معركة أولي البأس

مقالات مختارة

العدوّ يدخل إلى «المستنقع»: تقدّم بطيء... نزف متسارع... و«نصر» بعيد
01/11/2023

العدوّ يدخل إلى «المستنقع»: تقدّم بطيء... نزف متسارع... و«نصر» بعيد

يوسف فارس- صحيفة "الأخبار"

غزة | لم يتقبّل الاحتلال زخم التصدّي الذي واكبت به المقاومة هجومه البرّي الموسّع، فعمد، مساء أمس، إلى رفع «تكلفة» ما يعتبره إنجازاً ميدانياً للأخيرة، من خلال ارتكاب ثلاث مجازر مروّعة، بشكل متزامن، طاولت مخيم جباليا ومخيم الشاطئ ومخيم النصيرات. هكذا، دفعت التكلفة البشرية العالية للعملية البرية، جيش العدو، إلى انتهاج سياسة الانتقام وتدفيع الثمن، بتنفيذ المجزرة الأكبر في «بلوك 6» في مخيم جباليا، حيث قصف مربّعاً سكنياً مشيّدة بيوته من الصفيح، بـ6 قنابل زنة الواحدة منها 1000 كيلوغرام، ما تسبّب بإصابة واستشهاد أكثر من 400 مواطن. كما قصف برج المهندسين في «بلوك 2» في مخيم النصيرات، والذي يحوي 24 شقة سكنية على رؤوس قاطنيه، توازياً مع ارتكابه مجزرة أخرى في مخيم الشاطئ.

ومنذ الواحدة فجراً من يوم الثلاثاء، خاضت فصائل المقاومة، ولا سيما «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، العشرات من المعارك على مختلف محاور القتال، ليبلغ مجموع ما دمّرته من آليات وعربات عسكرية، 15. كما تمكّنت من تنفيذ كمين محكم في محور شرقي مدينة بيت حانون، حيث كمن العشرات من المقاومين في إحدى البنايات في انتظار قوة إسرائيلية خاصة، واستطاعوا الإجهاز على جميع جنودها. وبخصوص محور معبر «إيرز» المحاذي لمدينة بيت حانون، نشرت «القسام» مشاهد عالية الجودة، تمّ تصويرها بواسطة كاميرتيْن، إحداهما من الجو، أظهرت لحظة خروج عدد من مقاوميها من نفق خلف خطوط العدو، ومباغتتهم العشرات من الجنود والآليات، بقذائف «الياسين 105» والأسلحة الرشاشة.

على أن المحور الأكثر خطورة في شمال غزة، تمثّل في المناطق الغربية من أحياء الكرامة والتوام والعامودي، حيث تقدّمت العشرات من الدبابات تحت غطاء شديد الكثافة من القذائف المدفعية وصواريخ الطائرات المُسيّرة، وعبرت لأكثر من خمسة كيلومترات بمحاذاة الكتلة العمرانية، قبل أن يخوض معها مقاتلو «القسام» اشتباكات وجهاً لوجه، ويتمكّنوا من تدمير آليتين وقتل جندي من مسافة صفر. هكذا، كان يوم أمس الأكثر سخونة منذ بداية الحرب، إذ يمهّد الدخول الحالي - في حال استطاع جيش الاحتلال تثبيت قواته -، لتوسيع الهجوم على مساحة سيادية في عمق مناطق شمال غزة، وهي أحياء الشيخ رضوان والنصر والصفطاوي والأمن العام. على أن هذا السيناريو، دونه ما تظهره المقاومة حتى اللحظة من أداء ميداني شديد الزخم، حيث استطاعت تلك الديناميكية تجاوز كثافة الغارات الجوية والقصف المدفعي، الذي سجّل في ذروة ساعات الهجوم أكثر من 10 غارات في خلال كلّ دقيقة، في ما يؤشّر إلى أن تعداد الآليات التي تشارك في الهجوم على ذلك المحور يتجاوز الخمسين دبابة.

لا يمكن الحكم على مدى قدرة جيش العدو على تثبيت قواته في النقاط التي تقدّم إليها، في ظلّ الضغط الميداني الذي تمارسه المقاومة

وفي محور شرقي حي الزيتون، والذي يطمح جيش العدو بعبوره إلى عزل مدينة غزة وشمالها عن وسطها وجنوبها، واصل المقاومون حتى الساعة الـ5 والنصف من مساء أمس، تنفيذ عمليات الالتحام المباشر بالقوات الغازية. وأعلنت «القسام» أن مقاوميها هناك فجّروا دبابة بعبوة من نوع «شواظ» محلية الصنع، بعدما تمكّن أحد المقاومين من إلصاق العبوة على برج دبابة «الميركافا» بيده. كذلك، أعلنت أن مقاوميها استطاعوا، في تمام الساعة 5 و48 دقيقة، تفجير ثلاث آليات مدرّعة على محور غرب شمال مدينة غزة. أمّا في منطقة جحر الديك شرق المحافظة الوسطى، فأوقع مقاومو «القسام» الآليات المتوغّلة الثلاث في كمين محكم، ودمّروها بقذائف «الياسين 105»، فضلاً عن تدمير آلية رابعة قدمت لنجدة تلك التي بقيت تشتعل، ثمّ انسحبوا بسلام، قبل أن يتمّ دكّ منطقة الكمين بقذائف «الهاون»، وترفع عمليات الالتحام الأخيرة، مجموع ما فجّرته المقاومة من آليات خلال يوم واحد إلى 22، بحسب الأرقام التي نشرتها هي. وفي المقابل، عمد الجيش الإسرائيلي، كعادته، إلى إخفاء عدد قتلاه، مكتفياً بالإعلان عن مقتل جنديين من لواء «غفعاتي» وإصابة 2 آخرين بجروح خطيرة، أمس.
في توصيف المعطيات الميدانية، تبدو الاندفاعة الإسرائيلية التي شهدتها الساعات الـ24 الماضية، هي الأكبر والأشدّ زخماً منذ بدء الهجوم البرّي مساء الجمعة الماضي. وبرغم تحقّق الاختراق البرّي الأكبر حتى اللحظة، لا يمكن الحكم على مدى قدرة جيش العدو على تثبيت قواته في النقاط التي تقدّم إليها، في ظلّ الضغط الميداني الشديد الذي تمارسه المقاومة على مختلف محاور القتال. ولذا، غلب على سلوك الآليات العسكرية، التقدّم الخاطف ثمّ الانسحاب السريع وإعادة التموضع تحت ضربات المقاومة. كما لا يُغفل أن المقاومة، ولا سيما «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، واصلت قصف حشود العدو بالعشرات من قذائف «الهاون»، كما قصفت مدن العمق المحتل، ومنها تل أبيب وعسقلان، بالعشرات من الصواريخ، في ما يشير إلى أن مقدّراتها الصاروخية لا تزال بخير.

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة