طوفان الأقصى

خاص العهد

"الإسراء" ولحن الظفر.. الذاكرة المحفورة
25/05/2024

"الإسراء" ولحن الظفر.. الذاكرة المحفورة

عودةٌ إلى الأيام الأربعة قبيل 25 أيار 2000. ضرباتُ المقاومة وكمائنها تتوالى وتُؤلم، من الشومرية وعيترون والقنطرة والصلعة ومشعرون ودير سريان والقصير حتّى الغندورية، والانسحابات تتدرّج. اللحديون والمحتلّون يُحبطون وينكفئون تباعًا. كرة النار تُلاحقهم، وفتوحات القرى تتوسّع.

على الضفّة الأخرى، بعيدًا عن العسكر، لغةٌ تُرافق المُقاومين وأصحاب الأرض، تُترجم ما يُسطرّونه في الميدان. إحدى أبرز الصور الجليّة في تلك الفترة كانت لفرقة الإسراء للأناشيد الإسلامية. أعمالٌ فنيّة تحكي الملاحم والخطاب الفصل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

في أيّام التحرير الأخيرة، كان للفرقة عملان انتشرا على نحوٍ جماهيري واسع تجاوز الحدود اللبنانية. من المحسوم والمجزوم، أن "مبروك وطن الحرية" و"عرس الظفر" حُفرا في ذاكرة الجنوبيين، خصوصًا، واللبنانيين عمومًا، في تلك المرحلة جيّدًا، إلى حدّ أنهما طَبَعاها. عند استعادة أحداثها، يحضران أوّلًا بقدر ما تتصدّر صورة المدفع واقتحامات المجاهدين المشهد.

كلّ شيء كان وقتها مُختلفًا. الروحية والعزيمة أكثر الميزات دفعًا إلى بذْلِ كلّ ما يصبّ في صالح المعركة ضدّ العدو. لهذا، ركنت الفرقة إلى مواقف قائد المقاومة وكلماته من أجل الخروج بعملٍ يليق بمُفردات المواجهة.

"مبروك وطن الحرية"

21 أيار 2000، اقتحم أهالي القنطرة ودير سريان والقصير بوابة التحرير في بلدة الغندورية، بعد فرار وإخلاء عملاء لحد مواقعهم. تدريجيًا، كرّت سُبحة التحرير إلى البلدات الجنوبية الأخرى. وقائع هذا اليوم ألهمت فرقة الإسراء لإنتاج عمل على وجه السرعة لمواكبة الإنجاز وما يُسطّر.

بحسب الحاج زكريا قصير، أحد مؤسّسي الفرقة، تداعى أعضاء الفرقة من مُنشدين إلى عازفين وإداريين، إلى الاستديو الخاص بها في حارة حريك. تسلم الجميع كلمات كتبها الشاعر علي عباس (المسؤول الإعلامي لمنطقة بيروت حينها) تحت عنوان "مبروك وطن الحرية"، وبدؤوا بالتدرّب على تأديتها. من ساعات المغرب وحتّى فجر ذاك النهار، امتدّ تسجيل النشيد، وهو عبارة عن دقيقتين لا أكثر. حُوّل بعدها إلى قناة المنار، حيث خضع للمونتاج وبُثّ على الهواء في صباح اليوم التالي.

رسالة العمل أو الفلاش كما كان يُسمّى، وفق قصير، كانت تحفيزية واحتفالية بالنصر المُحقّق، ولا سيّما أن الهزيمة حصلت بشكل غير متوقّع والتحرير أُنجز بعد أعوام طويلة من الحروب والخيبات، وعليه يستند الفلاش إلى فكرة الانسحاب تحت النار بلا اتفاق وبلا أيّ تنازل، كما كان يطرح السيد نصر الله في خطاباته ومواقفه آنذاك.

