معركة أولي البأس

خاص العهد

"حقوق الإنسان" والغرب.. سقط القناع
18/11/2023

"حقوق الإنسان" والغرب.. سقط القناع

فاطمة سلامة

لطالما أتحفنا الغرب بشعار "حقوق الإنسان". استُخدم هذا المصطلح في نصوص وأدبيات العالم الغربي الذي ادعّى المرجعية لهذه الحقوق. وعليه، انهالت النظريات الغربية للمفاهيم والمصطلحات المكوّنة للحقوق الأساسية للإنسان. تلك الحقوق عُرّفت بأنها الحقوق المكتسبة لكل إنسان على وجه الأرض بلا تحيُّزٍ أو تمييز. لكلِّ فردٍ في العالم الحق بأن يتمتَّع بالحقوق الخاصة به دون أي مساسٍ بها. على رأس تلك الحقوق؛ حق تقرير المصير والحق في الحياة. في دولة فلسطين، تسجّل مختلف أشكال الانتهاكات لهذين الحقَّين. الحق الأول بقي حبرًا على ورق رغم صدور قرار أممي به. أما الحق بالحياة فلا مكان له في هذا البلد وتحديدًا اليوم في غزّة التي قتلت فيها "إسرائيل" كل أشكال الحياة. قتلتها على مرأى ومسمع العالم الغربي، ليسقط القناع عن وجوه تلك الدول التي لا حرج لديها بأن تميّز بين إنسان وآخر رغم أن عدم التمييز مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان. لا حرج لديها بأن تُصنّف الحقوق لصالح فئة دون أخرى، بحسب العرق والبلد. لا حرج لديها بأن تُدافع عما تُسميه حقوق الإنسان في بلد غربي كأوكرانيا وتصمت عن أفظع الجرائم في بلد عربي كفلسطين. 

حقوق الإنسان باتت "فضيحة" 

الباحث المتخصّص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان الدكتور عمر نشابة يُشدّد على أنّ حقوق الإنسان باتت "فضيحة" في العالم الغربي. تلك الحقوق كانت موجودة في القرآن الكريم وتعاليمنا الإسلامية وليست اختراعًا غربيًا كما يدّعون، لكن الغرب خطف هذا المصطلح لاستعماله بلغته الخطابية والاستراتيجية الخاصة به. يسأل نشابة: عن أي حقوق إنسان يتحدّث العالم الغربي بعد؟. كيف ستعلّم جامعات أميركا، ألمانيا، فرنسا وغيرها من الدول حقوق الانسان والقانون الدولي؟ كيف سيقدّمون لتلامذتهم أمثلة عن خرق لحقوق الإنسان ولا يوجد أمثلة أفضل من الأمثلة الواقعية في غزّة حيث سُجلت 1200 مجزرة بحق المدنيين، وسجّل اقتحام للمستشفيات، وقصف للإسعافات، واستهداف للصحافيين؟ إدارة مستشفى الشفاء في غزة طلبت بشكل مباشر من الهيئات الدولية أن تقوم بعملية مراقبة لتدحض المزاعم بشأن وجود مركز قيادي لـ"حماس" لكنّ المستشفى قُصف، وسجّلت فيه أفظع الجرائم. 

وفق نشابة، ثمّة ثلاث "شارات" يجب أن تكون محمية من القصف؛ الصحافة، والصليب الأحمر والهلال الأحمر، والأمم المتحدة. لكن للأسف، باتت هذه "الشارات" الثلاث أهدافًا لـ"إسرائيل" التي تدّعي أن المقاتلين يختبئون خلفها. وفق قناعات نشابة، استهداف هذه "الشارات" هو علامة على غدر "إسرائيل" بالمدنيين في غزة. الشعب الفلسطيني التجأ الى مدارس "الأونروا" ليحتمي من القصف تمامًا كما احتمت العائلات في حرب لبنان بمقر الأمم المتحدة في قانا، لكنها قصفت. الشعب الفلسطيني احتمى أيضًا بالمستشفيات المحمية بموجب اتفاقية جنيف، لكنها استهدفت، تمامًا كما حدث مع الصحفيين الذين ارتدوا "شارة" الصحافة لكنها لم تحمهم، بل على العكس بات الخطر عليهم أكبر.

