معركة أولي البأس

خاص العهد

"المعاش التقاعدي" وآلية تطبيقه
23/12/2023

"المعاش التقاعدي" وآلية تطبيقه

فاطمة سلامة

أن يبلُغ المواطن سنّ التقاعد في لبنان يعني أن أيامًا عجافًا تنتظره إن لم يكن قد ادّخر قرشه الأبيض ليومه الأسود. في هذا البلد حيث تغيب الحماية الاجتماعية والمظلة الصحية، يجد المواطن نفسه مضطرًا لإلغاء فكرة التقاعد من قاموسه، بمعنى أنّ تقاعده عن الوظيفة لا يعني تقاعده عن العمل، بل يعني بداية عمل جديد يؤمّن عبره "قوت يومه" بعد أن باتت تعويضات نهاية الخدمة ــ وفي ظل انهيار العملة الوطنية ــ لا تُذكر. 

قبل نحو 20 عامًا، ثمّة من طرح فكرة إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية "المعاش التقاعدي" للنقاش، مستندًا الى تجارب غالبية الدول في العالم. تلك الفكرة كفيلة بإعانة أي موظّف على "كِبَرِه" لضمان حصوله على راتب مدى الحياة وفي نهاية كل شهر. إلا أنّ تلك الفكرة التي تأخّر لبنان كثيرًا في تحويلها الى واقع، لم تُبصر النور كأي ملف في البلد يخضع للقيل والقال ونقاشات لا تُغني ولا تُسمن.  

وعلى قاعدة "أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا"، أقرّ مجلس النواب مؤخرًا مشروع "المعاش التقاعدي"، وفق تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي. وهو إقرار يُعتبر بمثابة نقطة تحول نحو الأفضل في حياة الطبقة العاملة بلبنان، وفق ما يقول رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشار الأسمر لموقع "العهد" الإخباري. وفق الأسمر، نبدو بأمس الحاجة لهذا المشروع خاصة أنّ قيمة التعويضات انهارت اليوم بشكل كبير جدًا، ولم يعد لدى العامل قدرة للاستفادة من تعويضات نهاية الخدمة التي لا زالت وفق سعر صرف 1500 ليرة. 

يروي الأسمر قصّة "المعاش التقاعدي" فيوضح أنّ البداية كانت عام 2003. حينها، طالبنا كاتحاد عمالي عام بضرورة إنجاز هذا التحول في حياة العامل خصوصًا أنّ لبنان كان من أواخر الدول التي لا تزال تعتمد على التعويضات، عكس غالبية الدول التي باتت تعتمد على نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. وفق الأسمر، أخذ الطرح جدلًا طويلًا ونقاشًا ما بين مطالب العمال ومطالب أصحاب العمل وتحفظات وحديث عن مدى قدرة الدولة على إنجازه، اذ كانت ذرائع العجز تُساق دائمًا حتى في إحدى المراحل التي كان فيها النمو في عزّه، حيث وصل الى ما فوق الـ10 بالمئة، لكن لم نصل الى نتيجة. 

يُشدّد الأسمر على أنّ الإنجاز الذي حصل كان لا بد منه لإنصاف الطبقة العاملة، خاصة أنّ قيمة التعويضات انهارت بشكل كبير، وكل المساعدات الاجتماعية والحوافز التي تُقَر في القطاع العام، أو تلك التي تشمل من يتبع قانون العمل غير مُدرجة في صلب الراتب. لذلك، يرى الأسمر أنّ "المعاش التقاعدي" مهم كثيرًا خاصة أنّه سيشمل في مرحلة من المراحل أكثر من نصف مليون عامل نظرًا لأبواب الانتساب المفتوحة، والتي تغطّي عمالًا لبنانيين يعملون بالخارج، وفئات خاصة غير مذكورة تشمل الفئات المنتسبة للضمان، بمن فيهم السائقون العموميون. 

العبرة في التنفيذ 

يُعيد الأسمر ويُكرّر؛ إقرار هذا المشروع يشكّل نقطة تحول، لكنّه يتحدّث بشفافية مُطلقة، فالعبرة تبقى في التنفيذ. "نحن لا نشكو من قوانين بل من تنفيذ القوانين. لذلك هناك مهل لتحديد مجلس الإدارة والهيئات الأكثر تمثيلًا، ونتمنى على الحكومة التقيد بالمهل"، يقول الأسمر، الذي يعد بمتابعة وملاحقة المعنيين لوضع المراسيم التطبيقية موضع التنفيذ. 

آلية التطبيق 

وعن آلية التطبيق، يُقدّم الأسمر مثالًا بسيطًا لافتًا في البداية الى أنّ الاختيار قائم على ركنين أساسيين؛ إما 55 بالمئة من الحد الأدنى للراتب، أو 1.33 بالمئة من الراتب "ضرب" عدد سنوات الخدمة. وهنا، يشير الأسمر الى أنّه في السابق كان الاقتراح بأن تُضرب الـ 1.33 بـ30 سنة فقط، ولكن قدّمنا كاتحاد عمالي عام اعتراضًا ورفعنا الأمر الى رئيس مجلس النواب نبيه بري والى المعنيين بالهيئة العامة وشدّدنا على ضرورة رفع السن أو فتحه نهائيًا، وهذا ما حصل.  

ويُقدّم الأسمر نموذجًا لشرح كيفية الاستفادة من "المعاش التقاعدي". لنفترض أنّ عاملًا يتقاضى 9 ملايين ليرة كحد أدنى للأجور، ويمتلك 20 عامًا كسنوات خدمة. القاعدة الحسابية تنص على الآتي: 9 ملايين × 20 = 180 مليون ليرة. وإذا وصل الموظّف ضمن العشرين عامًا الى الحد الأقصى أي 55 بالمئة تكون المعادلة:  1.75  × 55 بالمئة على أن لا يزيد الراتب عن 80 بالمئة من الحد الأدنى للأجر، وهذا يعني أنّ الموظّف وفقًا للمثال المذكور سيتقاضى 7 ملايين ليرة شهريًا، ما يعني أن تعويضه الإجمالي سابقًا كان سيأخده على مدى عامين وشهرين فقط، أما وفق المشروع المُقر فسيأخذه مدى الحياة، يختم الأسمر.

المعاش التقاعدي

إقرأ المزيد في: خاص العهد