على العهد يا قدس

خاص العهد

الفوسفور الأبيض مجددًا في الجنوب: عدوانٌ بيئي يُضاف إلى سجلّ الجرائم الصهيونية
12/04/2025

الفوسفور الأبيض مجددًا في الجنوب: عدوانٌ بيئي يُضاف إلى سجلّ الجرائم الصهيونية

في وقتٍ تتكشّف فيه تباعًا فصول العدوان "الإسرائيلي" الأخير على جنوب لبنان، تُجمع التقارير الصادرة عن مؤسسات علمية وبيئية محلية ودولية على خطورة ما ارتُكب من جرائم موصوفة بحق البيئة والحياة الطبيعية، لا سيما مع توثيق استخدام العدو الصهيوني لسلاح الفوسفور الأبيض في نطاق واسع من الأراضي اللبنانية.

وقد كشف المجلس الوطني للبحوث العلمية، وهو هيئة حكومية لبنانية مختصة، أن جيش الاحتلال استخدم هذا السلاح المحرَّم دوليًا، خلال المواجهات الأخيرة، وبشكل كثيف، ما أسفر عن احتراق وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والحرجية، قُدّرت بأكثر من 10 كيلومترات مربعة، بينها مساحات كبيرة من بساتين الزيتون التي تُعد موردًا أساسيًا للعيش في القرى الجنوبية.

في غضون ذلك، أعلنت وزيرة البيئة تمارا الزين أن الوزارة باشرت العمل لإعداد تقرير حول الأثر البيئي للعدوان الصهيوني، بالتعاون مع عدة جهات، لضمّه إلى شكوى ستتقدم بها وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن ضد "إسرائيل"، وذلك خلال جلسة لجنة البيئة النيابية التي عقدت يوم الخميس 10 نيسان/أبريل 2025.

284 قذيفة فوسفورية... في عامٍ من النار والدخان

في تقريره الصادر بتاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أكد المجلس الوطني أن الاحتلال أطلق ما لا يقل عن 284 قذيفة فوسفورية في الفترة الممتدة من 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

كما بيّن التقرير الذي يستند إلى عمليات رصد ميدانية وتحاليل مخبرية دقيقة، أن هذا الاستخدام كان ممنهجًا ومتكررًا، طاول محميات طبيعية، وأراضيَ زراعية، ومناطق مأهولة بالسكان.

وفي السياق ذاته، أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن الحرب أدت إلى احتراق ما يزيد على 47 ألف شجرة زيتون، ونفوق أعداد كبيرة من الحيوانات والطيور والأسماك، إلى جانب تأثيرات طويلة المدى في خصوبة التربة ودرجة حموضتها.

خسائر مادية... وتداعيات وجودية

التقارير الصادرة عن وزارة البيئة اللبنانية بالتعاون مع البنك الدولي والمجلس الوطني، حدّدت حجم الأضرار الناجمة عن العدوان "الإسرائيلي" الأخير بما يزيد على 6.8 مليار دولار، كان النصيب الأكبر منها للوحدات السكنية، تلتها الأضرار البيئية والزراعية التي تُعد من الأصعب تعويضًا.

وقد أشار وزير البيئة اللبناني السابق، الدكتور ناصر ياسين، إلى أن مساحة الأراضي المتضررة باستخدام الفوسفور الأبيض فقط، بلغت 5745 هكتارًا، أي ما يفوق أربعة أضعاف المساحة التي احترقت في كل لبنان خلال السنوات الماضية مجتمعة.

إبادة بيئية موصوفة

لا تقتصر الخسائر التي لحقت بجنوب لبنان على البُعد الزراعي فحسب، بل تشمل أيضًا ما يمكن وصفه بـ"النكبة البيئية"، حيث طاولت النيران مناطق حرجيّة غنية بالتنوع البيولوجي، من بينها الناقورة، كفرشوبا، سهل الوزاني، ومحيط شبعا.

وشملت الأضرار موائل حيوانات نادرة مثل الضبع المخطط، وابن آوى، والثعلب الأحمر، والوبر الصخري، إلى جانب عشرات الأنواع من الطيور المقيمة والمهاجرة.

تلوّث التربة والمياه: القصة لم تنتهِ بعد

وكانت قد وثّقت وزارة البيئة وجود مؤشرات على تسمم مباشر في النباتات، اختلال في عناصر التربة، نقاط ساخنة لتراكم الفوسفور، وتثبيت الفوسفور في الطبقات العلوية، مما يؤدي إلى اختلالات خطيرة في الدورة الزراعية والبيئية، تتطلب سنوات من المعالجة الدقيقة والتدخلات الموضعية المكلفة.

الرد المطلوب: بيئيًا، قانونيًا، وإنسانيًا

إن استخدام الفوسفور الأبيض بهذا الشكل، يضع الكيان الصهيوني مجددًا في دائرة الاتهام المباشر بارتكاب جرائم حرب، ويُحمّله مسؤولية قانونية وأخلاقية أمام المجتمع الدولي. وهو ما يستدعي تحركًا لبنانيًا رسميًا وشعبيًا منسقًا، باتجاه المطالبة بمحاسبة المعتدي، وتوفير الدعم الدولي لإعادة التأهيل البيئي، وردم آثار العدوان.

جنوب لبنان الذي واجه الاحتلال لعقود بصموده وتضحيات أبنائه، يواجه اليوم معركة جديدة من نوع آخر: معركة الحياة في وجه التدمير البيئي، ومعركة الأرض في وجه محاولات الاقتلاع.

البيئةالعدوان الإسرائيلي على لبنان 2024

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة