#أربعون_ربيعاً
إيران والعرب.. إشكالية الصراع والتكامل
محمد الحسيني
مرّت العلاقات الإيرانية - العربية على مدى فترات طويلة من الزمن بتقلبّات عديدة، اعترتها ازدواجية في التعامل فرضتها تبعية القرار السياسي العربي للإرادة الغربية، وكان العنوان الرئيسي لهذا التأرجح في العلاقات هو الوهم العربي من الطغيان الفارسي، وهو ما سعى الغرب دوماً إلى تكريسه في الذهنية العربية ولا سيما الخليجية منها، فلطالما كان العرب يذعنون بالخضوع لإيران حين كانت تلعب دور الشرطي الأمريكي في المنطقة أيام الشاه، حتى جاء انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 على يد الإمام الخميني الراحل حتى انقلبت معظم هذه الدول إلى مناصبة العداء لإيران وشنّ الحرب عليها على الصعد كلّها، مع أن تجارب عديدة ومستمرة، أكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن السياسة التي كانت إيران الثورة ولا تزال تعمل على إرسائها هي تشكيل حلف عربي - إسلامي في مواجهة الهيمنة الغربية ولا سيما الأمريكية، بالاعتماد على الثروات البشرية والطبيعية التي تمتلكها الدول العربية والإسلامية وشعوبها، وليس هناك أدلّ على ذلك من أنه على مدى أربعين عاماً وحتى اليوم لم تقم إيران بأي خطوة عدائية سياسية أو ميدانية تجاه أي من الدول العربية، باستثناء الحرب العالمية المفروضة عليها خلال عهد الرئيس العراقي صدّام حسين، حيث كانت خلال ثماني سنوات من العدوان في وضعية الدفاع، وفي موقع الحرص على عدم انفراط النسيج العربي والإسلامي خدمة للمصالح الغربية.
الإمام الخميني: بوصلة القضية
رفع الإمام الخميني شعار "لا شرقية ولا غربية" ودعا إلى الوحدة بين المسلمين، وشدّد على ضرورة صياغة كيان متماسك في مواجهة سياسات التوسّع الغربية، وضرب المشروع الصهيوني المتمثّل بالكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين، وسعى إلى تكريس القضية الفلسطينية كقضية مركزية يلتف حولها المسلمون والعرب في كل أنحاء العالم وأعلن "يوم القدس" في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام، كمناسبة يجدّد فيها العرب والمسلمون تمسّكهم بتحرير فلسطين، وركّز على دعم حركات التحرّر في العالم التي انتهجت المقاومة سبيلاً لاستعادة حقوقها المسلوبة، فدعمت إيران منظمّات المقاومة في فلسطين وحزب الله في لبنان ووقفت إلى جانب سوريا والعراق واليمن، وارتكز المحور الأساسي لتحقيق هذه الأهداف على الاقتدار والحفاظ على استقلالية القرار من خلال تحصين مكامن القوة وتطويرها، وصولاً إلى فرض العرب والمسلمين أنفسهم في الخارطة العالمية، بدل أن يبقوا أسرى التبعية والإرتهان للقوى الكبرى التي لم تخفِ أهدافها وسياساتها التوسّعية والاستعمارية لشعوب المنطقة، ولا تزال هذه السياسة تحكم أداء الحكومات الإيرانية المتعاقبة حتى اليوم، على الرغم من تعاظم التحدّيات العالمية واستمرار الحصار الذي شارك فيه العرب بشكل وبآخر، ونجاح الغرب في تشكيل جبهة عربية – خليجية حوّلت بوصلة عدائها لإسرائيل باتجاه إيران.
إيران وصراع الدين والمذهب
حرصت إيران دوماً على إزالة الهواجس العربي التي يروّج لها الغرب، ولا سيما في مجال اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي، والواقع أن هذه الهواجس لم تجد لها آذاناً صاغية إلا في السعودية فقط التي تعتنق المذهب الوهابي التكفيري، فإن المحيط السنّي لا يرفض إيران بكونها الدولة الشيعية الأكبر في العالم، فلطالما سعت الجمهورية الإسلامية إلى تكريس شعار الوحدة ونبذ كل أشكال التفرقة التي جنّدت لها المخابرات الأمريكية والبريطانية شخصيات سياسية ودينية لنشرها وإلصاق التهمة بإيران، وجاءت الفتوى التي أطلقها الإمام السيد علي الخامنئي أواخر العام 2010 لتضرب كل هذه المحاولات وتسقطها، وحرّم بموجبها الإساءة للسيدة عائشة زوج النبي محمد (ص) أو النيل من الرموز الإسلامية لأهل السنة والجماعة، ولاقت هذه الفتوى اهتماماً في الصحف ووسائل الإعلام المحلية والعالمية كما لاقت ارتياحاً بالغاً لدى عموم المسلمين في العالم.
