مقالات مختارة
ناطقة باسم العدو ومتواطئة في حربه النّفسية: «العربية» بتتكلّم «عبري»
نزار نمر- صحيفة "الأخبار"
لم تخسر من مشاهديها فحسب، بل تواجه أيضاً دعوات لمقاطعتها في عصر السوشال ميديا. أداء الشبكة السعودية في الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل في غزّة، يندى لها الجبين. تحوّلت «العربية» في الأسابيع الماضية إلى منصّة تخدم صورة العدوّ، قبل أن تذهب حدّ المجاهرة بمواقفها المنحازة إلى كيان الاحتلال، وكلّ ذلك معلّب ضمن شعارات «السلام»
منذ تأسيسها قبل عشرين عاماً، دخلت قناة «العربية» السعودية على خطّ المنافسة إلى جانب «الجزيرة» القطرية، التي كانت قد انطلقت منتصف التسعينيات، وتربّعت على رأس قائمة منافذ الجمهور العربي الإخبارية، وغطّت أحداثاً مفصلية في المنطقة بما فيها تحرير الجنوب اللبناني و«انتفاضة الأقصى». أطلّت «العربية» برأسها، فشخصت الأنظار نحو الفضائيتين معاً، وخصوصاً في المحطّات المفصلية، بدءاً باجتياح العراق وصولاً إلى «حرب تمّوز»، وباتت المنافسة على أشدّها.
لكن مع قدوم «الخريف العربي»، اصطفّت القناتان إلى جانب الولايات المتّحدة وأدواتها، بما فيها الجماعات المسلّحة والكيان الصهيوني، فخسرتا الكثير من مشاهديهما، كما قنوات عربية أخرى ركبت قطار الثورات الملوّنة والحروب المخطّطة في مطابخ استخباراتية أجنبية. ولئن لم تغيّر «الجزيرة» من لهجتها تجاه فلسطين طوال السنوات الماضية، إلا أنّ ذلك لم يُعِد لها ما خسرته من مشاهدين، إلى أن أتى «طوفان الأقصى» أخيراً. أمر لم ينسحب على شقيقتها التي أظهرت أنّها لا تكترث لا لفلسطين ولا حتّى للمشاهدين الذين عبّروا عن سخطهم من أدائها، بقدر ما تهمّها مصالح القيادة السعودية التي بدورها لا تنسى الحسابات السياسية الضيّقة حتّى في أحلك الظروف وأكثر القضايا توحيداً للعرب. هكذا، تحوّلت «العربية» في الأسابيع الماضية إلى منصّة تخدم صورة العدوّ، فسخّرت نفسها لاعباً في حربه النفسية عبر محاولة إظهار نفسها «محايدة» أوّلاً قبل أن تذهب حدّ المجاهرة بمواقفها المنحازة إلى كيان الاحتلال، وكلّ ذلك معلّب بشعار «السلام».
طفح كيل الناشطين مع إيراد القناة خبراً عن قيام الغزيين بسرقة مخازن «الأمم المتّحدة»
بسبب أدائها، لم تخسر القناة من مشاهديها فحسب (ما يعني خسارتها المنافسة مع «الجزيرة» تلقائيّاً)، بل باتت أيضاً عرضة للانتقادات ودعوات المقاطعة في عصر السوشال ميديا. لم نكن يوماً أمام ما يشبه المشهد الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي من فضح الأجندات المخفية والأخطاء التي تحصل على القنوات عمداً أو سهواً، وكان أسهل بكثير سابقاً بثّ الأخبار الكاذبة من دون قدرة لمَن يعرفون الحقيقة على المواجهة والتوعية كما يحصل اليوم. بذلك، امتلأت الصفحات بسقطات «العربية»، وبعض هذه «الأخطاء» وُصف بالخبيث بسبب ضآلة احتمال وقوعه سهواً كونه يعكس سياسةً تحريريةً واضحة.
تجلّيات التغطية المنحازة تبدأ بالمصطلحات المستخدمة. تعكف «العربية» على استخدام تعابير مثل «الحرب» و«النزاع» وكأنّها حرب بين طرفَين متساويَين في القوّة، لا عدوان مجرماً على مدنيّين أبرياء وإبادة جماعية بحقّهم. تستخدم تعابير «مليشيات» للإشارة إلى حركات المقاومة، فيما تُشير إلى الأراضي المحتلّة على أنّها «إسرائيل» (وهو ما تفعله أيضاً قنوات عربية عدّة) وإلى جيش العدوّ على أنّه «جيش الدفاع» الذي تنقل عنه أخباراً كثيرة وتستضيف المتحدّث باسمه كما تستضيف إسرائيليّين وصهاينة آخرين (أمر تقوم به قنوات عربية أخرى كذلك، بما فيها «الجزيرة»، لكن ليس بالوتيرة ذاتها ولا بالاحترام ذاته تجاه ما يقولونه). في هذا السياق، أتت مقابلة الإعلامية اللبنانية في القناة ليال الاختيار مع المتحدّث باسم جيش العدوّ أفيخاي أدرعي ونعتها إيّاه بـ«أستاذ أفيخاي»، مع ما رافق ذلك من انتقادات وضجّة. لم تكن تلك المقابلة سياقاً منفصلاً عن سياسة المحطّة، بل صورة عنها. ورغم كلّ الانتقادات، عادت الإعلامية واستضافت المتحدّث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية للإعلام العربي أوفير جندلمان، وعادت واستخدمت لقب «أستاذ»!
سقطة أخرى كانت محطّ انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي قول مراسل «العربية» في غزّة أحمد حرب «11 شهيداً» (فلسطينيّاً) في تغطية مباشرة، قبل أن يستدرك بعد ثوانٍ و«يصحّح» فيقول «11 ضحية، عفواً». عبارة «عفواً» هي التي أثارت غضب ملايين العرب، واعتبرها الناشطون دليلاً على سياسة المحطّة ووجود قرار واضح بـ«الحياد». ولم تتوقّف السقطات هنا. يوم السبت الماضي، بثّت القناة مقطعاً زعمت أنّه يُظهر اشتباكات عنيفة بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية شرق مخيّم البريج في غزّة، قبل أن يتبيّن أنّه يعود إلى تبادل إطلاق نار بين عشيرتَين عراقيتَين في عام 2021، كما أشار ناشطون أرفقوا الرابط إلى المقطع الأصلي لإثبات ذلك.
تستخدم تعبير «مليشيات» للإشارة إلى حركات المقاومة، وتُشير إلى الأراضي المحتلّة على أنّها «إسرائيل»
أيضاً وأيضاً، أطلّ رياض قهوجي الذي تصفه القناة بـ«مستشارها للشؤون العسكرية»، ليبشّر بأنّ «التفوّق في قوّة النيران لمصلحة إسرائيل بشكل كبير. السيطرة الجوية التامّة هي لإسرائيل. كثافة النيران لمصلحة إسرائيل» ليستنتج أنّ «حماس» ربّما تحقّق تقدّماً في البداية، لكنّ القصف الإسرائيلي اليومي سينهكها، ويؤدّي في النهاية إلى هزيمتها. «التحليل» هذا تسبّب في مزيد من الانتقادات للقناة واتّهامها بالمشاركة بالحرب النفسية لمصلحة كيان الاحتلال. لكنّ قهوجي ذهب أبعد من ذلك. خلال كلامه، قال إنّ «إسرائيل ستضطرّ إلى إدخال المشاة لمواجهة مقاتلي داعش وجهاً لوجه»، مثيراً غضب الملايين مجدّداً. واعتبر الناشطون أنّه يتبنّى السردية الصهيونية الزائفة حول أنّ «حماس هي داعش». قهوجي أعاد ونشر المقطع بنفسه وكتب معتذراً: «أريد أن أعتذر بشدّة عن الخطأ الناجم عن زلّة لسان في مداخلتي يوم السبت، إذ كنت أقصد أن أقول «حماس». كنت أتابع تطوّرات متسارعة، فذكرت كيف أنّ إسرائيل تشبّه «حماس» بداعش لتبرّر جرائمها ضدّ المدنيّين في غزّة. وأنا أعلّق من دون نصّ أمامي. أعتذر مجدّداً وجلّ من لا يخطئ». لكنّ الردّ لم يشفِ غليل بعضهم الذي اعتبر أنّ حتّى الزلّة قد تكون نتيجة التعرّض الكثيف للإعلام الغربي والصهيوني وسرديّاته.
إضافة إلى ما سبق، ازدادت الانتقادات في الأيّام الماضية مع نشر «العربية» خبراً حول اقتحام مخازن «الأمم المتّحدة» التي تخزّن مواد غذائية يُفترض أنّها تبرّعات، تمهيداً لبيعها للغزّاويّين الذين لا يجدون الطعام الكافي في وقت قد تُستهدف المخازن في أيّ لحظة وتتلف المواد، فاتّهمت القناة أهل غزّة بالسرقة، ما أغضب كثراً ممّن اعتبروا أنّ القناة لم ترَ طوال الأسابيع الماضية أيّ سرقة غير عندما أراد الفلسطينيّون استرجاع حقّ من حقوقهم الأساسية. وطفح الكيل عند بعضهم من أداء القناة، فوصل حدّ الدعوة إلى طرد مراسليها من غزّة، إذا لم يحترموا أهلها، كما حصل مع مراسلة CNN الأميركية. ويبدو واضحاً عند تصفّح مواقع التواصل، كيف تُكال الشتائم للقناة بكثافة، فيما انتشرت ظاهرة تسميتها «العبرية» بدلاً من «العربية».
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
20/11/2024
في بيتنا من يتبنّى فهم العدو للقرار 1701!
19/11/2024
محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024
شهادة رجل شجاع
13/11/2024
في أربعين السيّد هاشم صفي الدين
07/11/2024