طوفان الأقصى

خاص العهد

سورية نحو تشكيل جيش من المحترفين.. ماذا في أبعاد القرار؟
10/07/2024

سورية نحو تشكيل جيش من المحترفين.. ماذا في أبعاد القرار؟

أعلن الجيش السوري عن التوجّه نحو تسريح عشرات الآلاف من الجنود، مع نهاية العام الحالي، ضمن خطة هدفها الوصول إلى جيش محترف قوامه المتطوعون مع دمج إدارات داخل المؤسسة العسكرية. تؤكد قيادة الجيش السوري أن القرار داخلي صرف، يلحظ مصلحة الدولة والبعد الاجتماعي للمنتمين للقوات المسلّحة عبر تعويض العامل البشري وتطوير الأداء، والالتفات إلى مستقبل عشرات آلاف الشبان ممن أمضوا سنوات في الخدمة العسكرية. وهي العوامل التي كانت حاضرة في خلفيات القرار، ولا يمكن فصلها عن قرار إعادة هيكلة الجيش بعد ثلاثة عشر عامًا من المعارك.

جدولة تسريح جنود الاحتياط بدأت ضمن ثلاث مراحل؛ تستمر حتّى نهاية العام المقبل، ليصل الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية إلى عامين فقط، في ما جرى خفض سن دفع البدل النقدي لمن بلغ 38 عامًا.

جيش عصري ومحترف؛ يرى الخبير العسكري العميد علي خضور أن العصر الحديث شهد تطوّرات عديدة ومتسارعة لأساليب الصراع العسكري، فأضحت التكتيكات الحربية العسكرية أكثر مرونة من سابقاتها من التكتيكات الكلاسيكية التي كانت تعتمدها الجيوش. ويدعم هذا الرأي لجوء الدول الاستعمارية مؤخرًا إلى تجنُّب الصدام المباشر بجيوشها مع محور المقاومة، بل استعاضت عنها بمجموعات إرهابية مغذّاة بفكر تكفيري متطرّف تستخدم أساليب صراع مرنة وأكثر حركية.

وفي تصريح خاص لموقع "العهد" الإخباري؛ أكد الخبير العسكري أنه وفي ظل القدرة العظيمة التي أبداها الجيش العربي السوري في التعامل مع هذه المجموعات، وقيامه بدوره أيضًا بإيجاد أساليبه المبتكرة الخاصة في القضاء عليها؛ كلّ ذلك حتّم على القيادة العسكرية السورية ضرورة تثبيت هذه الخبرات الميدانية المكتسبة وجعلها مرجعًا فريدًا في العلم العسكري الحديث. ومن هنا ارتأت القيادة العسكرية السورية أنَّ زرع هذه الخبرات المتراكمة في كوادر تخصصية احترافية تمتهن العمل العسكري هو ضرورة لا بد منها في المرحلة القادمة، خاصة وأن الجيش السوري وحتّى اللحظة انتصر في معركة من حرب لعلها كانت الأكبر، لكنّها قد لا تكون الأخيرة، ويجب أن يبقى على أهبة الاستعدادات. وأضاف الخبير العسكري أن هذا القرار عزّز، بشكل كبير، الحال المتصاعدة للروح المعنوية للمقاتلين، لا سيما بعد تبلور النصر السوري بشكل واضح.

ميدانيًا، رفد الجيش بكوادر احترافية يعزز قوته ويجعله أكثر فاعلية على الأرض، فضلًا عن امتلاك المتطوع لرغبة ذاتية في الانخراط، وهذا ما يجعله يعتنق أفكار ومبادئ هذه المؤسسة العسكرية ويدفعه إلى العمل الدؤوب والطوعي لتطوير مهاراته التي تجعل منه مقاتلًا متكاملًا. كما أن النسغ الشاب الجديد الذي سيرفد الجيش ممّا لا شك فيه سيكون أكثر تفاعلًا مع التكنولوجيا العسكرية الحديثة.

كما أشار العميد خضور إلى أن نماذج العقود الجديدة التي ظهرت مؤخرًا هي نماذج عصرية جدًا، تضمن للمقاتل المتطوع مرتّبًا جيدًا. ولم تغفل هذه العقود عن الضمان الصحي والمعاشي والأُسري للمتعاقد، وتركت له حرية التجديد من عدمه، بل قدمت له حوافزًا راقية جدًا (منحة الزواج، منحة بداية الخدمة، منحة إتمام سنة من العقد،...) وهذا ما يزيح عن المقاتل عبأ التفكير في تأمين سبل العيش، وتفسح له المجال في إتقان اختصاصه العسكري.

ختم الخبير العسكري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أنه، وخلال الحرب، قدَّم مجندون من الجيش العربي السوري نماذجًا بطولية تحتاج إلى دواوين لتوثيقها، ابتداءً من المقدرة الرهيبة على التعامل مع ظروف فجائية ناشئة خلال المعركة وانتهاءً بالتضحية بالأرواح في سبيل إتمام المهام القتالية.. فكيف الحال بأمثال هؤلاء وقد امتهنوا هذه العمل واحترفوه، وجعلوه أولوية لهم. فلا ريب أن النتيجة ستكون الحصول على أقوى شكل من أشكال الجيوش العصرية في المنطقة.

أبعاد القرار

من جانبه؛ رأى الكاتب السياسي السوري جعفر خضور أن التوجّه نحو جيش نوعي احترافي يأتي في درجة متقدمة استجابةً لمطالب اجتماعية فرضتها طبيعة الضغوط المعيشية السورية، والتي دفعت إلى نزيف في الموارد البشرية، لا سيما الشابة منها، في ظل اتّجاه هؤلاء الشباب نحو الهجرة. لذلك، تعد هذه الخطوة جزءًا من استجابات كرّستها الدولة السورية في سياستها العامة.

وأضاف أن القرار بإعادة هيكلة الجيش ليكون "نوعيًا احترافيًا" كان أحد بنود هذه السياسات المستندة لأهمية وضرورة الاستحقاق الداخلي، على أساس أن الواقع يفرض تعويض العامل البشري من جهة، وتطوير أداء الجيش من جهةٍ أخرى. وهذه العوامل تقف في خلفيات هذا القرار وتشكّل كلمة سرّه؛ مشيرًا إلى أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب. إذ كون ذلك يؤشّر إلى الولوج للتسويات السياسية، أي الانتقال من حال الحرب إلى حال السياسة.

ولفت الباحث السياسي إلى أن طبيعة التعاقدات والامتيازات الجديدة في الجيش لها علاقة واضحة بملف المهجرين إلى الخارج؛ لأنها ستضع الشباب في صورة المرونة المستجدة للخدمة العسكرية وآليات التعاقد المريحة والمميزة. كما أن الظروف المعيشية الصعبة وتقلّص مساحات القتال تتطلبان التوجّه نحو بناء الجيش الاحترافي النوعي؛ لأن الدافع الأساس للتطوع سيكون متأثرًا بالميزات التي ترافق عقد التطوع. إضافةً إلى أن الواقع السوري النازف اجتماعيًا واقتصاديًا يتطلب بدء حياة جديدة يحتاج فيها سوق العمل المُنهك إلى قدرات شابة، سواء مهنية أم جامعية. هذا يحقق، على المديَين القريب والبعيد، تطوّرًا في الاستجابة وارتقائها، وبالوقت نفسه يحسّن من نوعية الجيش بعنصره الشاب. فعقد التطوع وفقًا للقانون، يضمّ من بلغ الـ18 من العمر ولم يتجاوز الـ32، وما يوائم ذلك من دمج للإدارات العسكرية بما يضمن الكفاءة والأداء المتطور.

ختم خضور حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن هذا استحقاق داخلي يرعى المصلحة الوطنية والشعبية السورية، ولا يرتبط البتة بأي إملاءات خارجية، يحاول البعض من خلالها الإيحاء بأنه أخذ في السياسة ما لم يعطه إياه الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان.

سوريا

إقرأ المزيد في: خاص العهد