نصر من الله

عيد المقاومة والتحرير

أجيال التحرير وصفحات النصر
25/05/2024

أجيال التحرير وصفحات النصر

25 أيار عام 2000 هنا ابتدأت الحكاية، هنا حط التاريخ رحاله ومشى، هنا كتب فجرًا جديدًا. من معبر بيت ياحون عبرنا بعدما عبر عليه المقاومون، واليوم نعبره كلّ لحظة بأمن وأمان في الليل والنهار. لا حواجز تعيق تقدمنا نحو قرانا، ولا تفتيش وإذلال ولا انتظار ولا تصاريح مرور وتحقيق وتحقق عن نقاط التوجّه ودوافعها. هنا بقيت أطلال المعبر معلمًا شاهدًا على معاناة أهالي الحدود. لم يواسهم ويطبب جروحهم سوى المقاومة.

تاريخ الـ25 من أيار يختزل لأبناء القرى المحررة في الجنوب وعموم اللبنانيين الكثير من المعاني. يختصر الكثير من مشاهد الألم. سنين طويلة قبعوا تحت نير الاحتلال.. عاشوا فيها كلّ أشكال القهر والقلق لكنّهم لم ينهزموا أو ينكسروا. لم يكن خوفهم على أرزاقهم وأملاكهم.. بقدر ما كان خوفهم على فلذات أكبادهم من سندان التجنيد الإلزامي في جيش لحد ومطرقة الأسر في معتقل الخيام. تقطعت قلوبهم أشلاء، لكنّهم ما برحوا مكانهم صمدوا وواجهوا. كانوا سرا يتغنون بكلّ عملية للمقاومة، ويستبشرون بصدى كلّ طلقة رصاص. كانوا وما برحوا مع المقاومة قلبًا وقالبًا، يترقبون آمال النصر والتحرير الآتي من فوهات بنادقها، فهم منذ انطلاقتها آمنوا بها وتهامسوا بأخبارها، وكانوا يتلهفون لمآثرها ويحزنون على شهدائها ويتحمسون لتضحياتها.

أهل القرى الحدودية خرجوا من رحم المعاناة بعد التحرير أقوى وأصلب، لينشئوا أجيالهم جيلًا بعد جيل على حبّ المقاومة وراية النصر، فاستولدوا مقاومين لإكمال مسير ودرب الشهادة، حتّى قضى كثيرون منهم نحبهم في تموز 2006 وقدموا بيوتهم واملاكهم فداء المقاومة وسيدها، واليوم بعد 24 عامًا يعاودون الكرة. فهم تخرجوا على حبّ الشهادة مذ إلتحقوا بعد التحرير بكشافة الامام المهدي أفواجا افواجا حتّى تخرجوا من مدرسة "الرضوان" مقاومين أشداء وشهداء أحياء عند ربهم.

من كان يتصور أو يحلم يومًا ان أبناء قلعة الصمود الجنوبية التي لم تعرف الدولة طريقها، سيقدمون هدية التحرير الأغلى في تاريخ لبنان إلى اللبنانيين جميعًا. ثمّ سيتقدّمون ليكونوا اليوم بخيرة شبانهم خط الدفاع الأول عن لبنان واللبنانيين.. من كان يتصور أن من كان قدرهم لولا المقاومة أن يكونوا في الأسر وزنازين المعتقلات، باتوا يقدمون اليوم الشهيد تلو الشهيد حتّى لم تكد قرية حدودية طوال 230 يومًا إلا وانطلقت فيها مواكب التشييع لشهداء جيل التحرير ممن عايشوا الانتصار بكلّ افتخار.

في طيات دروس التحرير عبر، العبرة البديهية الأولى أن الاحتلال لا بد أن يستولد مقاومة وهذا النموذج تستحضره القرى الحدودية اليوم وكلّ  يوم مع تصدي ابنائها للعدو الغاشم، حتّى بدت منطقة الحدود متراصًّا صلبًا عصيًّا على معاودة التاريخ تكرار نفسه. هم صانوا البلاد والعباد وكتبوا بدمائهم صفحات جديدة للمستقبل الآتي، منعوا العدوّ في تموز ٢٠٠٦ من احتلال قراهم، صدوه وأوقفوا جيشه الجرار عند أعتاب عيثا ومارون وعيناتا وعيترون وبنت جبيل. واليوم في الـ2024 يسطرون ملاحم البطولة ويذيقون العدوّ الكأس المرة التي أذاقهم إياها يوم اتّخذ من قراهم أكياس رمل لتأمين وحماية مستوطناته فإذا بمستوطناته بذاتها تتحول اليوم إلى حزام أمني بفضل تضحيات المجاهدين وجهادهم الذي لا ينضب.

ومن عبر التحرير كان تحول المناطق المحررة بكلها وكلكلها إلى بيئة حاضنة للمقاومة بعدما عمل العدوّ لسنوات طوال على تطويعها وتركيعها فإذ بها تنتفض من تحت الركام لترفع لواء المقاومة وتبايع سيدها، معلنة ولاءها الكامل لخط الشهادة والفداء في كلّ الاستحقاقات حتّى باتت اليوم في قلب الجبهة تتحمل بصبر وإقتدار أعباء ما تحملته القرى المجاورة للشريط المحتل قبل التحرير من قصف وتدمير ونزوح غير آبهة بكلّ ذلك وهي ترى النصر المحتوم معقودًا على جبين الشهداء.

24 عامًا مضت، محت صفحات الذلّ وطوت معها زمن الهزائم.. وأنجبت أجيالًا من المقاومين لكتابة تاريخ مشرق للبنان الجديد عنوانه زمن الانتصارات. أولى صفحاته كان النصر الالهي في تموز 2006، حتّى بتنا نقلّب اليوم وكلّ يوم صفحة نصر جديد ممهور بدماء شهداء من جيل التحرير. فكلّ  عام وعيدكم مقاومة وتحرير. وكلّ عام والقرى المحررة خزّان المقاومة وخط المواجهة والدفاع الأول عن لبنان واللبنانيين.. وكلنا أمل بالنصر القادم بعيد التحرير الأكبر في فلسطين.

إقرأ المزيد في: عيد المقاومة والتحرير