معركة أولي البأس

خاص العهد

2024.. عام التحدّي الاقتصادي
04/01/2024

2024.. عام التحدّي الاقتصادي

فاطمة سلامة

مع بداية عام جديد، من المفترض أن تكون قائمة ما يجب إنجازه اقتصاديًا عام 2024 جاهزة وواضحة أمام القيّمين على السياسة الاقتصادية في لبنان. المنطق يفترض ذلك. إلا أنّ ما يسري كقاعدة في مختلف دول العالم يبدو في لبنان استثناء. يتعامل المعنيون مع الملف الاقتصادي وفق سياسة "القطعة"، فيما يمر كل يوم أسوأ من قبله ماليًا ونقديًا. الجميع يتفق أنّ أحوج ما يبدو إليه لبنان هو العمل بخطة شاملة تعمل على تكبير الاقتصاد اللبناني وانتشاله من الحضيض. إلا أنّ أهل العلم والاختصاص يجزمون أن كل ما جرى العمل عليه حتى اللحظة لا يخرج عن كونه مسكّنات تُخمد نيران الأزمة قليلًا، لتبقى النار تحت الرماد، وتستمر الأوضاع بالانحدار. 

بموازاة هذه العقلية، "تتكدّس" الملفات الاقتصادية التي من المفترض أن يجد لبنان حلولًا لها في العام الجديد الذي يصفه الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش بعام "التحدّي". وفق المتحدّث، لم يُعالج لبنان في السنوات الأربع الماضية أي ملف اقتصادي. يصف عكوش عام 2023 وما قبله بأعوام الانحدار نحو الأسوأ، لم يُنجز شيء أبدًا. ورغم أنه كان هناك بعض المحاولات، لكنها للأسف باءت بالفشل، وتبدو حكومة حسان دياب شاهدةً في هذا الإطار. كل القوانين والملفات رُحّلت الى العام الحالي بدءًا من قانون "الكابيتال كونترول" وخطة التعافي الى الموازنات. الترحيل يرتبط ــ بنظر عكوش ــ باستمرار العرقلة التي يُمارسها البعض من الطبقة السياسية، ما يؤثّر على الاقتصاد اللبناني ككل ويزيد في انحداره. 

بالنسبة لعكوش، ثمّة قطاعات أساسية لا بُد من العمل على إصلاحها لأن تسويتها تنعكس على قطاعات أخرى. على سبيل المثال، القطاع المصرفي الذي يُعد ركنًا أساسيًا لإنعاش بعض القطاعات الأساسية، كالقطاع السياحي. اليوم لا أحد من السائحين يحمل أموالًا "كاش" في جيبه، كما أنّ ثمّة مشكلة في عملية التحويل بين السُياح والاستثمار السياحي. برأيه، تضع الطبقة السياسية عراقيل في هذا المجال، فتحويلات المغتربين تتراوح بين 6 الى 7 مليار دولار سنويًا، إلا أنّ هؤلاء يدفعون عمولات كبيرة جدًا على هذه التحويلات، ما يؤثر على المبالغ المرسلة ويدفع البعض الى التريث لتوفير الأموال. 

يشدّد عكوش على أنّ الاستمرار بتعطيل القوانين والركائز الأساسية يوصلنا الى عام مليء بالمزيد من الانحدار إذا لم تتدارك السلطة التنفيذية الوضع وتُسارع للعمل على القوانين الضرورية، وإذا لم يعمل المجلس النيابي على دراسة القوانين المُرسلة بالسرعة اللازمة وإقرارها والمصادقة عليها. وهنا يُشير عكوش الى أنّ ثمّة مسؤولية تقع على الوزراء أيضًا، ففي بعض الأحيان يُصادق المجلس النيابي على قانون ويحتاج الى مراسيم تطبيقية. لكنّ الوزير يضعه في الأدراج ليُنسى كأنه لم يكن، فالقانون إذا لم تُصدر بجانبه المراسيم التطبيقية لا يُنفّذ. 

وفي غمرة الحديث عن الملفات الاقتصادية، يتطرّق عكوش الى مسلّمة أساسية لا يمكن إغفالها، فكلمة السر برأيه تتعلّق بالسياسة. ثمة ارتباط وثيق بين السياسة والاقتصاد في لبنان وهذا الأمر لا يمكن القفز عنه. الواقع يحتاج وقبل كل شيء إلى إصلاحات سياسية بالدرجة الأولى. إذا لم تُجرَ هذه الإصلاحات السياسية لن يتطوّر الاقتصاد ولن نذهب نحو الأفضل. برأي عكوش، لا يوجد مستثمر يضع أمواله في أي بلد إذا لم يكن لدينا قضاء سليم يضمن له حقه، ولا يوجد مستثمر يضع أمواله في بلد لا يُعطي المودعين حقوقهم. هذا الواقع يحتاج من وجهة نظر عكوش الى محاكمة السلطة السياسة والمصرفية لتحصيل الودائع، خصوصًا أنّ الاستنسابية تغلّف المعاملات المصرفية ولا أحد يُحاسب. 

وبموازاة السوداوية التي تغلّف الساحة الاقتصادية، لا يُخفي عكوش أنّ الاقتصاد اللبناني حقّق شبه معجزة لغاية اليوم. أي اقتصاد في العالم يمر بما مرّ به الاقتصاد اللبناني كان سيلقى ربما مصير الصومال وأفغانستان. لكن وجود العقل اللبناني والشخصية المميّزة التي دائمًا تواجه وتفكّر وتخاطر، صنعت معجزة عام 2023. معجزة أسفرت عن تطور حجم السياحة في لبنان، وازدياد تحويلات المغتربين التي تجاوزت الستة مليارات دولار. لكن عكوش يعود ويكرّر أن اللبناني يحتاج الى إصلاح اقتصادي على مستوى أشمل، وهذا ليس من مسؤولية الفرد بل الدولة.  

المقترحات

يؤمن عكوش أن لا شيء يُنقذ لبنان سوى العمل على رؤية شاملة تعمل على تكبير الاقتصاد. بالدرجة الأولى لا بد من تصحيح الأخطاء التي نعيش في خضمها. "التقليعة" برأيه يجب أن تكون من القطاع المصرفي بغض النظر عن الشوائب والفساد والتجاوزات والممارسات غير القانونية التي غلّفت عمل هذا القطاع. لا يمكن الاستمرار بدون قطاع مصرفي. الأخير يقدم قروضًا وتسهيلات لأي صناعي أو تاجر أو مستثمر ما يُسهم في تحريك العجلة الاستثمارية، إضافة الى أنّ المصارف تبدو مهمة في عملية تحويلات المغتربين والخدمات السياحية والاستشفاء. وعليه، لا بد من إقرار قانون "الكابيتال كونترول" وتطبيق القوانين بما يتعلق بدمج بعض المصارف وتصفية بعضها الآخر، إذ ثمة قوانين كثيرة تنفع في هذا الإطار.

ويُوصي عكوش ختامًا بضرورة إقرار موازنات الدولة في موعدها. بدون هذه الموازنات لا يمكن العمل. وعليه، لا يجوز التأخر عن الموعد المرسوم، كما لا بد أن تعبّر الموازنة عن رؤية لا أن تكون مجرد أرقام بدون دراسة دقيقة للواقع تؤدي الى تنمية الاقتصاد. وهنا يشدّد عكوش على أننا إذا أردنا تحقيق إيرادات يجب أن نعمل على تنمية الاقتصاد وتحقيق النمو لا فرض الضرائب على المواطنين. لا بد من تكبير الاقتصاد ومعالجة ثغراته، كما لا بد من تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش لضبط التهرب الضريبي والتزوير، إذ بإمكان الدولة تحصيل المزيد من الإيرادات بعيدًا عن سياسة فرض الضرائب والرسوم التي تعمل على خفض الاستثمارات.

إقرأ المزيد في: خاص العهد