خاص العهد
مخاوف "موديز" بين التهويل والواقع
فاطمة سلامة
أصبح الحديث عن الوضع المالي والاقتصادي في لبنان أشبه بعمل روتيني. لا يكاد ينقضي يوم لا يُشار فيه الى دقّة الوضع وحراجته. المقالات والتقارير والتحقيقات والمقابلات ذات الطابع الاقتصادي تكاد لا تُفارق أجندة أي مؤسسة إعلامية. على سبيل المزاح يقول أحد الخبراء الاقتصاديين: مللنا التنقل بين الوسائل الاعلامية صبحاً وظهراً ومساءً. يرد عليه أحدهم مجاملاً بالقول: العهد عهدكم، استغلوه.
وفي خضم المقاربات والتحليلات الاقتصادية التي تُنذر بواقع سيئ يرزح تحته لبنان، ثمّة تقارير عالمية تعرب عن خشيتها من الأسواق اللبنانية وتبث تحذيراتها للمستثمرين بناء على مؤشرات محدّدة. وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" أصدرت تقريراً يتضمّن نظرتها المستقبلية للبنان، تُعرب فيه عن مخاوفها من احتمال تخلّف لبنان عن سداد ديونه، واضطراره لإعادة هيكلة الدَّين العام بناء على مؤشرات غير مشجّعة بنظرها كتباطؤ التدفقات وضعف نمو الودائع. فهل فعلاً يقف لبنان على حافة التخلف عن سداد ديونه وهيكلة الدين العام؟.
الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني يوضح أنّ تقرير "موديز" تحذيري، سبق أن قدّمه في بداية كانون الثاني 2019 أي قبل ستة أشهر. حينها تحدّث عن مخاطر الأوضاع الاقتصادية التي ذكرها في تقريره الحالي. ولكن ومع مرور كل هذه الأشهر أثبت لبنان أنه يمتلك القدرة على الصمود ومقومات الاستمرارية في سداد الدين، ما يؤكّد أنّ لبنان قادر حالياً على سداد دينه وليس بحاجة الى إعادة هيكلة.
وبالتالي لا داعي للقلق -بحسب وزني- الذي يُشير الى أنّ المصرف المركزي كان واضحاً في هذا الأمر وأعرب عن استعداده لسداد استحقاقاته من العملات الأجنبية البالغة حتى نهاية تشرين الثاني 2019 1.5 مليار دولار، كما أعلن عن قدرته على تسديد استحقاقات الدولة بالعملات الأجنبية لعام 2020 والبالغة 2.7 مليار دولار.
ويلفت وزني الى أن تقرير "موديز" الذي صدر مؤخراً والذي خفّض التصنيف الائتماني للبنان الى درجة (Caa1) ليس بجديد. فمنذ ستة أشهر تترقّب الوكالات العالمية الأوضاع اللبنانية وما سينتج عن مشروع موازنة عام 2019، حيث إن الأهم بنظرها يتمثّل بمدى التزام الحكومة بالعجز المقدّر وعدم تخطيه لا سيما أنّ التجارب عام 2018 أظهرت بوضوح أنّ العجز الفعلي يتجاوز العجز المقدّر بأكثر من 23 بالمئة. وبحسب "موديز" فإنّ الوضع الاقتصادي دقيق جداً وقد يتفاقم ويصل حد عدم سداد الديون، وهذا ما لا يراه وزني مطابقاً للواقع. بالنسبة اليه، صحيح أن الوضع دقيق إلا أنّ الأمور لن تصل الى هذا الحد بناء على مقومات يمتلكها لبنان تخوله الصمود.
وفيما يُشير المتحدّث الى أنّ تبعات تقرير "موديز" تبرز في الأسواق العالمية، حيث تتعالى التحذيرات من مخاطر الاستثمار في لبنان، يوضح أن أجواء القلق التي ظهرت عقب التقرير تبدّدت خلال أيام، خصوصاً أنّ لبنان أثبت سابقاً قدرته على الخروج من الأزمة الصعبة والدقيقة.
مؤشرات يستند إليها التقرير
التقرير الذي يشرح الوضع الموجود اقتصادياً ومالياً يتوقّف عند عدة مؤشرات يصفها بالمهمة لتخطي الوضع الصعب وهي:
1-إقرار موازنة عام 2019 في مجلس النواب مع الالتزام بنسبة العجز التي أقرتها الحكومة 7.59 بالمئة من الناتج المحلي، فبعض الوكالات تشكك في قدرة الحكومة على الالتزام بهذه النسبة وتقدّر العجز الفعلي بـ9 بالمئة.
2-نمو التدفقات المالية في البلد والتي تظهر حالياً تراجعاً في:
أ. العجز بميزان المدفوعات (3.3 مليار دولار)
ب. ضعف نمو القطاع المصرفي الذي لم يتجاوز الـ3 بالمئة
ج. مستوى العجز في الميزان التجاري (17 مليار دولار)
3- تراجع الاستثمارات في الأسواق الداخلية
يشدّد وزني على أنّ هذه المؤشرات غير مشجّعة بالنسبة لوكالات التصنيف العالمية، فتراجع التدفقات المالية بنظرهم ينعكس تلقائياً على قدرة مصرف لبنان على الحفاظ على الاستقرار النقدي، وسداد ديونه، ومن هذا المنطلق لجأت "موديز" الى بث التحذيرات من مخاطر الاستثمار في لبنان، الأمر الذي انعكس تلقائياً على زيادة معدلات الفوائد، وبالتالي ارتفاع خدمة الدين العام، لتتبدّد لاحقاً كل هذه المخاوف بعدما أعلن مصرف لبنان جهوزيته لسداد الدين والمستحقات.