خاص العهد
جريمة حانين والقانون الدولي
حسن شريم
لطالما شكّل الجسم الطبي بنك أهداف للكيان الصهيوني. الكيان الذي اعتاد على تقديم أبشع الصور الهمجية والإجرام عبر التاريخ وآخرها في عدوانه الوحشي على قطاع غزة، لم يكن مستبعدًا عنه أي صورة من صور القتل والتنكيل والتدمير التي أسّس كيانه عليها. وعليه، لم يكن المشهد في جنوب لبنان بعيدًا عن غزة التي شكّلت فيها المستشفيات بمن فيها وسيارات الإسعاف هدفًا أول على لائحة الكيان. وهي مشاهد تكرّرت من حولا إلى صبرا وشاتيلا وقانا والمنصوري والنبطية وغيرها، وذهب ضحيتها المئات، وعكست حقيقة هذا الكيان الغادر والغاصب. الكيان الذي يضرب عرض الحائط بكل المواثيق والقوانين الدولية التي تتحدّث عن حماية المواقع المدنية خلال الحروب والأزمات، ومن ضمنها المستشفيات والجسم الطبي.
وبموازاة الهمجية الصهيونية، كان مركز الدفاع المدني في بلدة حانين الجنوبية (قرب مدينة بنت جبيل) التابع للهيئة الصحية الإسلامية، ضحية الغدر والإرهاب الصهيونييْن، ما أدّى الى ارتقاء الشهيديْن على طريق القدس، المسعف علي محمود الشيخ علي "رواد" من بلدة رشاف، والمسعف ساجد رمزي قاسم "عبد الله" من بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان، وجرح مسعف آخر. فماذا يقول القانون الدولي حول استهداف المراكز والفرق الطبية؟!.
قبل استطلاع رأي القانون، لا بد من الإشارة أولًا الى أنّ مقاربة القضية من الناحية القانونية ليست لوضع "إسرائيل" أمام مسؤولياتها. الكيان الغاصب لا يعترف لا بمواثيق ولا قوانين، لكن المقاربة تندرج في سياق توثيق تلك الانتهاكات، وحجّة على من يدعم "إسرائيل" بشكل مطلق من جهة، ويتغنى بالقانون والبروتوكولات والمواثيق من جهة ثانية.
بداية لا بدّ من الإضاءة حول حقيقة الاستهداف، إذ يوضح مدير الدفاع المدني في منطقة جبل عامل الأولى عبد الله نور الدين في حديث لموقع العهد الإخباري أنّ "ما حصل هو اعتداء صارخ على مركز يقوم على خدمة المواطنين اللبنانيين وإغاثتهم وإسعاف الجرحى والمصابين جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على بلدنا وشعبنا، واستمرار للسياسة الصهيونية العدوانية التي ترتكز على القتل والإرهاب"، ويضيف أنّ "مركز الدفاع المدني في حانين، هو كغيره من المراكز في العديد من المناطق الجنوبية التي تُقدّم خدمات إسعافية وإنقاذ وإطفاء"، ويتناوب على الحضور فيه فريق عمل مؤلف من عدّة شباب ومتطوعين، ورغم وضوح شكل المركز ووضوح الشارة على سيارة الإسعاف المتوقفة أمامه، تعمّد العدو الصهيوني قصفه فارتقى الشهيدان وجُرح المسعف الآخر".
ويشدّد نور الدين على أنّ "الاستهداف فاجأنا إلا أنّه ليس غريبًا عن العدو الصهيوني ارتكاب مثل تلك الجرائم"، مؤكدًا "أنّ كل الجرائم والتهويل الذي يرتكبه العدو الصهيوني لن يثنينا عن القيام بواجبنا الإنساني والأخلاقي اتجاه كل إنسان في حالة الحرب كما في حالة السلم"، وقال: "نحن في لبنان لنا أسوة بما قدّمه ويقدّمه الجسم الطبي في فلسطين فنستشهد في خدمة الناس ونقدّم أرواحنا على مذبح الفداء والحرية والإنسانية".
الدكتور جوني: استهداف المنشآت الصحية هو جريمة حرب
وبالوقوف عند الرأي القانوني حول الاستهداف الحاصل، يقول الأستاذ في القانون الدولي والخبير السابق لدى المنظمات الدولية الدكتور حسن جوني إنّ "القانون الدولي ينصّ على مبدأ حماية العاملين في الجسم الطبي، حيث تنص اتفاقية جنيف بشكل صريح على أنه يجب احترام وحماية العاملين في المجال الطبي العسكري والمدني في جميع الظروف. وبالتالي، فإن أي هجمات متعمّدة ضدّ العاملين في مجال الرعاية أو استهداف المنشآت الصحية هو جريمة حرب عملًا بالمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمادة 85 من البرتوكول الأول عام 1977، الفقرة 5".
لكنه أشار في حديثٍ لـ"العهد" إلى أنَّه غالبًا ما تتعرض مُنشآت الرعاية الصحية الحكومية وغير الحكومية إلى الهجمات المسلحة في العالم العربي، وهذا كان بمثابة الدافع الكامن وراء إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2286 في أيار/مايو 2016، الذي نصّ على حماية المدنيين أثناء الصراعات المسلحة، والرعاية الصحية في الصراعات، وأدان بشدّة أعمال العنف والهجمات والتهديدات الموجهة ضد الجرحى والمرضى والعاملين في المجال الطبي والعاملين في مجال تقديم المساعدة الإنسانية.
ويبيّن أنَّ استهداف العدو الصهيوني للمدنيين يشكّل حتمًا انتهاكاً للقانون الدولي، لا سيما الجسم الطبي وكل ما يحمل "الشارات" الطبيّة كالصليب الأحمر والهلال الأحمر والدفاع المدني. ويُتابع الدكتور جوني أنّ "هذه الفئة تقوم بأعظم الأعمال الإنسانية خلال المعارك وهي من أهم المهن وفق القانون الدولي الإنساني الذي خصّص لهم حماية استثنائية خاصّة نصّ عليها البروتوكول الأول من اتّفاقية جنيف عام 1977 في المواد 15 و76 و77 و79 منه التي وفّرت حماية خاصة للنساء والأطفال وأفراد الخدمات الطبية المدنيين مع "توفير تدابير الحماية للصحفيين"، إضافة إلى البروتوكولات اللاحقة التي نصت أيضًا على هذه الحماية وكرّستها".
ويضيف الدكتور جوني "لأنّ "إسرائيل" غير منضمة إلى البروتوكول الأول وتتذرع بذلك لعدم تطبيقه، فقد وضعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قواعد عرفية لإلزام الدول ومنها "إسرائيل" بتطبيقها لحماية الجسم الطبي من أي استهداف، منها القواعد 25، 27، 31، 47.. وقد شاركت كخبير غير حكومي في وضع تلك القواعد لا سيما الحماية للشارة الطبية. من هنا يحذّر القانون الدولي من أي عملية استهداف للمجال الطبي". والمقصود بالاستهداف بحسب الدكتور جوني ليس فقط للمنشآت الطبية كالمستشفيات أو الآليات إنّما أيضًا الاستهداف لأعمال الإغاثة وإرسال الأدوية للمحاصرين والمستشفيات الميدانية وغيرها.. وهو ما يتم خرقه اليوم من قبل العدو الصهيوني.
ويختم الدكتور جوني بالقول إنّ تعمّد استهداف مركز حانين ليس الأول ولن يكون الأخير، وإنّ العدو الصهيوني هو عدو للبشرية ويرتكب الجريمة لننسى الجرائم السابقة، إلا أنّه اليوم يريد أن يوصل رسالة مفادها أنه غير معني بكل الأخلاق والقوانين والاتفاقيات الدولية والأعراف والتقاليد.. إنّه يريد القول إنه "عندما يرتكب المجازر يجب على المسعفين ألا يقتربوا لإسعاف المصابين وإلا سيُقتل الجميع".