"إسرائيل" تمارس الغدر ــ يكرّر نشابة ــ الذي يذكّر كيف جرى استهداف الفلسطينيين رغم دعوة العدو لهم للهروب من الشمال الى الجنوب ليتم قصفهم على الطريق الساحلي، وتتناثر الجثث أشلاء. وهنا يسأل نشابة باستغراب: أي جيش في العالم يقتل مدنيين في طريقهم للهرب من القصف؟! أي جيش في العالم يضع عَلَمَه فوق مستشفى وكأنه انتصر بمعركة كبرى؟ عن أي حقوق إنسان نتكلّم، فيما عقيدة "الإسرائيلي" قائمة على الترهيب للإستيلاء على الأرض؟ وفي المقابل، أثبتت حركة "حماس" في الكثير من المحطات كم أن لديها احترامًا لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية باعتراف الأسرى الصهاينة أنفسهم. 

"إسرائيل" تشكّل قاعدة أميركية-أوروبية في المنطقة

يشدّد نشابة على أنّ المستعمرات الموجودة شمال فلسطين المحتلة مع الحدود اللبنانية تحولت الى قواعد عسكرية. وفق حساباته، فإنّ "إسرائيل" ربيبة أميركا وأوروبا تشكّل اليوم قاعدة أميركية-أوروبية في المنطقة. وعليه، فالدول الغربية مُربكة اليوم وتعيش حالة صعبة حدًا أمام شعوبها لأنها في بداية عملية "طوفان الأقصى" عبّرت عن تضامن كامل ومطلق مع العدو الصهيوني، بحجة أن من حق "إسرائيل" أن تدافع عن نفسها. هذا ما بدا جليًا حينها في مواقف رؤساء دول عدة من كندا الى فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وبريطانيا. هذه الدول - بحسب نشابة - معروف عنها تخصيص جزء كبير من ميزانيتها واهتمامها لحقوق الإنسان. تدّعي هذه الدول أنّ حقوق الإنسان تشكل جزءًا من أجندتها السياسية، لكنها وعلى النقيض تمامًا اتخذت مواقف متطرفة كثيرًا لصالح العدو الصهيوني في البداية، واليوم تبدو مربكة بهذه المواقف لأن العدو تمادى الى حد كبير جدًا وغير مقبول، إلى حد تجاوز معه كل المعايير الدولية وأصبحت هذه الدول بموقف حرج تجاه شعوبها وسياستها وتوجهاتها خاصة أنها أبدت ازدواجية في المعايير حول أمور تحدثت عنها ليل نهار في أوكرانيا، بينما تبدو صامتة أمام تجاوزات وجرائم ومجازر لم تبق ولم تذر في غزة. 

عالم أناني متوحّش 

وفي معرض حديثه، يلفت نشابة الى انتشار ثقافة إلهاء الرأي العام عن الجرائم الحاصلة في العالم المادي الأناني لتخدير الناس عن التحرك الفعلي وفعل شيء ما لنصرة الشعب المظلوم. وفي هذا السياق، يسأل نشابة: أي مكان لحقوق الإنسان وسط الأنانية المتوحشة السائدة في العالم الرأسمالي المتوحش حيث يقضي الناس بشكل طبيعي عطلة نهاية الأسبوع في أوروبا وغيرها، وحيث تقام الحفلات الموسيقية في السعودية، وحيث تبدو الأنظمة العربية في سبات عميق؟ وفق نشابة، الجريمة الكبرى والحقيقية في غزة ستبدأ الآن حيث لدينا أكثر من 17 ألف طفل فقدوا ذويهم من بينهم رضّع، وحيث يشتد الحصار؛ لا ماء، لا طعام، لا دواء، ولا حياة، يختم نشابة.
 

حقوق الانسان

إقرأ المزيد في: خاص العهد