خاص العهد
إعلاميون على الجبهة.. ماذا بين انتصاري تموز والجرود؟
علي ابراهيم مطر
تحول الإعلام إلى أقوى الأسلحة في عصرنا الحديث. أصبح جزءًا لا يتجزأ من آلة الحرب المعاصرة، كونه قادر على صناعة الأفكار وتسويق الإيدولوجيات وتظهير الإنتصارات. باتت الآلة الإعلامية هامة لدرجة أنها شلت قدرة قطاع كبير من الجمهور عن النظر بموضوعية. إذ استخدمت اسلوب التدفق السريع للأخبار والمعلومات والتحليلات سواء كانت صحيحة أم كاذبة. وقد زاد خطر هذا السلاح مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وصعودها بسرعة.
هذه المنظومة الإعلامية لها دور مفصلي في تغطية الحروب. في عدوان تموز 2006 مثلاً، كانت جزءًا أساسيًا في إظهار انتصار المقاومة على العدو الإسرائيلي، وكذلك كان لها دور كبير خلال فترة الحرب في سوريا. وانعكست وسائل التواصل الإجتماعي تطوراً على التغطية الإعلامية، فكانت الحرب الإعلامية أساسية جداً في الحرب السورية، فمن كان يشاهد بعض القنوات الإعلامية كالجزيرة والعربية كان يظن أن سوريا قد سقطت، وأما الحقيقة على الواقع فقد كانت مختلفة جداً، ولا شك أن التجربتين الإعلاميتين بين حرب تموز 2006 والحرب على سوريا منذ عام 2011 كانتا مختلفتين، وهذا ما يشرحه لنا مراسلون شاركوا في التغطية الإعلامية في هاتين الحربين.
لا شك أن التجربة الإعلامية بين الحرب مع العدو الإسرائيلي، وبين الحرب مع الجماعات التكفيرية، قد اختلفت. يشير الإعلامي ضياء ابو طعام مراسل قناة "المنار" في هذا الصدد إلى أن "التجربة تختلف بين الساحتين، باختلاف المنطقة والبيئة، في سوريا كانت الحركة بطئية نتيجة عدم معرفة المنطقة، وفيها نوع من الحذر أكثر ودائماً يجب أن تكون مع فريق معين كمجموعات قتالية او سكان المنطقة او مراسلين موجودين".
وفي حديثه لـ"العهد"، يوضح ابو طعام أن "الوضع في الجنوب كان مختلفاً، فالتغطية غالباً ما كانت فردية حيث يوجد المراسل والمصور فقط، وقد مرت أيام في حرب تموز كنت فيها وحيداً في منطقة قعقعية الجسر حيث قمت بالتغطية الاعلامية لوحدي"، وهنا يستدرك ليقول إن "الانفتاح على واقع عمليات جديد يُكسب المراسل خبرة أكبر، ويتعامل مع تحديات جديدة تسمح بتطوير آدائه المهني بشكل كبير".
عوامل أخرى يتحدث عنها ابوطعام من بينها تطور قدرة المقاومة "فهذه التغطية تختلف حيث القدرات المختلفة تطورت أيضاً" يجزم أبو طعام، لافتًا الى أن "حجم الفارق بقوة المقاومة بين 2006 و2012 كان واضحاً، حيث شهدنا نوعاً من القتال للمقاومة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقاس بالسنوات السابقة، وكان واضحاً أن المقاومة طورت أداءها بشكل كبير جداً من حيث العدة والعديد والمهارات والخبرة والقوة".
لا شك أن هناك أهمية فائقة لدخول وسائل التواصل الاجتماعي على خط العملية الإعلامية، وهذا ما يؤكده ابو طعام الذي يرى ان "الفارق كان كبيرًا جدًا بالنسبة للوسائل الاعلامية المستخدمة بين 2006 و2012 وصعوداً. عام 2006 كانت ادوات الاتصال الجديد في بداياتها الاولى حيث كان استخدام الانترنت محصوراً في الايميل، ولم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي، وكانت تكلفة الانترنت عالية جداً كما أن سعة المواد المنتجة من فيديوهات وصوتيات كان من الصعب ارسالها، وكان الاسلوب الوحيد المعتمد هو عبر صحون الاقمار الصناعية التي كانت تكشفها طائرات التجسس ما يولد صعوبات كبيرة جداً، وكان هناك شح كبير جداً في ارسال المواد البصرية".
