طوفان الأقصى

خاص العهد

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس
10/07/2024

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

كربلاءُ ثانية هو التوصيف الذي يُجمع عليه مُحبّو أهل البيت (ع) عند الحديث عن عاشوراء البحرين. موالو الحسين (ع) هناك يتجاوزون حدود بلدهم. إحياءٌ كثيف وإنتاجٌ غزير "فدوة" لأبي عبد الله (ع). على امتداد مساحة أصغر بلد خليجي، تنتشر المجالس والمواكب والعزاء في كلّ عام.

في خريطة الشعائر الحسينية، تقود البوصلة إلى مآتم البحرين. قبل 324 عامًا، كان العزاء الحسيني في منازل البحارنة الشيعة. عام 1700 انطلقت، وكرّت السُبحة. من البيوت إلى الحسينيات انتقلت المجالس. رويدًا رويدًا، أخذ الإحياء يتدرّج ويتطوّر من إقامة مراسم العاشر من المحرم فقط، إلى تنظيم الشعائر من السابع إلى العاشر، حتّى اكتمل الإحياء في الأيام العشرة من شهر الأحزان منذ نحو 45 عامًا.

تطوّرت الأدوات الصوتية والألحان، "تبحرنت" القصيدة، ونظّمت المواكب. اليوم أصبح العزاء البحريني محطّ استقطاب لكلّ من يحيي شعائر المحرم، بمعزل عن الإحياءات المركزية في العتبات المقدّسة وأضرحة الأئمة (ع).

عند الاطّلاع على برامج عاشوراء 1446، تتضّح ضخامة الإحياء. الموالون يُقيمون هذه السنة في البحرين 9000 مجلس حسيني و456 مأتمًا في 85 منطقة بمُشاركة 252 خطيبًا. حجمٌ هائل قياسًا لصغر الجغرافيا البحرينية.

لماذا ينتشر العزاء البحريني اليوم؟ ما هي خصائصه؟ وبِمَ يتميّز عن سائر الإحياءات في الجوار الإسلامي؟

 

إحياء الليلة الثالثة من محرم في مأتم الخضر في بني جمرة

ارتباط عقائدي برسالة الحسين (ع)

بحسب ما يقول شاعر أهل البيت (ع) عبد الله القرمزي لموقع "العهد" الإخباري، يتميّز العزاء البحريني بارتباطه بالمؤسسة الدينية والعلماء ارتباطًا وثيقًا، ما جعل الموكب يلتزم برسالة الحسين (ع) الإسلامية التي تدعو إلى الإصلاح في أمّة جدّه (ص) وقضايا الأمة والعالم ونُصرة المظلوم.

يشرح القرمزي المُميّزات الشكلية للإحياء، فيوضح أن القصيدة البحرينية مُنقسمة إلى عدّة أطوار وألحان وتخضع دائمًا للتجديد، فيما تتوزّع المواكب داخل الحسينيات وخارجها بحيث تكون سيّارة تمتدّ إلى مساحات واسعة ضمن تظاهرات حسينية، تستطيع استقطاب كلّ فئات المجتمع المُختلفة، الرجال والشباب والشيوخ وكلّ محبّي أهل البيت (ع). المساحة مفتوحة مكانيًا وليس كما هو الحال داخل المآتم ودور العبادة.

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

الشاعر عبد الله القرمزي

 

الشعر البحريني الحسيني ومواءمة الأطوار


يُفصّل القرمزي خصائص الشعر البحريني، فيُبيّن أنه يحلّق بجناحيْن: اللغة المحكية أو لهجة أهل البلد في الرثاء، واللغة العربية الفصيحة وهذا ما يُساهم في انتشاره في كلّ الشرائح والأقطار.

ووفق القرمزي، القصيدة الحسينية البحرانية على مستوى المضمون تأخذ بالأبعاد العقائدية والولائية والاجتماعية وكلّ مفاصل الحياة، فلا تنحصر فقط في إحياء السيرة وسردها، بل تُوائم بين العَبرة والعِبرة. كما أنها تنطلق في مقاربة القضايا الاجتماعية والتربوية من واقع السيرة الحسينية. القصيدة البحرانية متنوّعة وشمولية انسجامًا مع ما يدعو إليه العلماء والمراجع بأن يكون صوت الحسين (ع) صوتًا للعدالة والإصلاح في كلّ زمان ومان.

ويُشير القرمزي إلى أن الألحان والأطوار متعدّدة في الأسلوب البحريني، فروّاد المواكب يُبدعون في ابتكار طرقٍ جديدة بعد أن كانت القصائد على طريقة الهوسات والمجموعات الصغيرة المُتحرّكة نظرًا لطول الساعات في المواكب، وصولًا إلى الموكب الواحد الذي يضمّ الآلاف. وعليه، القصيدة تسير بأطوارٍ بطيئة وحزينة، ثمّ تتدرّج إلى أطوارٍ حماسية تتناسب مع المضامين المُختلفة.

