معركة أولي البأس

مقالات مختارة

مرتزقة إسرائيل: الوجه البشع لـ"صهيونية الأغيار"
30/12/2023

مرتزقة إسرائيل: الوجه البشع لـ"صهيونية الأغيار"

صحيفة الأخبار -  خضر خروبي

لا يبدو العدوان على قطاع غزة استثناءً من سلسلة «حروب الارتزاق» التي أدارها الغرب في العقدَين الماضيَين، بدءاً بحرب أفغانستان، ثم حروب العراق، واليمن، وأخيراً غزة. وليس سرّاً أن كيان الاحتلال، الذي يبدو أصلاً أشبه بمشروع «ماكرو ارتزاق» لمصلحة الغرب، استعان بالمرتزقة في مراحله «الجنينية» الأولى، لشنّ حروبه ضدّ العرب. حتى أن بعض جيشه في تلك المرحلة، كسلاح الجو، كان لا يزال يعتمد اللغة الإنكليزية، وليس العبرية، لأن كثيراً من كوادره كانوا من المرتزقة، وجلُّهم من غير اليهود. وعلى مرّ السنوات، ومع توالي الحروب العربية - الإسرائيلية، تواصلت استعانة الجيش الإسرائيلي بالمرتزقة، كما حدث في 1967، فيما تطوّرت وبدأت تأخذ أشكالاً متعدّدة في السنوات الأخيرة.

 

جنود منفردون ومرتزقة محترفون
بحسب خبراء عسكريين، فإن المرتزقة الأجانب العاملين في صفوف الجيش الإسرائيلي، والذين تحاط مشاركتهم عادةً بالسرّية بقصد التغطية على خسائر الجيش، يمكن توزيعهم على خانتَين رئيسيّتَين: المرتزقة المحترفون الذين يملكون خبرات عسكرية خاصة جرّاء مشاركتهم في حروب سابقة؛ والمتطوّعون غير الإسرائيليين الذي ينضمون إلى برنامج خاص رسمي، متعارف عليه بـ«برنامج الجندي المنفرد»، علماً أن غالبية هؤلاء قادمون من دول مختلفة ذات جاليات يهودية وازنة، كروسيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا حيث تتولّى منظّمات، في طليعتها «ماحل» ذائعة الصيت، القيام بحملات تجنيد لحساب الجيش الإسرائيلي. كما أنّ غالبية المتطوّعين من اليهود، أو من الأفراد المحسوبين على تيار «الصهيونية المسيحية»، وهم يحضرون إلى إسرائيل من دون عائلاتهم، بهدف الانخراط في صفوف الجيش مقابل رواتب مغرية، إضافة إلى إعفاءات ضريبية، ومساعدات اجتماعية ومِنح مالية مختلفة تشمل السكن، والسفر، والزواج، وجوانب أخرى.

وفي هذا السياق، يشير تقرير صادر عن وحدة البحث والمعلومات في «الكنيست»، إلى أنّ متوسّط العدد السنوي لـ«الجنود المنفردين» (فئة مختلفة عن الجنود المزدوجي الجنسية) في المدة ما بين 2002 و2012، ناهز 5500، علماً أن المصنّفين ضمن تلك الفئة، والذين غالباً ما يُزجّ بهم في الخطوط الأمامية ونقاط الاشتباك الأكثر ضراوة، يحظون بامتيازات إضافية مقارنة بالعنصر العادي في الجيش، وتحديداً لجهة الحوافز المالية الممنوحة لهم، أو نوع التدريبات المكثّفة التي يخضعون لها. كذلك، وبالاستناد إلى إحصاءات وزارة الأمن الإسرائيلية، يُقدّر عدد العاملين في صفوف الجيش وفقاً لبرنامج «الجندي المنفرد»، أو الذين يشاركون بكثافة في العمليات العسكرية الدائرة في غزة، بنحو 6 آلاف، لا تتجاوز نسبة اليهود منهم الـ20%، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الأجانب يقارب 4600 فرد، ضمن معدل سنوي يراوح ما بين 800 وألف عنصر من خارج الكيان. وفي حين يهيمن العامل المادي على دوافع المرتزقة المحترفين، يشكّل البعد العقائدي المتّصل بالأفكار الصهيونية، جوهر حوافز الجنود المنفردين.


ورغم اشتداد الرقابة العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما في الشقّ المتعلّق بمدى الاستعانة بالمرتزقة، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نسبة ملحوظة من آلاف المهاجرين الجدد إلى الأراضي المحتلّة، وبصورة خاصّة القادمين من أوكرانيا وروسيا، وتحديداً مَن يمتلكون قدرات عسكرية خاصة من بينهم، عمدت، في العامَين الماضيَين، إلى الالتحاق بصفوف الجيش. ولفتت إلى أن المئات من الجنود الأوكرانيين الذين قدموا إلى الأراضي المحتلّة لتلقّي العلاج والتأهيل، لم يعودوا إلى بلادهم، بل انخرطوا في العمليات الجارية في قطاع غرة، ضمن فرق المرتزقة، فضلاً عن عشرات الآلاف من المهاجرين الروس من الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية، والذين ما زالوا يخدمون في جيش الاحتلال في سياق الخدمة المدنية وضمن قوات الاحتياط. ومن بين جملة الشواهد على تلك المعطيات، ما جرى تداوله أخيراً من مقاطع فيديو وثّقت مشاركة مرتزقة أوكرانيين في العدوان، حيث أفيد، في الأسابيع الماضية، عن سقوط 7 منهم في معارك مع فصائل المقاومة في الشجاعية. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن المرتزقة الأوكرانية لدى جيش الاحتلال، إلينا زاكو سيلا، التي اشتهرت لتباهيها أمام وسائل الإعلام بقتلها أطفالاً فلسطينيين، انتقلت رفقةَ العشرات من مواطنيها عقب عملية «طوفان الأقصى» إلى فلسطين المحتلّة للقتال إلى جانب الإسرائيليين. ولم يكن مستغرباً في هذا السياق، ما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الأوكرانية، أوليغ نيكولنكو، من نفي إرسال كييف أيّ قوات إلى غزة.