يبيّن ابو طعام أنه "في سوريا اختلف الموضوع جداً حيث ساعدت وسائل التواصل على ارسال المواد التي نريد وبسهولة، وعلى بث التقارير كاملة من المكان من دون اي صعوبات، وكنا نقوم بنقل مباشر للحظات الدخول إلى المواقع من خلال الهاتف، وهذا ساعد على دحض الاشاعات والاكاذيب التي يطلقها العدو".
ما يقوله مراسل "المنار" الإعلامي محمد قازان، يتقاطع مع رؤية ابو طعام حول التغطية الإعلامية وفوارقها بين حرب تموز 2006 والحرب في سوريا. يقول قازان في حديثه لـ"العهد" "في حرب تموز، كنا نتعرض للقصف من خلال الطيران الاسرائيلي والمدفعية، أما في سوريا حيث كنت موجوداً في القصير والزبداني والجرود كان يتم التنسيق مع قيادة العمليات في المقاومة ومع الاعلام الحربي حيث كانت هناك جهة تؤمن لنا حركتنا وتغطيتنا لكن كان الخطر يكمن في العبوات الناسفة والقنص والقذائف المدفعية".
وحول أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، يشير قازان الى ان "استخدامها بالنسبة لي كان أساسيًا منذ حرب الموصل في العراق، حيث كنا في منطقة صحراوية وبحاجة كبيرة للانترنت وذلك لتعويض الغياب عن الأقمار الاصطناعية، وكذلك في حرب الجرود بمواجهة جبهة "النصرة" و"داعش"، فعوضت وسائل الاعلام الجديد عن حجب قناة المنار عن الاقمار الاصطناعية على عكس حرب تموز حيث كنا نستخدم أجهزة البث دومًا، وهو ما كان يعرضنا للكشف من قبل طائرات التجسس للعدو الاسرائيلي".
الإعلامية في قناة الجديد نانسي السبع، تشير في حديثها للعهد حول تجربتها إلى أنها "كانت مراسلة في كل ايام العدوان على تخوم الضاحية الجنوبية وداخلها، كانت الأساليب صعبة جداً في السابق لإيصال الرسائل إلى الجمهور، حيث لم يكن هناك وسائل الإعلام الجديد، ولم يكن هناك تفاعل كما يحصل اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
تؤكد السبع أن أجمل ما شهدته خلال حرب تموز هو عودة الناس بعد انتهاء العدوان مباشرة إلى الضاحية، وتقول "دخلت في الصباح بتمام الساعة السابعة الى الضاحية كمراسلة، وكان تواجد الناس كثيفًا، كانوا قد بدؤوا بالعودة لرؤية بيوتهم". وتعتبر السبع أن "العمل الصحافي اليوم أصبح يعتمد بشكل أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر منه على العمل الصحافي التقليدي، على عكس ما كنا نشهده في السابق،ففي حرب تموز كان العمل دقيقًا أكثر، وكان عملنا وطنياً لا يبحث عن الشهرة كما يحصل اليوم من خلال هذه المواقع".
من ناحيتها، تقول الإعلامية هدى شديد المراسلة في قناة "lbc" لـ"العهد" في معرض شهادتها "في حرب تموز كنت اعمل في محطة عربية ، وفِي حرب تموز كانت كل الدول العربية والشعوب العربية تنتظر الانتصار لكل العرب من لبنان من جنوب لبنان وهذا ما ساعد كثيراً المراسل واعطاه مقومات تظهير هذا الانتصار المنتظر بتغطية يوميات هذه الحرب، كيف واجهها أهل الجنوب وكيف تحدوا الطيران والغارات واعتى سلاح وظلوا يراهنون على الانتصار الى ان تحقق لهم ذلك على عدو هو من الاشرس في القتال والغدر ".
توضح شديد أنه "في الحرب ضد الجماعات الإرهابية اختلف الوضع كلياً، فكان هناك إجماع على ضرورة مواجهة المجموعات الإرهابية وتظهير ذلك إعلامياً، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملًا داعمًا وهامًا جداً لنا في هذه التغطية، وكان كل البلد منخرط في مواجهة إرهاب داعش والنصرة، وكانت تجربة مهمة جداً تعني لي الكثير لأنني عشتها بفخر نتيجة أهمية هذه التغطية للحرب والانتصار وتحرير الجرود".
كما في الميدان كذلك في الاعلام، الجبهات دومًا مفتوحة على مصراعيها، بين ميدان الحق من جهة والباطل من جهة ثانية، وعلى عاتق الاعلاميين تُلقى مسؤولية تظهير الحق ونصرته.. ومواكبة الانتصارات.