خاص العهد
الرقّة السورية: القتال يتجدّد بين الجماعات الإرهابية
دمشق - علي حسن
تجدّد القتال، وبشكل عنيف، بين الفصائل الإرهابية في مدينة تل أبيض شمال محافظة الرقة، بين تيارين داخل ما يسمى الفيلق الثالث. وذكرت مصادر أهلية أن الطرفين استخدما الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في تلك المواجهات، ما تسبّب في وقوع العديد من القتلى والجرحى فيما بينهم، فضلًا عن سقوط عدد من الضحايا والإصابات في صفوف المدنيين. وأمام حدّة الإشتباكات سارعت قوات الاحتلال التركي إلى التدخل ونشر قواتها بين الطرفين. وكانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت بين الطرفين في نهاية شهر تموز الماضي، وبالرغم من اختلاف العناوين والتبريرات التي ساقها كل طرف إلا أن الصراع على ابتزاز الناس وفرض الخوات عليهم كان السبب الجوهري والحقيقي لتلك المعارك.
أهمية "تل أبيض" ومعبرها الحيوي
في تعليقه على تلك الاشتباكات، قال المحلل السياسي ابراهيم العلي لموقع "العهد" الإخباري إنه الرغم من تعدد المعابر الحدودية التي تربط سورية بتركيا، والتي يصل عددها إلى 11، إلا إن معبر تل أبيض يحظى بأهمية خاصة، حيث يشكّل المعبر الوحيد الذي يربط محافظة الرقة الغنية بالنفط والمنتجات الزراعية بتركيا عبر محافظة أورفا ومدينة اقجة بالذات، وهو البوابة الرئيسة للتجارة مع مناطق شرق الفرات ككل، والتي تعدّ خزان الثروة الحقيقية للاقتصاد السوري.
أمام هذه المغريات وكثرة التنظيمات المسلحة وانعدام الأخلاق عند هذه الجماعات، كان من الطبيعي أن تشتعل المعارك بين هذه الفصائل الإرهابية، بشكل دائم، بل وأن يصل الاقتتال والتناحر إلى أفراد التنظيم الواحد نفسه، كما حصل في هذه الاشتباكات، والتي حصلت ضمن ما يسمى الفيلق الثالث بين تيارين. الأول مقرب من قائد الفيلق حسام ياسين، والآخر من قائد فيلق الجبهة الشامية عزام غريب، حيث يتهم أفراد ضمن فصيل الجبهة الشامية قائد الفيلق الثالث حسام ياسين بمنح امتيازات اقتصادية لفيلق المجد على حساب الجبهة الشامية.
وتوقّع العلي أن تستمر هذه الاشتباكات، وأن يبقى المواطن السوري ضحية الفوضى والفلتان الأمني الذي تسببت به تلك الفصائل الإرهابية والداعمون لها، إلى أن تعاود الدولة السورية بسط سيطرتها على تلك المناطق.
تل أبيض مدينة انفتاح وتنوع قتله الفكر التكفيري الهدام
من ناحيته، قال المحلل السياسي محمد علي لموقع "العهد" الإخباري إن مدينة تل أبيض كانت أنموذجًا جليًا للتنوع والتسامح بين مكونات الشعب السوري. قسمها قطار الشرق السريع أوائل القرن الماضي إلى قسمين: شمالي في تركيا وجنوبي في سورية، معظم سكانها من العرب، يشكّل المسيحيون جزءًا كبيرًا منهم، وبعد الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأتراك في حق الأرمن سنة 1915 استقبلت المدينة عددًا من الناجين ثم عادت لتستقبل أعدادًا كبيرة من الأكراد الفارين أيضًا من بطش الأتراك. ويقال أيضًا إن هناك عربًا جاؤوا مع إبراهيم باشا من مصر في أثناء محاربة الأتراك ويدعون الهناده، كما أن في المدينة تركمان يشكّلون نسبة لا بأس بها.
وأضاف العلي أنه مع كل هذا التنوع لم تشهد المدينة أي تناحر ديني أو عرقي طوال المرحلة التي سبقت المأساة السورية. وهذا لم يكن مستغربًا في المجتمع السوري المتسامح والمنفتح على الجميع، فكيف بأبناء جلدتهم في الوطن الواحد؟. ولكن مع الفتنة التي وقعت في البلاد واذكاء الفكر الظلامي الذي كان الرافعة الحقيقية للجماعات التكفيرية المعارضة ومن كان يدعمهم، تعرض هذا التنوع للدمار الكامل على يد الفصائل الإرهابية. فبعد سيطرتهم على المدينة، في العام 2013، هاجر معظم سكانها وتعرضت ممتلكاتهم للنهب والسرقة، وجرى إحداث تغيير ديمغرافي حقيقي داخل المدينة وإحضار عائلات المقاتلين الأجانب عوضًا عنهم.
وعبّر المحلل السياسي عن تفاؤله بعودة المدينة إلى عهدها السابق، مشيرًا إلى أن: "هذه الجماعات التي تحكم المدينة وغيرها من مدن الشمال السوري تعيش أيامها الأخيرة، بعد أن اتضحت صورتهم الحقيقية أمام الناس وباتوا عبئًا على مموليهم الذين فقدوا الجدوى في الاستمرار في دعمهم، وينتظرون التضحية بمن تبقى منهم في أول بازار سياسي للتسوية القادمة".