استنكار ومطالبات بالمحاكمة
إزاء ذلك، دعا النائب في البرلمان الفرنسي، توماس بورتس، حكومة بلاده إلى معاقبة مواطنيها، بمن فيهم حاملو الجنسية الإسرائيلية، الذين يثبت اشتراكهم في القتال داخل غزة، وارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين هناك (بتهم تراوح عقوبتها، وفقاً للقوانين الفرنسية، بين 7 و30 عاماً، أو حتى سحب الجنسية، في حال ثبوت ضلوعهم في "أعمال إرهابية")، مؤكداً أن عدد هؤلاء يقارب الأربعة آلاف. ومن جهتها، حذّرت وزارة خارجية جنوب أفريقيا، في بيان، مواطنيها من مغبّة الالتحاق بركب الحملة العسكرية على القطاع الفلسطيني المحاصَر، تحت طائلة تعرّضهم للمحاكمة وسحب الجنسية الجنوب أفريقية منهم. وعلى أيّ حال، يرى محلّلون أن الفصول المتلاحقة لحرب غزة، تُظهر مدى هشاشة نظرية «الأمن القومي الإسرائيلي»، وفقاً لما يدلّ عليه، من بين أشياء عديدة، لجوء إسرائيل إلى خدمات هؤلاء المرتزقة، رغم تحشيدها حوالى 350 ألف عنصر من احتياط الجيش، المقدّر تعداد قواته النظامية الفاعلة بقرابة 200 ألف.


إيطاليون وفرنسيون و«مارينز»... والقائمة تطول
على وقع رواج سلسلة مقاطع مصوّرة تبيّن مشاركة أفراد من دول غربية في الحرب، من بينهم إيطالي علّق علم بلاده على بزته العسكرية، وفرنسيّان تحدّثا أمام الشاشة من داخل غزة بلغتهما الأم وهما يحملان ذخائر تعود إلى الجيش الإسرائيلي، وذلك ضمن مشهد شبيه بآخر ظهر فيه أحد المواطنين الأميركيين أمام حشد من جنود الاحتلال، جاء ما كشفته صحيفة «إلموندو» أخيراً من أن الجانب الإسرائيلي استقطب ما سمّته «جيشاً صغيراً» من المرتزقة عبر شركات عسكرية خاصة، متعاقد معها، على غرار «ريفن» و«غلوبال سي إس تي». وأوردت الصحيفة الإسبانية إفادة أحد هؤلاء، ويدعى بيدرو دياز فلوريس كوراليس، وتأكيده الانتقال من ساحات المعارك في أوكرانيا إلى الأراضي المحتلّة لغايات مادية بحتة، ولأسباب تتّصل بالمخاطر المتزايدة هناك. وأوضح كوراليس أن ما يتقاضاه أسبوعياً لا يقلّ عن 3900 يورو، في موازاة تعويضات إضافية أخرى يحصل عليها المرتزقة لقاء عملهم في صفوف الجيش الإسرائيلي، ولا سيما في حال اختاروا المشاركة في العملية البرية في غزة، مضيفاً أن الإسرائيليين «يدفعون جيداً جداً، ويقدّمون معدات جيدة، فيما العمل هنا هادئ».
وزعم كوراليس، وهو جندي سابق في الجيش الإسباني كان قد شارك في حرب العراق، إضافة إلى انضوائه لاحقاً في عداد ما يسمّى «الفيلق الدولي» في أوكرانيا، أن مهماته، إلى جانب زملائه الآخرين من المرتزقة، مرتبطة بتقديم دعم غير مباشر للحرب على غزة، مضيفاً أن بعضاً من تلك المهمات تشمل تقديم الدعم الأمني لقوافل الجيش في مناطق القطاع، وتأمين الحماية لعدد من نقاط التفتيش الإسرائيلية سواء في غزة أو الجولان المحتلّ، أو على الحدود الأردنية - الفلسطينية. وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى وجود عسكريين سابقين في قوات النخبة لدى جيوش غربية في صفوف المرتزقة، من بينهم فرنسيون شاركوا في حرب مالي، وكذلك أميركيون وألمان لهم خبرات ميدانية سابقة، ولا سيما في أفغانستان، موضحة أن هؤلاء العناصر باتوا أقرب ما يكون إلى جيش صغير ينتقل من حرب إلى أخرى، ضمن مهمات تتنوّع بين المشاركة المباشرة في القتال، أو تقديم الدعم والإسناد التكتيكي.

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة