خاص العهد
رؤية ترامب في ولايته الثانية: توجهات جديدة في الشرق الأوسط ومواجهة الصين
أثار فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تساؤلات حول التوجّهات السياسية التي سيتبعها في ولايته الثانية، خصوصًا في مجال السياسة الخارجية، وأثر ذلك على منطقة الشرق الأوسط.
القاعدة الانعزالية.. المحرك الأساسي لفوز ترامب
الخبير بالشؤون الأميركية علي مراد رأى أن فوز ترامب لم يكن ليحدث دون دعم قوي من قاعدة جماهيرية أميركية كبيرة تُعرف بالقاعدة الانعزالية. هذه القاعدة تتمحور حول فكرة أساسية مفادها أن الولايات المتحدة يجب أن تتجنب التدخلات العسكرية في الخارج، وألا تتورط في حروب جديدة قد تكلفها خسائر بشرية واقتصادية.
وفي حديث لموقع العهد الإخباري أشار مراد إلى أن شعار "أميركا أولًا" الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية يعكس تمامًا هذا التوجّه، حيث يطالب مؤيدوه بأن تركز الولايات المتحدة على مشاكلها الداخلية، وأن تُعيد ترتيب أولوياتها بعيدًا عن التورط في النزاعات الدولية.
وأكد مراد أن هذه القاعدة تؤمن بأن تدخّلات الولايات المتحدة في مناطق مثل الشرق الأوسط قد أضرت بالمصالح الأميركية، سواء على الصعيد العسكري أو المالي. وبالتالي، يطالب هؤلاء ترامب، في حال فوزه بولاية ثانية، أن يلتزم بوعوده في عدم التورط في حروب جديدة، وهو ما كان قد التزم به إلى حدٍ ما في ولايته الأولى، رغم الضغوطات التي واجهها من بعض الأطراف داخل الدولة العميقة، مثل المحافظين الجدد.
سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط.. ملامح التغيير
من خلال مشهد الانتخابات الرئاسية والحملات الدعائية لترامب، أصبح من الواضح - وفق مراد - أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط في ولايته الجديدة ستكون مدفوعة بعدد من الأهداف الإستراتيجية التي تتماشى مع القاعدة الانعزالية، وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه ترامب في سعيه لتطبيق هذه السياسات، فإنه يبدو عازمًا على تجنب الانخراط في حروب إقليمية جديدة.
ولفت إلى أن إحدى النقاط التي أثارها ترامب خلال حملته الانتخابية كانت ضرورة إيقاف الحرب في أوكرانيا، حيث تعهد بإيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة، كما أعرب عن عزمه على الضغط من أجل السلام في المنطقة، وهي رؤية قد تكون أكثر مرونة مقارنة بسياسات سابقة.
ورأى مراد أن السلام في نظر ترامب لن يتحقق إلا من خلال عدد من الخطوات التي يمكن أن تشمل توقيع اتفاقيات تطبيع إضافية بين "إسرائيل" ودول عربية، وهو ما من شأنه أن يعزز تحالفات واشنطن في المنطقة دون الحاجة للتورط المباشر في الصراعات الإقليمية.
الأولوية لمواجهة الصين
بحسب مراد، فإنه على الرغم من أن الشرق الأوسط يشكّل منطقة حساسة للسياسة الأميركية، إلا أن هناك توجهًا متزايدًا في إدارة ترامب الثانية للتركيز على الصين باعتبارها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين. ويضيف مراد أن ترامب يتبنى إستراتيجية لمواجهة الصين على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية، حيث يعتبرها العدوّ الأول لأميركا. هذه السياسة ستؤثر بشكل غير مباشر على أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن ينخفض الاهتمام الأميركي بالصراعات الإقليمية لصالح تصعيد التوترات في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى.
التطبيع السعودي الإسرائيلي.. خطوة نحو السلام أم محرك لمزيد من التوترات؟
مراد أوضح أن أبرز القضايا التي سيتعين على ترامب التعامل معها في ولايته الثانية هي مسألة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل". وقد بدأت ملامح هذا التوجّه تتضح خلال الحملة الانتخابية، حيث دعا ترامب إلى تسريع مسار التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل"، مشيرًا إلى أن هذا التطبيع سيكون جزءًا أساسيًا من إستراتيجية السلام التي يروج لها.
وقال إن بعض المقربين من ترامب خرجوا بعد إعلان فوزه ليؤكدوا أن "السلام" الذي يتحدث عنه الرئيس يتضمن في المقام الأول وقفًا لإطلاق النار في الصراعات القائمة، مثل الحرب في غزّة ولبنان، ثمّ الدفع نحو توسيع دائرة التطبيع بين "إسرائيل" ودول عربية أخرى، وعلى رأسها السعودية. وهذا يعني أن مشروع التطبيع السعودي "الإسرائيلي" قد يكون من بين الأولويات على جدول أعمال الإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة.
موقف ترامب من الحروب الإقليمية وتوترات الشرق الأوسط
واعتقد الخبير بالشؤون الأميركية أن ترامب قد يظل ملتزمًا بدعم "إسرائيل" بشكل مستمر، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي أو الدبلوماسي. لكنه، في الوقت ذاته، سيعمل على تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تورط الولايات المتحدة في حرب إقليمية شاملة. هذا الموقف يذكّر بما حدث في ولايته الأولى، حيث تجنب تقديم الحماية المباشرة للسعودية بعد الهجمات على منشآتها النفطية من قبل أنصار الله، رغم الضغوط التي تعرض لها من بعض الحلفاء.
وتوقع أن يتبع ترامب في هذا السياق سياسة دعم "من بعيد"، حيث سيستمر في دعم الكيان "الإسرائيلي"، لكنّه لن يسمح له بجر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة في المنطقة. كما أن سياسة ترامب ستظل ترتكز على استخدام أدوات الضغط، مثل فرض العقوبات على إيران واستهداف صناعة النفط الإيرانية، وهو ما قد يساهم في تقليل التوترات في المنطقة، في الوقت الذي يسعى فيه إلى إعادة التفاوض مع طهران بشأن الاتفاق النووي.
سياسة ترامب في ولايته الثانية
مراد شدد في حديثه للعهد على أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في ولاية ترامب الثانية قد تشهد تحولًا ملحوظًا نحو إستراتيجية "أميركا أولًا"، مع التركيز على تجنب الحروب الإقليمية الجديدة وتعزيز التنافس مع الصين كأولوية إستراتيجية.
ورجّح مراد أن تستمر الضغوط على إيران، خاصة في ما يتعلق ببرنامجها النووي، وأن يتم تعزيز جهود التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية. لكن في المقابل، سيحاول ترامب الحفاظ على دعم "إسرائيل" دون الانجرار إلى صراعات إقليمية قد تؤثر سلبًا على مصالح بلاده.
وختم الخبير مراد حديثه لموقعنا قائلًا: "إن ترامب سيظل متمسكًا بفكرته الأساسية: أميركا أولًا، مع تجنب المشاركة في الحروب التي لا تصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي".
الولايات المتحدة الأميركيةدونالد ترامب