خاص العهد
ماذا بعد 1650 عملية.. إستراتيجية "العين على الميدان" قائمة وفق قواعد المقاومة
عباس عيسى
"العينُ على الميدان"، عبارةٌ تلخصُ الإستراتيجية العسكرية التي تتبعها المقاومة الإسلامية في لبنان. ومع التهديد المتكرر لمسؤولي العدو وتهويلهم بحرب قادمة على لبنان، خرجت أرقام الإعلام الحربي للمقاومة وكشفت عن 1650 عملية نفذتها خلال 200 يوم منذ بداية معركة طوفان الأقصى. أرقامٌ أثبتت أن المقاومة تمسك بزمام أمور المعركة وتحقق أهدافها، وأن "بعبعة" رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت ما هي إلاّ "جعجعة بلا طحين"، ويكفي في هذا الصدد أن نذكّر بما قاله وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى حين توجه إلى غالانت بالقول "تكلّم على قد قدرتك، أحسن ما تندعس رقبتك"!
في حديث لموقع العهد الإخباري يشرح الخبير العسكري العميد الدكتور أمين حطيط دلالات التطورات الميدانية على الجبهة الحدودية. ويقول "عندما اتخذ حزب الله قرار فتح الجبهة في جنوب لبنان لم يكن القرار اعتباطيًا أو انفعاليًا بل كان نتيجة دراسة ولأجل تحقيق هدف ما، ومن أجل ذلك عمل وفق خطة وضعتها المقاومة وعملت بها لتسير بها ارتقائيًا من مرحلة إلى أخرى وفقًا لقاعدة التناسب والضرورة".
يوضح حطيط أن الإستراتيجية المتبّعة هي "ضغطٌ منسّق مع قطاع غزة، وحرب من أجل تحقيق الأهداف التي تخدم الفكرة القائمة على أمرين وهما: إسناد قطاع غزة، والدفاع الاستباقي عن الأراضي اللبنانية فيما لو اتجه العدو للبنان". ويشير "إلى أن الرؤية الإستراتيجية لحزب الله كانت تقول بشكل واضح إن نجاح العدو في غزة يعطيه دعمًا وزخمًا للتوجه إلى الشمال وتجربة العملية ذاتها في المنطقة اللبنانية".
حطيط يؤكد أن العدو تألم جدًا من سلوك الحزب ومن حربه المقيّدة ومن إستراتيجية الضرب المنسّق، فعمد في المرحلة الأولى إلى محاولة إقفال أو وقف هذه الجبهة عبر الوساطات التي حاولت فصل جبهة الجنوب عن غزة، والإجهاز على مفهوم وحدة الساحات، وتفكيك مسرح عمليات المقاومة الموحد الذي ظهر إلى حيّز الوجود بهذا الشكل المتماسك لأول مرة منذ 75 عامًا".
ويرى أن "ثبات حزب الله على إستراتيجيته أجهض محاولات فك الارتباط بين غزة والجنوب، فتحوّل العدو إلى أسلوب آخر وهو التهويل بالحرب الشاملة أو المفتوحة اذا لم تتوقف المقاومة في جنوب لبنان". ويوضح حطيط أن "هذا التهويل فهمه حزب الله جيدًا بأن العدو يريد أن يورّط أميركا في مواجهة مع المقاومة الإسلامية ويريد أن يستثمر "الشيك المفتوح" الذي منحه إياه بايدن عندما هرع إلى "إسرائيل" في بداية طوفان الأقصى ووعد نتنياهو بأن تقوم أميركا بالدفاع عن كل الجبهات فيما تقوم "إسرائيل" فقط بالعمل في غزة".
ويتابع حطيط حديثه لـ "العهد" بأن "نتنياهو أراد أن يخلق بيئة تدفع حزب الله لشن هجوم واسع على كيان الاحتلال مما يجعله في موقع الدفاع الذي يستجلب التدخل الأميركي، لكن الحزب كان واعيًا لهذا الفخ ولم يقع فيه واستمر في "الحرب المقيّدة" ضمن الضوابط الأربعة وهي: المكان، الهدف، السلاح، والمناورة العسكرية".
حزب الله و"قاعدة التناسب"
يلفت حطيط إلى أن "حزب الله اعتمد نسق العمل بقاعدة التناسب والضرورة، وكانت المقاومة في كل مرة يتجاوز بها العدو الضوابط بشكل واضح ترد عليه بتوسعة وتعميق الرد تنفيذًا لوعد الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله بقوله "بتعلي منعلي .. بتوسع منوسع".
ويضيف حطيط "في كل مرة كان العدو "الإسرائيلي" يخرق أحد الضوابط الأربعة كان حزب الله يرد عليه ضمن إستراتيجيته"، ويوضح "في المكان تجاوزت المقاومة عن مسافة 6 – 7 كم لتصل إلى 15 كلم. وفي السلاح، بعدما استخدم حزب الله السلاح قصير المدى أو ذا القدرة التدميرية المنخفضة استخدم في مرحلة لاحقة صواريخ بمدى أطول وقدرة تدميرية أكبر، أي أن المقاومة كانت تتدرج في الخروج ثم تعود إلى قواعدها سالمة".
"حزب الله تجنّب الانزلاق لتقديم ذرائع الحرب المفتوحة، وتجنّب الروتين الذي يقود إلى إخماد الفاعلية وعمد إلى الحل البديل وهي "الحركيّة والدينماكية العملية" التي تعطي لكل موقف حقه في الرد"، هكذا يصف حطيط إدارة المقاومة للمشهد العام، ويشير إلى أن هذا الأمر أرهق العدو وأبرَزَ للمُراقب أن الحزب يعمل ضمن خطة منهجية عسكرية دفاعية ارتقائية تعطي لكل مرحلة حقها ويستفيد من خصائص البقعة العملياتية والمشهد العام حتى "يداوي كل داء بما يلزمه من دواء".
عدوٌ غير متزن
عن تصريحات مسؤولي العدو، يصفها العميد حطيط "بأنها تدل على عدم اتزانهم الذهني، لأن وزير الحرب يوآف غالانت يستمر منذ ستة أشهر بالتهديد والترهيب بالحرب الشاملة، ولقد تكرر الأمر أكثر من 5 مرات".
ويواجه حطيط هذه التهديدات بعدد من التساؤلات قائلًا "هل "إسرائيل" قادرة على تحقيق الإنجاز العسكري بحسم الجبهة وإسكات النار، هل الصهاينة قادرون على احتواء ردة فعل المقاومة على الجبهة الداخلية، وهم يخشون انقطاع الكهرباء وتحطم المرافق الحيوية، والإضراب الأمني والاقتصادي؟ هل هم قادرون على إنهاء الحرب بالتوقيت الذي يخدمهم والإنجاز العسكري".
ويختم حديثه لـ "العهد" بالقول "من السهولة إطلاق التهديدات لكن الأهم هو القدرة على تنفيذها"، موضحًا أن "إسرائيل" بمفردها لن تتخذ قرار الحرب إذا لم تطمئن إلى إسناد ومشاركة أميركية واضحة فإنها لن تقدم، وأن الأخيرة تعلم أن من مصلحتها عدم الانجرار إلى حرب ضد المقاومة لأن ذلك يعني إحراق كل المصالح الأميركية في المنطقة".