خاص العهد
ضربة يمنية تحت الحزام في باب المندب.. اقتصاد "اسرائيل" يتأرجح
علي ماضي
منذ إعلان قيامه الباطل على أرض فلسطين، قلما شعر الكيان الصهيوني يومًا بضائقة اقتصادية أو أزمة مالية، فملعقة الذهب التي يُطعمه بها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لم تنضب يومًا من تقديم المساعدات العسكرية والمالية بمليارات الدولارات. كما أنّ البقرات الحلوب في أنظمة بعض بلدان المنطقة لم تتوقف عن سدّ شراهة هذا العدو وتعطشه الدائم لدماء الفلسطينيين، ليحافظ الكيان على مستوى من الاستقرار المالي والاقتصادي.
إلا أن هذا الاستقرار الذي عاشه العدو عبر عقود خلت، اهتزّ منذ بداية معركة "طوفان الأقصى". تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 شكّل بداية تأرجح في ثبات اقتصاد هذا الكيان المؤقّت، فمصانعه في غلاف غزة والتي تشكّل دعامة كبيرة لاقتصاده لناحية الإنتاج والتصدير أقفل عدد كبير منها، ودفع انعدام الأمن في الأراضي المحتلة إلى توقف كبير في حركة التجارة الخارجية تجاه كيان الاحتلال، كما أن النزوح والهجرة ضربا بشكل وازن قدرة اليد العاملة على الإنتاج.
وما زاد الطين بلّة بالنسبة للعدو، كان دخول عامل خارجي رئيسي على المعادلة الاقتصادية، وجّه له ضربة قويّة تحت الحزام. هذا العامل كان دخول اليمن بقواتها المسلحة على خط إضعاف الاقتصاد الاسرائيلي من باب البحر. احتجاز سفينتين اسرائيليتين منذ أيام إضافة إلى ضرب سفينتين أخريين أمس الأحد شكّل صاعقة للاحتلال جعلته مذهولًا يحسب ألف حساب في إكمال مسار عبور تجارته من البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب. كما أن الإدارة الأميركية لم تستطع أن تأخذ موقفًا واضحًا للمواجهة تجاه هذه الخطوة اليمنية الجريئة وبقيت متخبطة مكتفية بعبارة "نحتفظ بحق الردّ".
وفي تقييم الموضوع من ناحية الجغرافيا الاقتصادية، يشير الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين، في حديث لموقع "العهد" الإخباري، إلى ما يمثله مضيق باب المندب على مستوى التجارة العالمية، فهو من أهم 4 ممرات عالمية أساسية، وتمرّ عبره ثلث التجارة العالمية، بما يعادل 3 مليارات دولار يوميًا و700 مليار دولار سنويًا، إضافة إلى عبور 5 ملايين برميل نفط يوميًا، كما تمرّ فيه يوميًا 76 ناقلة بحرية كبيرة و26 ألف سفينة سنويًا.
وفي ما يتعلق بكيان العدو، بحسب ناصر الدين، فالمفاجأة الأكبر والأهم أنه من خلال باب المندب يتم نقل 70% من الأمن الغذائي الصهيوني، وهو ما يشكل عنصرًا رئيسيًا بموضوع الأمن الغذائي للكيان الصهيوني، وله تأثير مباشر على الاقتصاد الداخلي للاحتلال.
انطلاقًا من هذه الأهمية، وبما أن جزءًا كبيرًا من المصانع لدى العدو متوقف حاليًا، فإن التعرض الجزئي لهذا المضيق سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النقل والتأمين بشكل كبير جدًا، ما سينعكس بالتالي زيادة في أسعار السلع التي تُنقل إلى داخل الأراضي المحتلة، وهو ما سينعكس على الدخل الفردي للمستوطن الإسرائيلي من جهة، وبالتالي الانكماش الاقتصادي، خاصة أن 30% من الأمن الغذائي الاجتماعي يتم تأمينه من منطقة غلاف غزة، وهذه المصانع 80% منها مقفل بشكل تام، وهذا يؤثر مباشرة وتلقائيًا على العدو في ما يتعلق بالنقل عبر مضيق باب المندب.
تأثيرات غير مباشرة
ناصر الدين يلفت إلى أن من تأثيرات إقفال مضيق باب المندب بوجه سفن العدو أو المتوجهة إلى كيانه موضوع نقل النفط إلى أوروبا وما يدخل من الخارج إلى الكيان، لا سيما أن أوروبا على أبواب فصل الشتاء وهناك حاجة أكبر للمحروقات، كما أن الداخل المحتل يحتاج لمصادر الطاقة في هذا الفصل من العام لثلاثة أشهر مقبلة، وهذا أمر يلعب دورا مهمًا، ومن مخاطر أي إقفال لباب المندب أن يرتفع سعر برميل النفط بشكل كبير جدًا، وهو سينعكس على أوروبا بشكل أساسي والولايات المتحدة الأميركية وكذلك على الكيان الغاصب، خاصة أن كلفة الحرب يوميًا في غزة بحسب تقديرات وكالة "بلومبيرغ" هي 273 مليون دولار، وهذه الكلفة ستنعكس على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أكبر، وهنا سيكون عامل الضغط الخارجي أكبر.
