معركة أولي البأس

مقالات مختارة

فلسطين على أبواب الانتفاضة
11/05/2021

فلسطين على أبواب الانتفاضة

محمد عايش - القدس العربي

الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت القدس المحتلة، خلال الأيام القليلة الماضية هي الأخطر والأكبر على الإطلاق، منذ جريمة إحراق المسجد الأقصى في عام 1969، بل ربما يكون الحريق أقل خطورة، بسبب أنه مرتكبه كان مستوطنا قيل لنا وللعالم بأنه مجنون، بينما ما حدث في اليومين الماضيين، هو أن الجيش الإسرائيلي، وبقرار سياسي وأمني اقتحم الحرم الشريف وارتكب الجرائم.

الأحداث الأخيرة في مدينة القدس، أعادت إلى الأذهان أجواء انتفاضة الأقصى الكبرى، التي اندلعت في عام ألفين واستمرت لسنوات لاحقة، وكانت رداً على اقتحام السفاح أرييل شارون باحات الحرم القدسي الشريف، وهو الاقتحام الذي تصدى له الفلسطينيون في المسجد، وسرعان ما تحول إلى انتفاضة شاملة كانت تهدف إلى ردع الاحتلال عن أي اعتداء يستهدف الأقصى.

ما حدث خلال اليومين الماضيين، أخطر بكثير من اقتحام شارون للحرم، فشارون حينها كان زعيم المعارضة الإسرائيلية، أما اليوم فقوات الاحتلال ترتكب الجرائم في القدس بقرار من تل أبيب، أي أنها تقوم بارتكاب جريمة دولة منظمة تستهدف أماكن للعبادة، ومدنيين آمنين يؤدون الصلاة في العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك.

في حين يأتي استهداف الأقصى متزامنا مع أكبر عملية تهجير جماعي للفلسطينيين تشهدها المدينة وهي محاولة إخلاء 28 عائلة من حي الشيخ جراح القريب من الأقصى.

التصعيد الإسرائيلي والاستيطاني الأخير في القدس يجعل الانتفاضة الشاملة قاب قوسين أو أدنى، خاصة مع التحركات المهمة التي شهدتها الضفة الغربية وقطاع غزة، والتضامن الواسع في الشارع العربي.

وحتى إذا لم يتحول المشهد إلى انتفاضة شاملة، فإن المؤكد هو أن أحداث القدس الراهنة ستكون محطة فاصلة ومهمة في التاريخ الفلسطيني، ولا شك في أن ما بعدها ليس كما قبلها.

أما لماذا تُشكل هذه الانتفاضة محطة فاصلة بالغة الأهمية فالجواب في ما يلي:

أولاً: أعادت هذه الانتفاضة الوحدة إلى الشارع الفلسطيني، وفي حال توسعت إلى انتفاضة شاملة، فهذا سيعني انتهاء الانقسام بشكل شبه كامل بين حركتي فتح وحماس، وإنهاء الانفصال بين الضفة وغزة، والعودة للالتحام مع الشارع، بفعل الأمر الواقع وليس بموجب محادثات واتفاقات بين الفصائل.

ثانياً: كشفت هذه الانتفاضة ظهور جيل جديد من الشباب الملتحمين مع قضية فلسطين، وظهور هذا الجيل يشكل فشلا استراتيجيا للمشروع الصهيوني برمته، الذي كان يريد «خلق فلسطيني جديد» لا يكترث بالاحتلال، ولا يهتم سوى بتحسين ظروفه المعيشية والحياتية.

ثالثا: الظاهرة الأهم في «انتفاضة ليلة القدر» هي التفاعل غير المتوقع من جانب الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وحجم الالتحام والتضحية والإيمان بالقدس والمسجد الأقصى من جانبهم، خاصة الشباب، وهذا يؤكد أن أكثر من 70 عاماً من السياسات الإسرائيلية الرامية إلى طمس هوية هؤلاء، وسلخهم عن فلسطين فشلت فشلاً ذريعاً.

إذ كان الاحتلال يريد أن يجعل من هؤلاء الفلسطينيين «أقلية تعيش في دولة إسرائيل» وإذا بهم يُظهرون الانتماء الكامل لفلسطين، والالتفاف حول القدس، وهو ما يُشكل فشلا استراتيجياً مهما لمشروع الدولة العبرية.

رابعاً: التصدي الفلسطيني لمحاولات غزو المستوطنين للمسجد الأقصى، يبعث رسالة بالغة الأهمية للاحتلال مفادها، أن فرض واقع جديد على المقدسات (بما في ذلك التقسيم المكاني أو الزماني أو كلاهما) لا يمكن أن يتم ولا أن يمرّ من دون ثمن، وأن أي تغيير يتعلق بالحرم القدسي الشريف والأوقاف الإسلامية والمسيحية والأماكن الدينية، سوف يعني مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، وهذه المواجهة ستكون مكلفة بكل الأحوال.

والخلاصة هي أن «انتفاضة ليلة القدر» أو «انتفاضة القدس» إنما هي محطة مهمة في تاريخ شعب فلسطين، ربما تتحول سريعاً إلى انتفاضة شاملة تعيد ترتيب وإنتاج المشروع الوطني الفلسطيني، وتعيد صياغة وظيفة السلطة، وتستدعي الفصائل وتستنفرها، وتنهي الانقسام الداخلي، بدءاً من الشارع، لأن المصالحة هي إحدى ضرورات المواجهة. وحتى إن لم يتحول المشهد إلى الانتفاضة الشاملة، فإن ما تحقق من إنجاز في القدس والأقصى تُرفع له القبعات.

القدس المحتلة

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة