خاص العهد
القطيف: المظلومية مستمرّة
لطيفة الحسيني
نحو مزيد من التصعيد والتوتّر تتجه الأمور في المنطقة الشرقية في السعودية وتحديدًا في القطيف. الأوضاع ليست على حالها بل أسوأ، هذا ما يعكسه كلام السكان هناك. الأهالي باتوا رهن تقلّبات السلطة التي تارةً تُطمئنهم عبر أحد أعضاء مجلس الشورى الى أن عفوًا ملكيًا سيصدر عن معتقلين من المنطقة، وتارةً تناقض رسائلها لتغدر بهم وتغتالهم. الحجّة الدائمة لديها هي البحث عن مطلوبين.
ما حصل في بلدة "سنابس" الواقعة في جزيرة تاروت التابعة لمحافظة القطيف السبت الفائت يُثبت أن لا خطوط حمراء للسلطة، بل هناك تمادٍ في العنف والتعسّف والاستبداد. بعد أيّام على تلقّيهم رسائل تتحدّث عن إمكانية إصدار الملك سلمان بن عبد العزيز لعفوٍ يطال المعتقلين من أبناء المنطقة، إثر إعدام 33 ناشطًا سلميًّا، تغيّر كلّ شيء. تفاجأ الأهالي في سنابس بالهجوم المُباغت، حتى أدركوا أن "التطمينات" المزعومة ليس سوى هراء، لكسب وقتٍ إضافي تحضيرًا لغزو البلدة. السكان شاهدوا آلياتٍ عسكرية وأعدادًا كبيرة من الجنود يدخلون البلدة ويُطلقون الرصاص باتجاه المنازل دون مراعاة حرمة شهر الصيام معرّضين جميع القاطنين لخطر الموت والقتل في أية لحظة، خلافًا لما ورد في بيان رئاسة أمن الدولة من أن أيّة إصابة لم تُسجّل بين الساكنين أو المارة.
الاقتحام العسكري لسنابس وصلت حدّته الى محاصرة كلّ البيوت والمباني، فيما استخدمت القوات الأمنية مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة. مصادر من القطيف تؤكد لـ"العهد" وقوع إصابات في صفوف السكان، وأن ما أعلنه "أمن الدولة" كذبٌ بكذب، خاصة أن الأجهزة الأمنية منعت وصول سيارات الإطفاء والإسعاف الى المكان.
الذريعة التي عنونت الهجوم هي البحث عن المطلوبين. حجةٌ لا تجد السلطات غيرها لتبرير غزاوتها على الأبرياء، لكن عن أيّ مطلوبين تتحدّث؟ أهالي المنطقة يعرفون جيّدًا أن هؤلاء ليسوا سوى ناشطين سلميين اختاورا يومًا النزول الى الشارع والتعبير عن آرائهم المناوئة للسلطة، وهي "الجريمة" التي لطالما حرّمتها الأخيرة، ومنعت إعلاء صوتٍ يُخالف أهواءها ولا يمجّدها. هؤلاء هم نفسهم أبناء المنطقة، خُلقوا فيها وكبروا بين أحيائها وذاقوا مرّها وعانوا من حقوق معيشية وسياسية حُظرت عليهم.
غزوة السبت حصدت أرواح 8 ناشطين فبرك "أمن الدولة" حُجج قتلهم، واصفة إيّاهم بـ"الإرهابيين الذين حاولوا استهداف منشآت حيوية"، حسب زعمه. وعلى هذا الأساس، أكملت القوات السعودية مداهمتها للبلدة، مُحوّلة إيّاها الى ساحة معركة حقيقة، حيث رصدت الناشطين في أماكن وجودهم وأطلقت الأعيرة النارية باتجاههم وقذائف "الأر بي جي". حادثةٌ أعادت الى الأذهان صورة القتل العشوائي الذي مورس بحق بلدة العوامية في شهر رمضان، والذي ذهب ضحيته الكثير من الأبرياء المدنيين.
أهالي القطيف اليوم لا يستطيعون إقامة عزاء الشهداء على غرار ما أصاب أهالي المعتقلين الثلاثة والثلاثين من أبناء المنطقة الذين أُعدموا الشهر الفائت ظلمًا. كذلك هم ممنوعون من الحديث عمّا حلّ بالشهداء ومُهدّدون بالمصير نفسه. عليهم السكوت فقط وإلّا عصا القتل والترويع تُوجّه نحوهم مجدّدًا.
في المعلومات، الوضع في سنابس أصعب من الوضع الذي كان يعيشه ذوو الشهداء المقتولين تعسّفًا، ولا سيّما أن سفك الدماء أضحى سلاحًا سهلًا بالنسبة للأجهزة الأمنية التي قرّرت معاقبة المتعاطفين مع الناشطين أو من حماهم في بيوتهم بتدمير منزله دمارًا كليًا، تمامًا كما يحدث مع أهالي منفذي العمليات الفدائية في فلسطين المحتلة. هو أسلوبٌ إسرائيليّ بامتياز استنسخته السلطات وبادرت الى تطبيقه سريعًا في سنابس. سكان البلدة وجوارها يشكون الوحشية غير المسبوقة للجنود السعوديين في قتل العزّل في الشوارع وفي المعتقلات، وصولًا الى هدم المساجد والحسينيات والمنازل السكنية.
في الآونة الأخيرة، يُلاحظ سكان القطيف اعتماد الأجهزة الأمنية على أساليب الهجوم المباغت كي لا تكون في موقع الدفاع عن جرائمها، وعليه تقوم بتوظيف الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للتحريض ضدّ أهالي المحافظة والمسلمين الشيعة وافتعال مسرحيات الخيانة والعمالة لأجندات خارجية كي تتحوّل السلطة الى ضحية لا همّ لها سوى الدفاع عن الوطن، كما يحصل على "تويتر" و"فيسبوك".
يتوقّع أبناء القطيف والأحساء اتساع الحملة الأمنية ضدّهم، خلافًا لما تُروّج له السلطة عن احتمال الإفراج عن بقية المعتقلين عبر علماء دين من الدمام والقطيف والأحساء مُوالين للبلاط السعودي، ولا سيّما أن الغطاء الدولي والأمريكي تحديدًا متوفّر دائمًا للانتهاكات التي يوعز بارتكابها وليّ العهد محمد بن سلمان بحقّ الناشطين السلميين والمُعارضين داخل المملكة. وارتفاع أعداد الشهداء من المسلمين الشيعة وحدها منذ كانون الثاني الماضي الى نحو 51 شهيدًا دليلٌ جليّ على الضوء الأخضر الذي يسير تحت ظلّه ملك السعودية القادم.