معركة أولي البأس

مقالات مختارة

03/03/2021

"بيقبضوا بالدولار"‎

كتبت الزميلة ليلى عماشا في "شاهد نيوز"

يتحرّك الدولار صعودًا، ومعه تعود نغمة "بيقبضوا بالدولار" إلى أعلى سلّم التداول في صفوف جمهور يفترض أنّه بهذه الطريقة يؤدي دوره في التصويب على طرف واحد هو حزب الله وتحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يحزّ لحمنا جميعًا..

معتمدو النغمة المذكورة أعلاه أنواع، وعلى سلّم المحمل الحسن، هم على درجات متفاوتة تتراوح ما بين الحقد وتعمّد التضليل (لسبب ما)، وبين التكرار الببغائي لتفاهة تحصد إعجابات افتراضية، وما بين الطرفين يمكن للردّ أن يكون واحدًا، ففي زمن الحروب، لا فرق بين من يرميك بسهامه حقدًا وبين من يرمي عليك جهلًا منه بحقيقتك.. صحيح أنّ الراميين لن يصيبا منك شيئًا، ولن يلوّث غبار سهامهما أبيض ثوبك وطهر كفّك، لكن لا بأس بإخبار الجاهل بما قد يجهله، على سبيل رفع حجة الجهل عنه وتشجيعه على حسم موقعه بين الحقد وبين ردّ ألسنة اللئام عن الطاهرين.
أولًا، يدفع حزب الله البدلات المالية للعناصر المتفرغين، تمامًا كما في كلّ الأحزاب سواء تمّت تسميتها بالرواتب أو الأجور أو المخصّصات الحزبية. مصدر هذه البدلات ليس خزينة الدولة طبعًا، وهي لا تُؤخذ من درب أحدٍ في إطار الدورة الاقتصادية والمالية في لبنان، على العكس هي تدخلها عبر الأسواق والحياة اليومية فتدعمها دون أن يكون لها أي دور وظيفي أو حتى ظرفيّ في أصل حركتها صعودًا أو هبوطًا.
وبالتالي هي لا تحمل أيّ نسبة ولو ضئيلة من وزر انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار، وتحمل بالمقابل نسبة جيّدة من المساهمة بخفض ضئيل لسعر الدولار حين تدخل إلى سوق التداول وإلى الدورة التجارية.

ثانيًا، إن مقولة "بيقبضوا بالدولار" التي صار يُرمى بها حتى مناصرو حزب الله تحمل كمًّا من الافتراء الموجّه والواضح المعالم.. فمن جهة، ليس كلّ أفراد حزب الله هم من المتفرّغين للعمل الحزبي، بل ان غالبية أفراد حزب الله هم جزء من دورة الحياة الاقتصادية اللبنانية الذين يتقاضون بدل اتعابهم من هذه الدورة (أي بالليرة اللبنانية) لأنهم غير متفرغين في الحزب، ويتأثرون بضعف الليرة وتراجع القدرة الشرائية، حتى أنه داخل الكثير من المؤسسات القريبة من حزب الله كالمدارس والمسشتفيات والمؤسسات الأخرى تُدفع رواتب العاملين فيها بالليرة اللبنانية وفقاً لأنظمة السوق المحلية، وعلى هذا الأساس فإن الغالبية العظمى من مناصري حزب الله وأفراده لا يتلقون رواتبهم بالعملة الاجنبية بل بالليرة اللبنانية بخلاف ما تحاول الحملة المغرضة إظهاره. ومن جهة أخرى، "القبض بالدولار" ليس حالة فريدة في لبنان، تمامًا كما التسعير بالدولار. فموظّفو الشركات الأجنبية يقبضون بالدولار، وكذلك موظّفو السفارات (وأدواتها ومخبروها)، كما أن العديد من المؤسسات اللبنانية الخاصة تدفع رواتب موظفيها وعمالها بالدولار..
الادهى من ذلك ان هناك عدداً من الموظفين يقبضون بالدولار على حساب الشعب اللبناني من القروض التي تسددها خزينة الدولة من حساب الشعب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن المستشارين الذين ينتدبهم البنك الدولي والـ UNDP إلى بعض الوزارات والمؤسسات الدولية يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية من ضمن القروض الدولية المستحقة على لبنان، وهنا يمكن للمواطن أن يسدد سهامه إلى هذه الجهات وليس إلى الطرف الذي يزود السوق المحلية بالعملة الصعبة ويساهم في الحركة الاقتصادية.
 وبالتالي، طالما أنّ النغمة إيّاها لا تُوجّه الا ضدّ حزب الله يصبح التوجّس حيال مطلقيها والمكرّرين لها مشروعًا ويصبح السؤال عن مصدر إلهامهم التلحينيّ هذا وحقيقة واضعها والمستفيد من التسويق لها واردًا وبشدّة.

ثالثًا، بدأت مقدّمات هذه النغمة الرخيصة مع وصول جثامين أوائل الشهداء من سوريا: "يقاتلون من أجل ٥٠٠$ ( أي حوالي 750 ألف ليرة  حينها"، ومن باب الحط من قيمة المبلغ المتدني نفسه.. جميعنا يتذكّر الجرح البليغ الذي شقّ قلوب اللبنانيين فيما كان داعشيّ حاقد يهمّ بذبح الشهيد "ذو الفقار عزّ الدين". قال له اللعين: "جايي كرمال ٥٠٠$". منذ ذلك الحين، عجز الكثيرون، لنقص في القدرات العقلية أو نقص في الشرف، عن فهم دوافع رجال الله التي حملتهم من على مقاعدهم الدراسية والجامعية ومن مكاتبهم الوظيفية ومن مشاريعهم البسيطة ومن دفء عائلاتهم ومن ضمّات أولادهم إلى جبهات القتال، غير عابئين بالوضع المادي التعيس الذي كانوا يعانون منه، ومَن عرَف الدوافع الأخلاقية والإنسانية والعقائدية النبيلة السامية، ثمّ سمحت له أخلاقه وانسانيته وعقيدته أيًّا تكن أن يكرّر ولو مزاحًا ما قاله ذبّاح داعشيّ فأخلاقه مشوّهة وانسانيته كاذبة وحتمًا يحتاج وبشكل طارىء إلى إعادة النظر في عقيدته وفي سلّمه القيميّ.

رابعًا وأخيرًا، منذ بداية ارتفاع سعر الدولار، قام الكثيرون من رجال حزب الله، الذين "بيقبضوا بالدولار" بمساهمات "فردية وطوعية"، كلّ في المكان والإطار الذي يراه مناسبًا في سبيل مساعدة مَن يحيطون بهم على تأمين كفاف العيش.. وإن لم يرفقوا ذلك بكاميرات تصوّر ومحطات إعلامية أو منصات تواصلية تغطّي "الحدث" أو "بتربيح جميلة" للآخرين، فذلك لاعتبارات عديدة منها أنّهم أهل صدقة السرّ ومنها أنّهم بذلوا ويبذلون الأغلى بكثير من المال حبًّا بالله وبالحقّ ولا يريدون "جزاءً ولا شكورًا"، ومنها أنّهم أهل حياء جميل، يستحون أن يسمحوا لعين أن ترى حاجة "بيت مستور" أو كسرة قلب "فقير متعفّف".

عبارة "بيقبضوا بالدولار" هي التكملة الطبيعية لمقولة "بيقاتلوا عشان ٥٠٠$"، وهي ترجمة للحقد، طالما أن معيار الجهل يسقط عند التوضيح الأول، وهي مساهمة مجانية يقوم من خلالها التافهون بمحاولة تضليل الناس عبر طمس بصمات السارق الحقيقيّ فيسهل كيل الاتهامات للأبرياء.. هي افتراء علنيّ واستخفاف بالعقول وعبث بالحقائق.. هي عبارة "داعشيّة" مهما تغيّر ثوب قائلها أو شعاره.

الدولار

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة