عيد المقاومة والتحرير
في ذكرى التحرير.. هكذا غدت قرى الجنوب المقاوِمة
سامر الحاج علي
كما لو أنها تدخل لأول مرة، دخلت قوافل الأهالي الفَرِحة بذكرى عيد المقاومة والتحرير إلى مدينة بنت جبيل هذا العام، مروراً بما كان يعرف في زمن الإحتلال "معبر بيت ياحون" والذي صار اليوم أشبه بكومة من تراب يختزن إنكساراً مدوّيا لتاريخ طويل من محاولات تركيع الجنوبيين التي كانت تمارسها ميليشيات خانت وطنها وحاربت صمود أهله ثم هربت مع مشغلّيها إلى ما خلف سياج الوهم الحدودي، لتدفن إلى الأبد مشاريع صهينة لبنان وغمسه في ارهاصات الخضوع والخنوع.
على طول الخط نحو بنت جبيل، ورود نُثرت على العابرين كما نُثرت أول مرة في ساعات العبور الذي لا ينسى، يوم دخل مجاهدو المقاومة الإسلامية محطّمين حزام العدو الأمني، معلنين الولادة الجديدة لقرى الصمود والتحدي والتي صارت اليوم ممهورة بالدم والتضحيات التي تُرى بالعين والبصيرة على هيئة تنمية استمدت أصلها من خبز المجاهدين وتوزّعت على بيوتات معلّقة في روزنامة الفخر.. بين البذل والحب والشهادة!
ماذا تغيّر في الجنوب؟ كيف كان هذا الجنوب قبيل العام 2000 وكيف تبدو الصورة اليوم.. أسئلة كثيرة تجول في وجدان من يدخل إلى هنا لأول مرة ربما، أو بعد غياب طويل. تجيبه شوارع المنطقة ومؤسساتها، ومؤسسات الدولة الرسمية التي لم تحضر إلا بعطاء من موائد المقاومين المغمّسة بكل أشكال التعب والسهر في مكامن الوفاء لوطن كان هنا في مرابط الحراسة والكمائن عبارة عن أسطر في وصايا رياحين الوطن الذين أرادوا أن يكون بلاداً صالحة للحياة، فغدا - رغم ويلات مكتوبة في دهاليز السياسة - الحلم الذي خرج إلى الحقيقة ذات أيار..
إنقلبت الصورة تماماً، فالمنطقة التي كانت في عداد الموتى لأكثر من عشرين عاماً، صارت اليوم من أجمل مناطق لبنان، والدور إلى جانب تضحيات المجاهدين وقع على البلديات واتحاداتها، والتي دخلت منذ اليوم الأول إلى ميدان العمل الذي ما كان ليبدأ لو أنه رُبط بما أسمته السلطتين التشريعية والتنفيذية "بهدية التحرير: عندما اجتمعتا في ثانوية بنت جبيل في أجواء الإنتصار التاريخي منذ واحد وعشرين عاماً.
كانت القرى المحررة تفتقر لكل أشكال التنمية من بنى تحتية وكهرباء ومياه ومؤسسات حكومية وحتى بيوت وأسواق، يطول السرد ربما فأعوام الإحتلال الطويلة سلبت الأهالي كل شيء كانوا يحتاجون إليه، وما يراه الزائر إلى المنطقة الآن لم يكن موجوداً، إذ يشير رئيس بلدية بنت جبيل المهندس عفيف بزي في حديث لموقع العهد الإخباري، أن الواقع اختلف بشكل كامل وكل هذا كان رغم غياب دور الدولة ومؤسساتها الرسمية.
صار اليوم في المنطقة مستشفيات حكومية، وأطلق العنان لبناء وترميم المدارس الرسمية والجامعات، وأعيد تأهيل الطرقات بشكل كامل فيما اكتملت صورة المجمعات الرياضية والثقافية والمكتبات، وقامت الحدائق وأماكن الترفيه وازدهرت العديد من القطاعات كما لو أنها قامت من موتها عن جديد، فيما شهدت القرى المحررة حركة عمرانية كبرى يمكن ملاحظتها بشكل رئيسي من خلال اتصال القرى ببعضها البعض ببيوت صارت تشكل حارات للتلاقي والمحبة بين الذين قرروا أن يكون لهم في قراهم موطئ قدم وإقامة، وتنوع وجود الناس هنا بعد أن كان أيام الحقبة السوداء مقتصراً على المسنين والأطفال وعادت دوامة العمل إلى الحقول والمزارع فيما نشأت المؤسسات الإنتاجية من زراعية وصناعية وخدماتية، وأعيد ترميم _ بما تيسر من إمكانيات_ أماكن تحمل طابعاً تاريخيا وتراثياً ودينياً، وصارت الحدود مع فلسطين المحتلة محطات يزورها اللبنانيون من مختلف المناطق لإلقاء السلام على الأرض المحتلة التي بات تحريرها واقعاً يتحقق يوماً بعد يوم.
ولا تغيب عن بال أحد صورة التعايش الإسلامي المسيحي الذي تتميز به القرى الحدودية، ففي المنطقة يعيش أبناء مختلف المذاهب بشكل لا يمكن وصفه بكلمات أو مواقف، فهنا أمن وأمان رسخته تضحيات المقاومة الإسلامية التي أرادت أن تُظهر مبادئها وأخلاقها التي قامت عليها، فمارست فعل البذل من أجل الجميع، حمت اجراس كنائس رميش ودبل وأخواتها التي تُسمع فيها تراتيل السيد المسيح، وخلفها مساجد تولى أهلها الله ورسوله والذين آمنوا.. فكان الغالبون هنا، وكانت الأرض مقدّسة يرشح منها عطر الكرامة المجبول بكرامة الأولياء والأنبياء والشهداء..
إقرأ المزيد في: عيد المقاومة والتحرير
30/05/2024
25 أيار/ مايو.. لحظة التقدّم نحو الطوفان
27/05/2024