الملف النووي: بؤرة التوتّر
ولعلّ الملف النووي العنصر الأكثر إثارة للتوتّر في العلاقات الإيرانية – العربية، وتذرّعت الدول العربية بهذا الملف بدفع وتحريض من الدول الغربية، كسبب لإعلان العداء لإيران بحجة الخوف من هيمنتها على منطقة الخليج، مع العلم بأن طهران حرصت على توجيه الدعوات المتكرّرة لكل الدول العربية، من المحيط إلى الخليج من دون استثناء، إلى الاستفادة من التطوّر النوعي الذي توصلت إليه التكنولوجيا النووية، فضلاً عن التأكيدات المستمرة بأن تخصيب اليورانيوم لا يخفي أهدافاً عسكرية بل هو مخصّص للاستثمار الاقتصادي والعلمي، وهو ما نص عليه الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع مجموعة الدول الـ 5 + 1 في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2013، بعد اثني عشر عاماً من المفاوضات، كما أكد الإمام الخامنئي أن البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض سلمية، وأن مبادئ الجمهورية الإسلامية تمنعها من اللجوء إلى استخدام الأسلحة الذرية، وأطلق فتوى بتحريم إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية، واعتبرها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أنها "تشكل آلية جيدة للالتزام بالاتفاق"، إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاءه في أيار عام 2018، بما يؤكد أن المسألة لا علاقة لها بالبرنامج النووي بقدر ما لها علاقة بإبقاء حالة العداء والقطيعة بين إيران والعرب.
نقاط الالتقاء والتكامل
هناك الكثير من المحدّدات والمعطيات الجيوسياسية والديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تجمع بين إيران والعرب وتختزن العديد من نقاط الإلتقاء والتكامل، وأهمها:
• الموقع الجغرافي: إيران دولة مجاورة للدول العربية والإسلامية ولا سيما الخليجية منها، وتمتلك سواحل ممتدة شرقي الخليج، وهذا القرب والامتداد يشكّل عنصراً طبيعياً للتكامل والاستقواء الايجابي المتبادل، بدل أن يكون سبباً للمشاكل المفتعلة المرتكزة على محطات تاريخية ملتبسة، وقد عبّر الملك عبد الله بن عبد العزيز عن هذه الخاصية بالقول إن إيران دولة جارة وقوية، ولا يمكننا الإنكار أنها تشكّل دعماً أساسياً للعرب والسعودية.
• الروابط الإنسانية: يساعد الجوار الجغرافي بين إيران والدول العربية على تمتين أواصر الإندماج الديمغرافي بما يحمل معه من عوامل التبادل الثقافي ووحدة الهوية المبنيّة على عاملي اللغة والدين، فضلاً عن نشوء الروابط الإجتماعية؛ فهناك العديد من العائلات والأسر العربية والخليجية من أصول إيرانية، ولا سيما في السعودية والكويت والإمارات والبحرين، ويصل هذا الامتداد الإنساني والثقافي إلى الدول العربية في شمال ووسط أفريقيا، حيث تعتبر إيران أن أي عربي ومسلم مهما كان انتماؤه الديني أو الجغرافي يأخذ مكانه في تشكيل النسيج العربي والإسلامي ضمن المنظومة الواحدة الموحّدة، لإيمانها بأهمية تركيم القوى والطاقات.
• العلاقات التجارية والاقتصادية: سعت إيران دوماً إلى تعميم ثقافة التعاون والتكافل، بعيداً عن سياسة الاحتكار والاستئثار، من خلال إنشاء شراكات تجارية واقتصادية استراتيجية مع جيرانها العرب، ولا تعتمد الخلاف السياسي معياراً للتعامل في هذا المجال، وتعتبر الإمارات العربية نموذجاً بارزاً على هذا الصعيد باعتبارها تشكّل الشريك التجاري الأول لها مع وجود نحو 8 آلاف شركة إيرانية في الإمارات، فضلاً عن استقرار ونمو التبادل التجاري والاقتصادي مع سلطنة عمان وكذلك مع قطر والكويت، وعملت على تثمير العلاقات مع مصر والسودان في مختلف المجالات، بالاستفادة من الخزان البشري والطاقات العاملة في هذين البلدين.
إيران تمدّ يدها للعرب
لا يمكن تمييز أي عهد تولّى الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن العلاقة مع العرب على مدى أربعين عاماً، فقد التزمت الحكومات المتعاقبة بالمبادئ الأساسية التي أعلنها الإمام الخميني الراحل، المنطلقة من وعي إسلامي لمستقبل الصراع الكلّي والشامل مع قوى الاستكبار، ولم تترك طهران مدى مفتوحاً أمامها إلا وسارت به من أجل جمع كلمة العرب والمسلمين، وأثبتت الوقائع صحة ورسوخ هذه المبادئ التي تتطلّع إلى بناء علاقة مستقرة ونامية ومثمرة، ليس فيها تابع ومتبوع، ولا حاكم ولا محكوم، إلا أن تأرجح هذه العلاقة في تعقيداتها المختلفة جاء من قبل الدول العربية التي لم تستطع إلى اليوم التخلّص من نير التبعية للغرب، وعليه فليس أمام العرب سوى التجاوب مع سياسة مد اليد التي تتبعها طهران للخروج من القوقعة الأمريكية والغربية، والتخلّص من سياسة الابتزاز المباشر التي تتبعها واشنطن، والتي ستؤدي حكماً إلى تفتيت المنطقة لصالح "إسرائيل" وتتنفيذ صفقة القرن وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير.
إقرأ المزيد في: #أربعون_ربيعاً
22/08/2022
نبذة عن سيرة الأمين العام لحزب الله
18/08/2022
جنتا.. ترنيمة الكفاح ومعدن الدماء
11/02/2019