يرى القرمزي أن الحراك الأدبي الموكبي في البحرين حيٌّ، خاصة أن مجموعة الشعراء لهم مجاميع يلتقون فيها لمناقشة الشأن الموكبي بشكل دوري وتقييم كلّ الظواهر بالتنسيق مع الرواديد والعلماء.

ويُقسّم مدارس المواكب إلى ثلاث:
الموكب الذي يحافظ على التراث البحراني الشعبي،
الموكب الذي يجدّد ويبتكر الألحان،
الموكب الذي يجمع بين التراث والحداثة.

أمّا الإيقاع واللحن والكلمة، فالطريقة المتّبعة في البحرين والأكثر شيوعًا بأن يقوم الرادود بابتكار اللحن والطور والوزن ثمّ يرسله إلى الشاعر الذي ينْظُم بما يتناسب معه، وتبقى هناك فئة تُفضّل كتابة القصيدة أوّلًا، على ما يلفت القرمزي.

 

إحياء الليلة الثانية من محرم في السنابس

وبرأيه، لا بدّ للشاعر أن يُتقن عمله ويُدرك أدوات الشعر وعلوم البلاغة والنحو والعروض وسيرة المعصومين (ع) جيدًا وآراء العلماء، وأن يُحيط ببعض القضايا بالرثاء والتجارب الشعرية العامة، العباسي والأموي والأندلسي والحرّ والحديث. هذا إضافة إلى تمتّعه بصفات أخلاقية حميدة بحيث يكون متعاونًا باذلًا سَمحًا متشرفًا بالخدمة ومُشجّعًا للطاقات.

هل يجب أن تنحصر القصيدة بواقعة كربلاء؟ يُجيب القرمزي: "لا يجب أن تنحصر بالسيرة الحسينية التاريخية، بل إن أيّة مُعالجة للقضايا الاجتماعية والسياسية يجب أن تكون مُنطلقة من صاحب الذكرى، فقِيَم الحسين مُتجدّدة وليست قابعة في التاريخ، والسعي لمقاربة قضايا الأمة هو سعيٌ لإحياء ثورة الإمام الحسين (ع) وتحقيق هدفها".

يُرجع القرمزي الإنتاج الحسيني الغزير في البحرين إلى العدد الكبير من الخدّام والقرّاء والرواديد على امتداد البلد، حسب الحاجة في كلّ قرية والمناسبات الإسلامية المتواصلة، كما أن العطاء مستمرّ تبعًا لحجم المجالس التي تزداد يوميًا.


اللطم البحراني وتجربة الرواديد

من تجربته الطويلة في الإنشاد واللطم، يتحدّث الرادود الحسيني عبد الأمير البلادي لـ"العهد" عن سرّ انتشار الإحياء العاشورائي البحريني على مدار سنوات طويلة. يقول "الكثافة السكانية للشيعة في البحرين وعشقهم لمحمد وآله في هذا البلد الصغير، خلق تميّزًا منفردًا في عموم الخليج، ما جعل من البحرين وُجهةً يقصدها الجميع للمشاركة في العزاء الحسيني".

بتقدير البلادي، يزداد اللطم البحراني في المآتم والشوارع كلّ عام. المُعزّي الحسيني تراه مُندفعًا في كلّ الأزقّة والشوارع حاملًا راية الإمام الحسين (ع) ناصرًا له يُلبّيه في كلّ بقعة، كما أن العنصر الشبابي يكثُر عامًا بعد عام، وهذا مرجعه إلى عامل الولاء، فقد نشأ أهل البحرين على الولاء لأهل البيت (ع) منذ أن تشيّعوا، ومارسوا هذه الشعائر التي يعتقدون بأنها من صميم هذه السُنّة.

التربية الإسلامية الحسينية في البحرين تحثّ المُوالين على الالتزام بحمل رسالة الإمام الحسين (ع)، من المآتم إلى المساجد وهذا ما حمل البلادي على تسخير صوته خدمة ونصرةً للإمام الحسين (ع).

 

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

الرادود عبد الأمير البلادي

 

بيئة حسينية ولّادة

يُفسّر البلادي طفرة الإصدارات العاشورائية والإسلامية في البحرين على أنها مظهر صحي وواقعي في المملكة الولّادة للرواديد الذين يؤثّرون في الشباب الناشئ وينقلون تجربتهم إليه،  كما حصل معه عندما تتلمذ على يد الرادودين فاضل وحسن البلادي، ويُضيف "تُربة أوال وأشجارها ومياهها وكلّ حجر فيها يصدح باسم علي (ع)، لذلك ليس غريبًا أن ترى الكمّ الهائل من المجالس والرواديد والخطباء وقرّاء العزاء محبّةً لأهل البيت (ع)".

وعن الأسلوب البحريني في التحضير للّطمية، يُبيّن البلادي أن رواديد البحرين اعتادوا أن يلحّنوا بالطريقة الحِسّية والوزنية ثمّ يُعطى اللحن إلى الشاعر ليسْكُبَ كلماته وبعدها تُلقى في الموكب أو المأتم، وهذه الطريقة تعدّت حدود البحرين ولاقت استحسانًا في خريطة الإحياء، وهي بالمناسبة لا تُضِعف الكلمة إلّا إذا كانت الأوزان غير مُقفّاة وبخلاف البحور الموجودة.