 

"الإسراء" ولحن الظفر.. الذاكرة المحفورة

 

"عرس الظفر"

 

تحوّلت فرقة الإسراء إلى خليّة نحل. لم تكتفِ بعمل واحد. انسحب النشاط الاستثنائي في الظرف التاريخي إلى نشيد ترسّخ في الأذهان إلى اليوم: "عرس الظفر" أو "حمدًا لله أتى الظفر". العمل تربّع على عرش أناشيد التحرير. التحضير له لم يتطلّب شهرًا، بل ساعاتٍ قليلة.

يروي قصير "في 24 أيار 2000 اجتمعنا مجدّدًا كفرقة، تواصلنا وتعاونّا على إنتاج ما يواكب النصر. حضر الشاعر الشيخ طارق إدريس إلى الاستديو لمراقبة الأداء اللفظي للمنشدين، ثمّ لحّن الأستاذ أسامة همداني النشيد. الغاية المرجوّة كانت الخروج بعمل يتزامن ويوم 25 أيار بلا أيّ تأخير أو بطء، وبالفعل هذا ما حصل".

إصدارٌ جماهيري بمبيعات ساحقة

شكّل نصر أيار 2000 "قاعدة وحي" أساسية للفرقة. بناءً عليه، ركّزت جُهدها كي تُنتج إصدارًا كاملًا مؤلّفًا من 8 أناشيد بينها فلاشات قصيرة، تعزف وتُرنّم من خلالها لحن انتزاع حرية الأرض ودحر المُحتلّ منها. حمل الإصدار الـ12 للفرقة عنوان "المقاومة والتحرير".

استطاع الإصدار أن يحصد أكبر عدد مبيعات للفرقة في تاريخها، 25 ألف "كاسيت" أو شريط (كما كان سائدًا) بين أيار وحزيران فقط. في ذلك الوقت، لم تهدأ مشاركاتها في الاحتفالات والمناسبات الخاصة بتحرير الجنوب، وفاقت الـ100، تنقّلت بين المناطق اللبنانية كافة، حتّى وصلت إلى دول عربية وأفريقيا، بُعيد شهريْن من إعلان دحر الاحتلال.

الإخلاص لله

يُرجع قصير سرّ رواج النشيدَيْن المذكورَيْن إلى حسّ التطوّع الذي كان يستوطن أعضاء الفرقة بكاملها. الكلّ يريد أن يُنجز ما يقدر عليه كرمى للمقاومة وخطّها، وأن يُشاركها في لحظاتها الجميلة. المقابل المادي غائب، والمبادرة حاضرة بقوّة. لا انتظار لإرشادات أو حتّى تنويهات وإشادات، فالعنوان الأسمى بكلّ "أفعالنا" كان الإخلاص لله وكلمة الحقّ.

 

___________

 

أنشودة وكلمات "عرس الظفر":

حمدًا لله أتى الظفر.. حمدًا لله
أبطالك يا وطني انتصروا.. هم حزب الله
سلمت أيديهم فرسانا.. بالمهجة تحمي الأوطانا
وليسلم رشاش يأبى.. أن يعشق إلّا الميدانا

***

دحروا الأعداء وأجلوهم.. دحروا الأعداء
طردوهم والخزي عليهم.. طردوا الأعداء
جاؤوهم بالموت القاني.. فانهارت جند الطغيان
قد عاد الحقّ لصاحبه.. والعار على وجه الجاني

***

فانهض لبنان وعش حرّا.. انهض لبنان
وارقص للسيف فقد أفرى.. ارقص لبنان
وارفع هامات الأقواس.. وانظر أفراحك بالناس
يعلو تكبير مآذنهم.. فيرد دعاء الأجراس


أنشودة وكلمات "مبروك وطن الحرية":

مبروك وطن الحرية.. يا مزيّن بالغار
قدّمنا النصر هدية.. للشعب المغوار
رجعنا وتجمّعنا.. كلّ الشعب معنا.. بعيد الانتصار بعيد الانتصار

إقرأ المزيد في: خاص العهد