ويطرح ناصر الدين سؤالًا إضافيًا: هل أن العالم يتحمّل إغلاق باب المندب، لا سيما أن توقعات شركات التصنيف العالمي ووكالة "بلومبيرغ" والشركات المالية الكبرى في العالم، تعتبر أن إغلاق باب المندب لن يقتصر على ارتفاع بمعدل 50 دولارًا للبرميل الواحد للنفط، بل يجري الحديث عن ارتفاع بأرقام قياسية قد يتخطى 500 دولار للبرميل؟
ويضيف ناصر الدين "كلنا نعرف أن النفط مادة مشتعلة والارتفاع بأسعارها سيؤدي تلقائيًا إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي، والتقديرات العالمية تشير إلى أنه في حال شملت الحرب اليمن وإغلاق باب المندب فقط، فإن التباطؤ في الاقتصاد العالمي سيكون ما دون 1.5%، وهذا التباطؤ يعتبر كبيرًا جدًا".
ويلفت ناصر الدين إلى أن صادرات الكيان اليوم متوقفة بشكل كبير جدًا، لأن مصانعه متوقفة، وصادراته منخفضة اليوم بنسبة 80%، أما صادراته التي يستطيع الاستفادة منها فهي أيضًا ستتأثر وستؤثر عليه بالتالي سلبًا، مشيرًا إلى أن أهم صادراته هي عبر شركات التكنولوجيا، في ظل توقف صادراته الصناعية بجزء كبير بما أن الجغرافيا تقع في منطقة غلاف غزة وهي غير آمنة حاليًا، لذا فإن الكيان متضرر داخليًا من توقف صادراته، ليأتي قصف السفن في باب المندب ويقضي على ما تبقى (30% إلى 40%) من الصادرات التي يخرجها الكيان من الأراضي المحتلة.
البديل عن باب المندب أكثر كلفة وأقلّ أمنًا
البديل عن خط سير السفن من باب المندب وصولًا إلى أوروبا سيكون بالالتفاف إلى جنوب القارة الإفريقية ومن ثم العبور من المحيط الأطلسي والدخول إلى مضيق جبل طارق، وهذا الخط سيكون طويلًا جدًا وكلفة النقل عبره أكثر بثلاثة إلى أربعة أضعاف الكلفة الطبيعية، بحسب ناصر الدين، مضيفًا "قد يضطرون إليه وتتم تغطيته، لكن هذه الدورة حول إفريقيا مكلفة وغير مضمونة الأمان أيضًا، كذلك كلفة التأمين وكلفة اليد العاملة ستكون مكلفة أكثر، وبالتالي فكل منتج معدّ للتصدير "يُخسِّر"، كما أن كلفته داخل الكيان ستكون مرتفعة وتزيد الأعباء، خاصة أنه من المتوقع في الفصل الأول من العام 2024 أن يكون الانكماش بنسبة 11% من الناتج المحلي حسب تقديرات الشركات الأجنبية وعلى رأسها "بلومبيرغ"".
هذا الانكماش بحسب ناصر الدين، إضافة إلى الأكلاف الكبيرة، سيؤدي إلى صرخة كبيرة جدًا، وقد يؤدي هذا الوضع لفقدان الثقة في العملة الاسرائيلية في الداخل، وقد يضطرون لطباعة المزيد منها، ما يؤدي إلى مرحلة من التضخم، خاصة في ظل تقرير من وزارة العمل الصهيونية أن هناك ارتفاعًا بنسبة البطالة من 3.5% إلى 9.5% وهناك ما يقارب 720 ألف شخص لا ينتجون في المجتمع الاسرائيلي، كذلك 90 ألف شخص يعملون في شركات التكنولوجيا تم استدعاؤهم إلى الجيش، وهذا القطاع يعاني من خسائر كبيرة جدًا.
ويشير ناصر الدين إلى أنّ إغلاق مضيق باب المندب اليوم سيكون له في كيان العدو تأثير على الأمن الغذائي الاجتماعي، وعلى ما تبقى من القوى العاملة، وعلى مدخول الفرد، وعلى ارتفاع الأسعار بشكل هائل لكل ما يتعلق بالمواد الغذائية ومصادر الطاقة والنقل، وهذا ما يؤثر على كلفة إضافية في النقل، ما سيضطرهم لاستخدام أموال أكثر من الاحتياطي النقدي لتغطية هذه الخسائر، وبالتالي سينخفض هذا الاحتياطي، ما سيؤدي إلى زيادة التصنيفات السلبية الموجودة عند الشركات العالمية، هذا إن لم نأخذ بعين الاعتبار أنهم قد يتعرضون لنكسة داخلية كبيرة، قد تلعب دورًا مهمًا في زيادة الهجرة المعاكسة.