مقالات مختارة
إلى الحرب الباردة
ابراهيم الأمين
لأكثر من عقدين، أوغل الغرب الاستعماري دماراً وتفتيتاً في بلادنا، وأنجز فصولاً كبيرة من مشروعه بأيد عربية، وبإشراف وتمويل وإدارة أنظمة وحكومات عربية، وبترويج وتعبئة عبر وسائل إعلام عربية. وقبل كثيرون من العرب أن يكونوا وقوداً لهذه الحرب قبل أن يتحولوا إلى حطامها.
لم تعرف الأمة العربية هذا القدر من الأحقاد والحروب الدموية كالتي عاشتها بلداننا خلال الـ15 سنة الماضية. لم يبق بلد عربي خارج الانقسامات والاستقطابات. لم تعد مصر مرجعية يركن إليها، وفقدت السعودية، كما إمارات الخليج، دور "شيخ الصلح" واشتعلت النار بسوريا والعراق حتى صارت نكبتاهما تنافسان نكبة فلسطين المقهورة، ونالت حروب القبائل من استقرار شمال أفريقيا، بينما أنفقت عشرات المليارات لتدمير بقايا دولة في اليمن.
ما نشهده اليوم من انفراجات، لا يمكن اعتباره نهاية الحروب العربية ـــ العربية، بل هو إعلان عن فشل المشروع الخاضع للهيمنة الأميركية في إخضاع دول كثيرة. وهو فشل لا نعرف إن كان المعنيون فيه قد بدأوا مراجعة حقيقية، أم أنهم يعملون وفق العقل الغربي الذي يبحث عن أسلحة جديدة لاستخدامها من أجل تحقيق الأهداف ذاتها... وهو المرجح!
عملياً، ينتقل العرب والمنطقة من مرحلة الحروب الساخنة والدموية، إلى مرحلة الحروب الباردة، يستخدم فيها أنصار الغرب أسلحتهم الاقتصادية والمالية وقواهم الناعمة. وكل التفاصيل المتعلقة بالاتصالات والمفاوضات والمصالحات، تؤكد على هذه الوجهة، وهو ما يدفع أهل الأرض إلى مزيد من الحذر.
غداً، سنسمع كلاماً عن الصفح والعفو والغفران. والمزيد من الدعوات إلى التخلي عن مبادئ أساسية بحجة حاجة السعودية إلى تنمية ملحة، تتطلب استقراراً واسعاً. وهي شعارات لا تستهدف ترك الشعوب تقرر مصيرها بيدها، بل هي دعوات لربط الإعمار والازدهار بمشروع هو، في حقيقته، نفس المشروع الذي فشل في فرض نفسه بقوة النار.
لقد حاولت ماكينة القوى والدول التي تتحمل مسؤولية مباشرة عن تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا، رشوة شعوبنا بمكرمة وقف الحرب القذرة، وهي تريد إقناعنا بأنها ستمدنا بمكرمات إضافية لإعمار ما تقول إنه ناجم عن حروب أهلية. هكذا يقول كثيرون عن الذي جرى في سوريا، وهكذا يقولون عن الذي يجري في اليمن. يريد هؤلاء تحميل شعوب هذه الدول مسؤولية كاملة عن الدمار الحاصل. ويريدون لنا أن نشكرهم إن هبوا لنجدتنا ببعض الأموال.
وإذا كنا ننشد الاستقرار والراحة والإعمار والازدهار، فذلك لا يعني أننا نقر بمعادلاتهم، وعلينا، كل الوقت، تذكيرهم بالمسؤولية الأساسية عن كل المصائب التي حلت بنا، وبناء جبهة جديدة، عنوانها مواجهة التبعية المعروضة علينا باسم الإعمار والإنماء. ووسط هذا الضباب الكثيف، سنجد أنفسنا أمام فصل جديد من الحرب المستمرة لطمس قضية فلسطين، ومحو كل فكرة حول التحرر الوطني.
كل التعب الظاهر على وجوه الشعوب المتعبة، بسبب الاستعمار والاحتلال، أو بسبب الفساد والاستبداد، لا يجب أن يحجب عنا صورة الثابت الوحيد. صورة العدو الأميركي المسؤول عن كل كوارث العالم، وهو العدو الذي لن يستقيم العالم ما لم يدفع ثمن جرائمه ومنعه من النمو!
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
20/11/2024
في بيتنا من يتبنّى فهم العدو للقرار 1701!
19/11/2024
محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024
شهادة رجل شجاع
13/11/2024
في أربعين السيّد هاشم صفي الدين
07/11/2024