عيد المقاومة والتحرير
في عيد المقاومة والتحرير: "العهد" في رحاب شاعر المقاومة عمر الفرا
دمشق ـ محمد عيد
غالبا ما يأتي ذكر الشاعر الكبير الراحل عمر الفرا مشفوعا بلقب شاعر المقاومة الأول، وهو الذي كتب فيها أيقونة قصائده الخالدة التي كساها من حلل البلاغة أبهى لباس، ووهبها من عصف شعوره النبيل ما لم يفعله شاعر آخر فكان أن أعطى كل من الفرا والمقاومين للآخر أسباب خلوده.
قصائد النور والنار
لم يقدر لنا أن نعاين البيت الذي نشأ فيه عمر الفرا في محافظة حمص، أنزل التكفيريون قصاصهم العجيب في كل من وقف مواليا لوطنه وأرضه فألقموا كل محتوياته للنار، وصار التراث العظيم لواحد من أكبر الشعراء السوريين رمادا في مهب ثورة لم تعرف من نبل الثوار شيئا، فقصدنا منزل ولده الإعلامي نزار الفرا الذي حدثنا عن بعض ما خفي من السيرة العظيمة لوالده وخصوصا في السنوات الأخيرة من عمره.
"فترة تحرير الجنوب وما أعقبها من انتصار تموز كانت مثل العيد لنا في البيت كان هناك شعور بالبهجة والسعادة وكان هنالك شيئ استثنائي. ارتبط بزياراتنا مع والدي رحمه الله إلى أمسياته التي كان يقيمها في كل المناطق السورية، وفي كل المناطق اللبنانية وفي بعض الدول العربية، وفي الجاليات والمغتربات الداعمة للمقاومة في باقي دول العالم، كنا نندهش ونستغرب ونرى هذه الحالة الجميلة من طريقة بثه الحماسة في نفوس جمهوره، وفي حالة التبادل بينه وبين هذا الجمهور ومن هذه الحالة العاطفية الكبيرة المليئة بنشوة النصر". يقول نزار الفرا لموقع "العهد" الإخباري.
سألنا نزار: كيف يمكن لشاعر أن تستقيم له المعاني على النحو الذي كان مع والده الشاعر الراحل عمر الفرا فعلق قائلا: "هو في الأساس تناول القضايا الإجتماعية وتناول القضايا السياسية كحب الوطن كان دائما والدي رحمه الله يقول: من لا يحب الوطن لا يمكن أن يحب المرأة، لا يمكن أن يحب والدته ولا شقيقته ولا زوجته ولا ابنته،العلاقة هي نسيج عاطفي متكامل انسكب على حالة عارمة من النصر الكبير الذي حقق في تموز وقبله في أيار".
قصائده المقاومة على كل لسان
وعن التفاعل الإنساني والإستثنائي بين عمر الفرا وجمهور المقاومين رأى نزار أنه لم يحقق لشاعر كالذي تحقق للشاعر عمر الفرا من تاثير كبير على الجمهور "لدرجة أنك كنت ترى جمهورا يحضر بألف شخص وكنت ترى أن جزءا كبيرا من هذا الجمهور بمن فيهم الأطفال كانوا يحفظون عن ظهر قلب جزءا كبيرا من قصائد الشاعر الكبير عمر الفرا وبالعناوين المطلقة كان هناك دعوة دائما إلى الحث على قوة السلاح، وأنه لا يمكن أن تحصل على حقك إن لم تستخدم السلاح، دائما كانت الفكرة العامة في كل القصائد التي كان يرددها الشاعر عمر الفرا في امسياته هي هذه النقطة بالتحديد، السلاح المقاوم، الكلمة المقاومة، إن لم تكن الكلمة رديفا حقيقيا للسلاح فلا يمكن لنا أن ننهض بحقوقنا".
نزار الفرا تحدث لموقعنا عن الثنائية التي لازمت حياة ووالده ورسمت بالتالي ملامح قصائده " كان والدي يقول بأن المعركة تحتاج إلى حبر ودم هذه الثنائية كانت دائما مرادفة لكل قصائده، وهي دعوة حقيقية تقول بأنك لا يمكن أن تتمكن من استعادة حقك السليب والمغتصب إذا لم تكن صاحب كلمة قوية وفاعلة".
مثله لا يبدل
المرض العضال الذي ألم بعمر الفرا جعله حبيس بيته لا يبرحه، استغل بعض الإعلام المغرض الأمر فحاول أن يلصق بالفرا موقفا مغايرا لسيرته الناصعة في الوطنية، شرح نزار الفرا لموقع "العهد" الإخباري الموقف الذي لا يعدو كونه من بديهيات فكر عمر الفرا: "من كانت بوصلته الأرض وقضية المقاومة وفلسطين والدعوة إلى استعادة الحقوق لا يمكن له أن يضل بهذه المتاهات الصغيرة التي بات كلنا يدرك حتى أولائك الذين انقادوا فيها أن هنالك من خطط وجهز وهناك من استعملنا حتى نكون وقودا في هذه المعركة المذهبية والطائفية البغيضة، لذلك من امتلك هذا الشعور النقي والحس الوطني العالي ومن امتزج فكره مع تراب وطنه ومع دم الشهداء الذي بذل على هذه الأرض لا يمكن أن يذهب صوب هذه المتاهات الضيقة وأن يضيع مع من أراد ان يضيعه فيها فكان الوطن حاضرا في كل قصائد والدي وكانت قضايا دم الشهداء وقضايا استعادة الحق هي الموجه الأساسي وبالتالي من كان هدفه بهذا الشكل وبهذا الطريق وبهذا السبيل لا يمكن أن يحيد عنه".
المهم أن يبقى بيت الوطن الكبير
سألنا نزار عن موقف والده من قيام الإرهابيين بإحراق بيته الذي نشأ فيه بحمص فقال: "عندما يكون الوطن الكبير مهددا بوجوده من خلال ما أحيط به من إرهاب عالمي، لا يمكن لك أن تتحدث عن وطن صغير، لذلك فإنه ورغم أن البيت الذي ربينا فيه في حمص والذي عاش فيه الشاعر عمر الفرا طفولته والذي دمرته الجماعات الإرهابية المسلحة، إلا أنه كان يعيش الهم الوطني الكبير، كان يقول هذا هو وطني الأكبر وعندما يكون وطني الأكبر بخطر فلا يمكن أن أفكر بالوطن الأصغر ولو أنه كان يختزل كل الذكريات وكل المعاني التي يمكن للشاعر أن يستمد منها منها روح وجدانه في قول الشعر ولكن كان هنالك القضية الأشمل والأعم وهي قضية الوطن الكبير بكل أبعاده وأنه كان هو المهدد ".
سألنا نزار عن آخر ما كان ينبض به قلب عمر الفرا فكشف لنا عن الآلام الروحية التي كانت تعتريه حين كان يشاهد الإرهابيين وهم يطؤون بأقدام حقدهم مناطق كثيرة أحيا فيها أمسياته الشعرية الخالدة، مثل مدرج بصرى ومسرح تدمر الأثريين وغيرهم من المناطق "حز الأمر في نفسه كثيرا وكانت الدموع في عينيه قصائد حزن صاخبة عما انتهى إليه مصير هؤلاء الذين يدمرون بلدهم برعونة لم يستطع فهم مبرراتها".
يرقد عمر الفرا في مقبرة باب الصغير بدمشق، فقد حالت الظروف الأمنية حين وفاته دون أن يدفن في تدمر مسقط رأسه بمحافظة حمص، فاختاروا له قبرا إلى جوار صديقه الشاعر الكبير الراحل نزار قباني، فهنا يمكن للشاعرين الكبيرين أن يتسارا في هموم وطن.
إقرأ المزيد في: عيد المقاومة والتحرير
30/05/2024
25 أيار/ مايو.. لحظة التقدّم نحو الطوفان
27/05/2024