حاضنة المأتم والمسجد

يرى البلادي أن على الرادود أن يمتلك وعيًا وثقافة، وأن تكون حاضنتُه المأتم والمسجد، لا يتشبّه بالغرب، حاملًا لسِمات المؤمنين وعارفًا بالقضية الحسينية وسيرة آل بيت محمد (ص).

هل على اللطمية التطرّق إلى الواقع أمْ تظلّ تحكي تاريخ ملحمة كربلاء؟ من وُجهة نظر البلادي، كما بات مُعتمدًا في البحرين على صعيد الشعراء والرواديد، الكلمة التي تُلقى في الموكب هي إسقاطٌ للواقع في العالم الإسلامي، لذلك على الرادود أن يكون حاملًا لنهضة الحسين (ع) ورافضًا للظلم في كلّ البقاع.

وعليه، يؤكد البلادي أن الموكب البحريني وما يُتلى فيه يطرح القضايا الاجتماعية كي لا يكون المحتوى محصورًا فقط بواقعة كربلاء فالألم والحزن كان يسبقه عاصفة ثورية على الظلم.           

 

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

          المشاركة الحاشدة في مأتم السنابس

 

كيف يتحضّر البحارنة لعاشوراء؟

من يُتابع الإحياءات والمواكب في مُختلف القرى والبلدات يتلمّس حرفية وخبرة على صعيد التحضيرات التي تسبق الموسم العاشورائي. عن هذا الجانب، يحكي أحد الإداريين في مأتم الإمام علي (ع) في أبو قوة سيد حميد باقر لـ"العهد"، فيُشير إلى أن الاستعدادات لموسم المحرم وصفر تبدأ بعد شهر رمضان مباشرة، إذ تقوم اللجان العاملة بالمآتم والمواكب والمضائف بالتخطيط، ووضع الميزانية، وتوفير كافة الاحتياجات، وعقد لقاءات مع كافة العاملين في لجان المأتم، وتوزيع المهمّات على اللجان المنظّمة (لجنة العزاء، لجنة الخدمات، لجنة الصيانة، اللجنة الإعلامية..)، ثمّ تشتدّ وتيرة العمل بعد 25 ذي الحجة، حينها تلبس المناطق السواد ويتهيّأ المؤمنون لاستقبال أيّام الحزن.

مُرتكزات العزاء البحريني في المأتم، بحسب باقر، تقوم على:

 - المجالس الحسينية، وتسبقها قراءة القرآن الكريم، وما يُصطلح عند البحارنة بـ"النسخة"، مقسّم على الليالي العشرة، بعدها الزيارة ومن ثمّ يرتقي خطيب المنبر الحسيني، وتكون مدة المجالس نحو ساعة.
 - مواكب اللطم: إمّا داخل الحسينية أو خارجها في الشوارع العامة، بالإضافة لمواكب الزنجيل، وموكب العلماء الذي يكون في العاصمة المنامة ليلة العاشر من شهر المحرم، كما أن هناك موكبًا مُخصّصًا لكبار السن "موكب الجناح" تُقرأ فيه قصيدة أحرم الحجاج للشيخ حسن الدمستاني.
 - برامج الأطفال.
 - الحسينيات النسائية الخاصة
 - المواكب المركزية في المناطق وأبرزها قرية السنابس يوم العاشر، وقرية الديه يوم الحادي عشر.

 

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

أحد أحياء البحرين هذه السنة

يُشدّد باقر على أن ما يميّز الإحياء في البحرين هو الحضور المكثّف من كافة شرائح المجتمع، والتنظيم في مواكب العزاء المُختلفة، وطريقة اللطم الخاصة بالبحارنة، وطرح القضايا العامة في الموكب،و المحافظة على الموروث مع التطوير في الشكل والمضمون، وكثرة الرواديد والشعراء، فتكاد لا تخلو قرية من الرواديد والشعراء، إضافة إلى العمل المؤسّساتي المنظّم خصوصًا في السنوات الأخيرة.

ولأنّ النشاط كثيف في عموم المناطق، يعدّد باقر أشكال المُبادرات التي يشهدها الموسم العاشورائي في البحرين:
* حملات التبرع بالدم على حبّ الإمام الحسين (ع)، التي تغطّي حاجة بنك الدم في البحرين، وفي بعض الأحيان يُنقل الفائض إلى دول أخرى.
* المرسم الحسيني
* الفعاليات الخاصة بالأطفال
* المضيف الثقافي (تُوزّع فيه منشورات وأقراص مُدمجة تخصّ القضية الحسينية)
*مسابقات الشعر بمشاركة شعراء من داخل وخارج البحرين.
*المؤتمرات الفكرية بمشاركات من داخل وخارج البحرين.
*التغطية الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية.

عاشوراء البحرين.. منبر الحسين المُقدّس

من أشكال الإحياء: اللطم والطبخ على حبّ أبي عبد الله الحسين (ع)

 

 

البحرينعاشوراء_٢٠٢٤

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة