خاص العهد
عن "طوفان الأقصى" ودور مصر المفترض
أثارت حرب الإبادة التي يشنّها العدو الاسرائيلي على غزة، منذ أكثر من 7 أشهر، أسئلة عديدة حول دور مصر حيال الأزمة، وواجبها إزاء الشعب الفلسطيني الجار. موقع "العهد" الإخباري كان له هذا الحوار مع مدير مركز "يافا" للدراسات والأبحاث في مصر الدكتور رفعت سيد أحمد. ويعدّ المركز من بين المنابر النادرة في مصر التي تدعو إلى المقاومة ووحدة القوى السياسية والتفافها حول المشروع المقاوم.
1 - ظلت مصر لمدة طويلة ملتقى لقوى المقاومة حتّى بعد خروجها رسميًّا من دائرى الصراع، حيث كانت على الأقل على المستويات الفكرية حاضنة للفكر المقاوم.. لا نلمح اليوم ظلالًا لذلك. بتقديرك لماذا توارى هذا الظل، وخاصة ونحن في معركة تبدو فاصلة على غزة؟
في تقديري أن مصر في جوهرها بلد مقاوم، في فكره وفي طبيعته وفي خياراته، والمقاومة قدر بالنسبة إليه وليست اختيارًا. لكن هذه المقاومة الطبيعية في داخل الشخصية المصرية تتوارى مع الأزمات العامة، السياسية والاقتصادية وضيق المجال السياسي في المنطقة وفي مصر، ولكنها ما تزال قائمة وموجودة وستظهر فقط عندما تزول تلك الضغوط الاقتصادية والسياسية ويتسع الأفق والمجال العام. وحينها سنشهد تحولات كبيرة في الرأي العام المصري وبروز قوى للمقاومة واضحة وجلية، سواء في شكل حزبي أو في شكل عمل نقابي أو في شكل حركة شعبية ولجان وحركات مقاومة للتطبيع وغيرها.
الأزمات العامة فقط هي التي تؤجل أو تخفي تلك الظلال للمقاومة الواضحة، ولكن الأصل هو المقاومة في داخل هذا المجتمع وهذا الشعب.
2 - لكم تجربة رائدة في مركز "يافا" للدراسات على صعيد لمّ شمل الفرقاء السياسيين ومحاولة توحيدهم حول ملف المقاومة.. هل من خلال رصدكم ما يزال ملف المقاومة مشتركًا بين الفرقاء أم هناك قوى سياسية تخلت عن القضية؟
مع التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر، من العام 2011 حتّى اليوم، هناك قوى كانت مع المقاومة ولكنها انشغلت بالكسب السريع للعمل السياسي والحكم والسلطة وانصرفت عن مشروع المقاومة بمعناه الحقيقي الذي كانت طرفًا مشاركًا فيه مع القوى الوطنية قبل يناير/ كانون الثاني 2011، ثمّ جاء العام 2012 فانسحبت أيضًا قوى أخرى من المشهد المقاوم. وهذه القوى، في تقديري، ستعود لو وجدنا قواسم مشتركة حقيقية لمقاومة العدوّ الصهيوني، وهذه مهمّة النقابات والهيئات والمراكز البحثية التي ما تزال تحمل راية المقاومة. وبالطبع، المناخ العام يعد مناخًا طاردًا. لكن في تقديري؛ هناك أملًا في أن تعود تلك القوى مرة أخرى إلى خيار المقاومة وأن تتخلى عن انتهازيتها.
3 – لأوقات أو مراحل طويلة جرى التشكيك في دور محور المقاومة، بشكل عام، وكان الظن بعد "طوفان الأقصى" وبعد ظهور المحور طرفًا وحيدًا يساند غزّة ومقاومتها بشكل عملي أن يظهر الحق وتزول الدعايات المغرضة.. ما هو تفسيركم لاستمراريتها؟ وهل هذا يقطع الأمل في وحدة الأمة؟
بالنسبة إلى دور محور المقاومة، اعتقد أنه كان وما يزال قائمًا ومستمرًا. والمشكلة هي أن هناك تشكيكًا يأتي من قوى خليجية وقوى إقليمية تتزين بالشكل المذهبي الضيق، ولكنها في حقيقتها هي مشروع أميركي. هذه القوى هي قوى وهابية وداعشية، واعتقد أن مع ظهور محور المقاومة مساندًا وحيدًا في غزّة، فقد كشف هذا التناقض الكبير لتلك الحركات، وأوضح أن الأمور ليست لا شيعية ولا سنية، وإنما القضية هي قضية من مع المقاومة ومن ضدّ المقاومة.
وقد ثبت في موضوع غزّة، وهو من ثمرات "طوفان الأقصى" وما بعده، أنه أظهر الحقيقة، وأن هناك مشروعًا للأمة مع المقاومة ومشاريع ضدّ المقاومة. وفي هذا المشروع المقاوم ستجد كلّ ألوان الطيف السياسي والديني والمذهبي، وفي المشروع المقابل ستجد ألوان طيف أخرى متخاذلة. وتاليًا؛ لقد أكدت غزّة هذه الحقيقة، وأظهرت بوضوح أصالة محور المقاومة ومتانته الفكرية والعقدية والسياسية.
4 - ما هو تقييمكم لمستقبل الحرب الراهنة وهل هي باتّجاه التسويات أم المواجهة الشاملة؟
- في تقديري أن رفح هي مشروع إسرائيلي كبير متجاوز لفكرة الهدن، أي سيحاولون السيطرة بشكل كامل على الحدود بين رفح ومصر، أو عبر وكلاء مثل وجود سلطة عميلة أو ما شاكل ذلك. استراتيجيًا، المشروع الإسرائيلي لم يكتمل، حيث لم تتحقق الأهداف الإسرائيلية الحقيقية لتلك الحرب. فهناك أهداف رئيسة على رأسها قناة بن غوريون وتوصيلها، وتفريغ غزّة من القوى المقاومة وتحويلها من جغرافيا إلى تاريخ، بمعنى أن تصبح مجرد ذكرى، وامتصاص غاز غزّة وثرواتها وتجفيف منابع المقاومة فيها. هذه الأهداف الإسرائيلية لم تتحقق، وهم يحاولون تحقيقها، وفي تقديري- إن شاء الله- لن تتحقق.
5 - ماهي حدود التأثير العملي لتغير الرأي العام العالمي، وخصوصًا في الجامعات الغربية على الوضع الميداني.. وأين الجامعات والشعوب العربية؟
أعتقد أن تأثير الرأي العام العالمي كبير، لكنّه استراتيجي وليس مرحلي، أي أننا سنشاهد تغيرات كبيرة في المستقبل في طبيعة المكونات الاستعمارية الغربية. وهذا الرأي العام الكبير سيساعد في تشكيل عدالة عالمية جديدة إزاء قضايا المستضعفين وفي مقدمتها قضية فلسطين، وهذا الحراك العالمي سيكون له تأثير لكنّه تأثير مستقبلي ممتد وليس سريعًا.
6 - ما هو مستقبل النظام الرسمي العربي وفقًا للمسار الحالي.. سواء في حال التسوية أم المواجهة؟
مستقبل النظام الرسمي العربي- باعتقادي- هو مستقبل مظلم، وقد نشاهد بعد غزّة موجة من عمليات العنف السياسي الاجتماعي ضدّ تلك الأنظمة انتقامًا وثأرًا لما جرى في غزّة، وهو عين ما جرى بعد حرب العام 1948. فقد شهدنا بعد 48 تحولات كبيرة في الإقليم وثورات عديدة منها ثورة 23 يوليو/تموز 1952. وقد نشهد في المرحلة القادمة أيضًا ثأرًا مجتمعيًا من النظام الرسمي العربي ردًا على ما جرى في غزّة، وبسبب التخلي الكبير الرسمي العربي والتواطؤ مع أعداء الأمة، لذلك سنشاهد تحولات كبيرة ونهاية لهذا الشكل من أشكال النظام الرسمي العربي المتواطئ مع المشروع الغربي والمشروع الإسرائيلي.