أمام العالم".

وهنا يشدد سكريّة على أن أفضل وسيلة هي الإهمال بالمطلق لهذه الصفحات، خاصة أن أجهزة مخابرات العدو هي التي تديرها وليس شخصًا واحدًا، وهم يعرفون كيفية لفت الانتباه واهتمام واستفزاز المتابع العربي على وسائل التواصل الاجتماعي حتى يدخل ويقوم بردّة فعل بتعليق أو سخرية أو شتم أو غيرها، وهم يريدون أن يرتفع عدد المتابعين لديهم، ومرة تلو مرة يعتاد هذا المتابع أن يتحدث ويردّ الآخر عليه، وبما أن المخابرات يعرفون من طريقة كتابة الشخص وردّة فعله مستوى الوعي لديه، فهم يعرفون على من يركّزون وكيف يصطادون الجواسيس، فالتطبيع الرقمي صُنع لاصطياد الجواسيس.

مسؤولية أجهزة الدولة اللبنانية

ويلفت سكريّة إلى أنه عند كل حادثة من هذا النوع، ينبغي للمجلس الوطني للإعلام ووزير الإعلام في لبنان أن يتحدّث عن الأمر ويستنكر ويدين ويحذّر، لأنه يتحدث باسم الحكومة، وهنا يكون دوره التشهير بهذا الإعلامي الذي تحدّث مع صهيوني، وفي الوقت نفسه هو يحذّر الآخرين ويردعهم، حتى لا تكون القضية أنها حدثت ولم يحرّك أحد ساكنًا في الدولة، ما سيفتح شهيّة الآخرين على التطبيع مع الصهاينة.

عضو حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان يختم بالتشديد على خطورة التطبيع، وعلينا أن نكون يقظين جدًا لما يخطّط له العدو، فالتطبيع هو استسلام بالمطلق، وهو تخلٍّ عن أي بلد عربي قبل أن يكون تخلّيًا عن فلسطين، لأن مشروع الاستعمار الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط بل المنطقة بأكملها، لذلك فإنّ التحصين عبر الوعي والثقافة والمعرفة بغاية الضرورة والأهمية لنعرف إلى ما يطمح هذا العدو وبماذا يفكّر، حتى لا نقع في الكمائن التي ينصبها للمواطنين لدينا وليكون لدينا الخطط اللازمة والقدرة على المواجهة.

الإعلام والاتصالوسائل الإعلامالجمعية الوطنية لمقاومة التطبيععبد الملك سكرية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل